نجوى عبدالقادرالشعر الشعبي كغيره من الفنون والأشكال الأدبية التي برزت في حياة الأمم والمجتمعات الحضارية وشكلت علامة بارزة في ثقافتها وآدابها.وإذا كان الشعر الشعبي يعبر عن أفكاره وآراء فئات قليلة. وذلك لأنهم ينضوون تحت مجتمعات صغيرة- ولكن أصواتهم لها وقعها القوى وصداها المؤثر في مجرى الأحداث اليومية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفي اليمن كان الشعر الشعبي من أكثر الفنون الفلكلورية أهمية ومنه جاءت الأغنية بمختلف ألحانها والأمثال والحكم اليمنية التي انفردت بخصوصيتها. ويحق لنا القول أن الشعر الشعبي هو لسان العامة الناطق بكل ما تحس به من شتى مظاهر الفرح والحزن والرفض والقبول واليأس والأمل..وتتحدد أشكال الشعر الشعبي كما تتحدد أنواعه وتختلف من فئة الفلاحين إلى فئة المزارعين ثم الرعاة وأصحاب المهن اليدوية. أما الصيادون الذين ينتشرون على طول سواحل اليمن فإن لهم أشعارهم وأهازيجهم التي تختلف عن الفلاحين وأشعارهم وأغانيهم في موسم الحصاد وموسم الزرع. وكما أن للمطر أهمية خاصة في أشعارهم وكذلك في أغانيهم، ومواسمهم وأفراحهم.. إلا أن الحياة السياسية التي شغلت أهالي اليمن قروناً طويلة من الظلم والقهر والاستبداد كانت هم الشعراء الشعبيين وشعراء العامية المثقفين.ولم تمر بالشعراء الشعبيين شاردة ولا واردة إلا تطرقوا لها.واليوم ونحن نستعرض تاريخ نضالنا وكفاحنا المرير ونتحدث عن دور أبناء اليمن من شعراء ومفكرين وسياسيين يجب علينا أن لا ننكر الدور البطولي لأولئك الشعراء الذين واجهوا المستعمر بالكلمة الشجاعة والقصائد التي ألهبت حماس الجماهير وحرضت على القيام بالثورة وهذا ما لمسته وأنا أفتش في ديوان الشاعر صالح سحلول من كلمة حق كتبها الشاعر والناقد اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح في مقدمة ديوان "صوت الثورة" للشاعر الشعبي سحلول:"ومن حق شعراء القصيدة الفصحى في بلادنا أن يعترفوا بتواضع عميق للقصيدة العامية أو الشعبية، هذا الصوت العفوي الصادر عن وجدان الصوت الجماهير والمنطلق من القلب لكي يستقر في القلب دون أن يصطدم في طريقه بأي عائق من تلك المعوقات اللغوية أو الفنية، فقد لعبت القصيدة العامية- بعد الثورة بخاصة- دوراً متميزاً في التصدي لفضح الدسائس والمؤامرات، وناضلت عن الثورة بقدرة تعبيرية وروحية هائلة استمدت الجانب الأكبر فيها من تجربة الشعب وأفكاره ومواقفه، واستطاعت في لحظات المواجهة الحاسمة أن تستفز الأحجار وقبور الموتى- فضلاً عن الأحياء من البشر- ضد المعادين للثورة والواقفين في وجه الوطن الخارج من ظلام القرون باحثاً عن العدل والحرية والتقدم".ومن شعر صالح سحلول في موكب الثورة الثانية 14 أكتوبر يقول :[c1]ردفان يا مشعل الحرية الثانيمن بعد مشعل ورمز الحرية غمدانأول رصاصة على الحكم البريطانيتطلق، وأول شرارة من جبال ردفانعاشت بلادي وعاش كل قحطانييحمل سلاحه وعاشت ثورة الشجعانثورة ستمتد من ردفاننا سانيإلى المكلا، إلى يافع، إلى بيحانوالشعب ناقم على الغاصب وغضبان من كوريا موريا، حتى جبل شمسان.[/c]فعلاً، لقد نجحت القصيدة الشعبية في أن تلتقط صورة مباشرة وصادقة لأوضاع ما بعد الثورة- وهذا ما أكده الدكتور المقالح ونؤكده في استعراضنا للشعر الشعبي في اليمن جنوبه وشماله.رأينا كيف كانت القصيدة الشعبية تتداول بين العامة وتتحول إلى أغان وشعارات وهتافات ضد المستعمرين وبلهجته المحلية وبسخرية حادة ذلك المحتل البريطاني الذي يمثل أعظم امبراطورية لا تغرب عنها الشمس رافضاً بلسانه وبلسان مجتمعه "الدستور" التي حاولت القوى البريطانية أن تفرضه على سلطنة لحج واعتبره دستوراً مزيفاً لتجعله بريطانيا بديلاً عن استقلال هذه السلطنة بالحكم.. كما اعتبره إمتداداً للنفوذ البريطاني:- من قال لهم إنا إلى الدستور في حاجة؟ منوه - يبينوا المرسل إليهم من طرفنا يظهروه- لسنا بحاجة له فما الداعي الينا ترسلوه؟- ينقعونه، يشربوا مايه، وإلا يحرقوه- الشعب بعد اليوم مابا تستطيعوا تخدعوه- الشعب واعي منتبه ما شي مغفل تحسبوه- يعرف حيلكم كلها وأيش قصدكم ذي تقصدوه- تشتوا تضحو به لكرسي حكم باتتبوؤوهبالإشادة به أو الإشارة إليه عن قصد أو غير قصد، فهذا ظلم وإجحاف بحق هؤلاء الشعراء الذين ترقبوا فجر الثورة وتنبؤوا بانتصارها، بل كان لهم الدور الأكبر بالتحريض والمقاومة وكانوا أول من تغنى بانجازات الثورة عبر مسيرتها وهم لسان الأكثرية من عامة الشعب الذين أشعلوا لهيب الثورة وعبروا عن سخطها وغضبها من الوجود الأجنبي الذي انتزع حق العامل والفلاح والموظف البسيط ونهبوا خيرات البلاد وجنوا ثمار أراضيها.. كان الشعر الشعبي أول من دعا إلى الوحدة اليمنية وضرورة العمل على تحقيقها.. فكانت القصيدة الشعبية تنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم وخرجت من إطار الغناء والأهازيج وصبت كل اتجاهها نحو الثورة.رأينا كيف خاطب مسرور مبروك من داخل مجتمعه الصغير والذي يمثل إمارة صغيرة جداً هي " سلطنة لحج" وعلينا في مثل هذه المناسبات العظيمة أن نتذكر عظمة الكلمة التي كانت صرخة حق مدوية في آذان المستعمرين "من دخل بالغصب بايخرج بالصميل" لا يمكن ونحن نردد هذا الشعار أن نتناسى الأثر الكبير الذي تركه لنا عدة شعراء كان لهم ولأصواتهم وقع وصدى قويان، كيف يمكن أن نغفل أو نتغافل عن مسرور مبروك، وحمود نعمان ومحمد سيف ثابت وعبدالله سلام ناجي وغيرهم كثيرون لم نحاول أن نضع لهم مكانة بين الأدباء والكتاب اليمنيين الذين صنعوا الثورة وبأصواتهم الشعرية التي كانت زخات من رصاص في وجه أعداء الثورة. وإذا كان كثير من النقاد قد تجاهلوا الدور الكبير للشعر الشعبي أو لم يبالوا به فأنظر إلى تلك السخرية اللاذعة التي يخاطب الشاعر الساخر مسرور مبروك المحتل في قصيدة شعبية تظهر فيها وطنية الشاعر وأحاسيسه الفياضة بمشاعر الرفض لهذا المحتل:[c1]طال يا راجل سكونك عندناقرن والثاني انتصف وانته هناايش ننسب لك؟ وشو تقرب لناهل أخونا أنت أو بن عمنا؟ليت إنك عربي مثلنابانغض الطرف عنك كلناانت أصلك تختلف عن أصلناثم لغوك يختلف عن لغونابل ودينك يختلف عن ديننافي الوطن هل أنت من جيرانناهل حدودك لأصقة في حدناايش جابك عندنا كيه قل لنابعد شاسع لاجوار بينناأين "بحر المانش" من حقاتنا" !؟ [/c]
|
ثقافة
الشعر الشعبي ودوره في مسيرة الثورة
أخبار متعلقة