القاهرة/14اكتوبر/ هشام نصر: تقليد اعتاد عليه الصغار عند نشوب صراعات بين الكبار، وهو أن تبعات هذه الصراعات تعود بالضرر البالغ على صغار الفاعلين، وهذا بالضبط ما حدث في إطار الحروب العالمية التي نشبت في النصف الأول من القرن الماضي بين الأقطاب العالمية الكبرى وانتهت الحرب وتحولت المخاطر بالنسبة للكبار إلى مزايا وعناصر قوي في حين تركت هذه الحروب آثاراً مدمرة على البلدان الصغيرة التي اشتركت رغماً عنها في هذه الحروب رغم أنه لا ناقة لهذه البلدان ولا جمل في الحروب•• وكانت الألغام الأرضية أبرز هذه الآثار التي زرعها قطبي الحروب في أراضي البلدان الفقيرة ومع مرور الوقت وضح جلياً مدي خطورة هذه الأجسام على اقتصاديات وأمن هذه البلدان وهذا بدوره دفع هذه البلدان إلى المطالبة عبر المنظمات الدولية بضرورة التدخل لحل هذه الأزمة ولكن الكبار كعادتهم رفضوا تحمل تبعات تصرفاتهم الشريرة وتركوا أصحاب الأرض يعانون بشدة وفي ذلك تقف مصر علي رأس قائمة المتضررين من هذه الألغام التي تنتشر بكثافة في أراضيها وخاصة الصحراء الغربية وصحراء شبه جزيرة سيناء طبقا لتقرير حصل عليه "مرصد منع الألغام الأرضية" من وزارة الخارجية المصرية، قام الجيش المصري بإزالة ثلاثة ملايين لغم بتكلفة تقدر بـ 27 مليون لغم في الفترة بين عامي 1981 و1991، بيد أن هذه الألغام والقذائف غير المتفجرة الموجودة في الصحراء الغربية تمنع الوصول إلى ما يقدر بـ 4.8 بليون برميل من احتياطي النفط و13.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي• ومعلوم أن مصر لم تنضم إلى معاهدة منع الألغام، وسبق أن صرح مصدر حكومي بأن القاهرة تحتاج للألغام للدفاع عن حدودها وان هذه المعاهدة فشلت في مطالبة أولئك الذين زرعوا الألغام في مصر في الماضي بتحمل مسؤولية إزالتها ، وقد سقط العديد من القتلي والجرحي المصريين نتيجة هذه الألغام المزروعة، ولكن إجمالي عدد الضحايا في مصر غير معروف، ففي فبراير 1999 ذكر أن الألغام الأرضية حصدت 8313 ضحية، منها 696 قتلوا و7617 أصيبوا ومنهم 5017 مدنيا• ومن المعتقد أن هذه الأرقام تنطبق فقط على أعداد الضحايا التي سقطت في الصحراء الغربية منذ عام 1982 وحتى الآن، وفي عام 2003 أصيب سبعة أشخاص بإصابات خطيرة في خمس حوادث مسجلة، وقد استدعى الأمر إجراء عمليات بتر لاثنين منهم• وسجلت منظمة الحماية من الأسلحة وآثارها سقوط 19 ضحية في خمس حوادث متفرقة في الفترة من يناير إلي سبتمبر 2004 واحد منهم فقط كان عسكريا، وخمسة من الأطفال، وكذلك سقوط أعداد أخري ، وأعلنت مصر رفضها الانضمام لاتفاقية "أوتاوا" الخاصة بحظر الألغام بسبب عيوب كثيرة فيها وقصور في معالجة مشكلة الألغام بشكل فعال• ومن جهتها أكدت الخارجية المصرية وجود تحفظات على الاتفاقية أهمها أنها لا ترتب أي مسؤولية علي الدول التي زرعت الألغام ، وبالتالي عدم مساعدة مصر في إزالة الألغام المزروعة في أرضها (23 مليون لغم) فضلا عن عدم انضمام الدول الكبري ذاتها للمعاهدة، والأهم عدم وجود وسيلة بديلة لحماية الحدود من الأخطار الخارجية في حالة تدمير الألغام الأرضية كما تنص الاتفاقية• وقالت إن نقطة الضعف الجوهرية هذه كانت أحد الأسباب التي حالت دون انضمام مصر لمعاهدة أوتاوا بالرغم من أن مصر كانت قد شاركت في كافة الأعمال التحضيرية للتفاوض حول هذه الاتفاقية وصياغتها في عامي 1996 و1997 ، ومما حال كذلك دون انضمام مصر إلى اتفاقية أوتاوا هو تجاهل هذه الاتفاقية حق الدول المتضررة من الألغام في الحصول علي مساعدات من المجتمع الدولي لتطهير أراضيها من الألغام مقابل انضمامها إلي الاتفاقية•
لغم ارضي
تؤكد د• فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي المصرية أن مشكلة الألغام المزروعة منذ الحرب العالمية الثانية في مناطق الساحل الشمالي الغربي لمصر تعرقل زراعة هذه المنطقة التي تقع علي مساحة 248 ألف هكتار، أي ما يوازي نحو 590 ألف فدان، وهو ما يمثل 22 في المائة من مساحة مصر، وأنها تعرقل بشكل عام زراعة ثلاثة ملايين فدان• وتشدد في ردها على سؤال للنائب علي إسماعيل (عضو كتلة الإخوان المسلمين البرلمانية) حول ما تمت إزالته من الألغام الموجودة في مساحة 4.5 مليون فدان في الصحراء الغربية، على إن مشكلة الألغام والأجسام القابلة للانفجار أدت إلى عدم استفادة مصر من هذه المنطقة الواعدة على مدار أكثر من 60 عاماً، ومنها النفط والغاز•، مشيرة إلى أن الاحتياطي في هذه المنطقة يقدر بنحو 8.4 بليون برميل من النفط و4.13 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، تساهم فيه المنطقة حاليا بنسبة 14 في المائة فقط من الإنتاج الكلي من النفط والغاز الطبيعي بسبب الألغام، وأن هذه المشكلة تسببت كذلك في قلة عدد السكان، حيث أنهم لا يتجاوزون 248 ألف نسمة أي 0.4 في المائة من إجمالي سكان مصر، بالإضافة لضعف الكثافة السكانية في منطقة الشمال الغربي وتدني مساهمة الإقليم في الاقتصاد القومي• وتقول : إن عدد الألغام والأجسام القابلة للانفجار المتبقية في منطقة الساحل الشمالي الغربي وظهيره الصحراوي حوالي 16.7 مليون لغم وجسم قابل للانفجار تمثل 16 في المائة من إجمالي الألغام المزروعة في العالم والتي تقدر بنحو 105 ملايين لغم، وأن مصر تعتبر من أكثر الدول في العالم تضررا من مشكلة الألغام بسبب حروب دول المحور والحلفاء على أرضها في العلمين ومنطقة الصحراء الغربية، وما واكبها من زرع ملايين الألغام من الجيوش المختلفة التي ليس لها خرائط تسهل البحث عنها• وتضيف: زادت الأزمة سوءاً بسبب الحروب المصرية الإسرائيلية المتتالية وزرع آلاف الألغام الأخرى في سيناء ما جعل مصر الدولة الأولي في العالم المصابة بالألغام، والتي يبلغ عددها 23 مليون لغم أرضي، منها 16.7 مليون لغم تنتشر في 2480 مليون متر مربع في الصحراء الغربية وعلي الحدود الليبية بعمق 30 كيلومتراً مربعاً، و5.1 مليون لغم في 200 مليون متر مربع في المناطق الشرقية مثل سيناء والبحر الأحمر ، وتؤثر هذه الألغام علي حياة ما يقرب من مليون شخص، وتزداد المشكلة تعقيدا في ظل وجود عدد محدود من الخرائط لهذه الألغام، ورغم هذا يواصل المصريون استخدام هذه المناطق في الرعي والزراعة ومشروعات البنية التحتية وبناء المساكن• [c1]أجسام متفجرة[/c]اللواء/ د• محمود أبوسديرة وكيل لجنة الزراعة والري بمجلس الشوري المصري يقول: إن المشكلة لا تكمن في الألغام فقط لكن توجد أجسام كثيرة قابلة للانفجار ملقاة في الصحراء ومغطاة بالرمال، وهذه الأجسام هي مقذوفات تم القاؤها ولم تنفجر ومما زاد المشكلة سوءاً أنه لا توجد خرائط حقيقية تدل علي وجود أماكن الألغام لأن عوامل الطقس وحركة الرمال وطول المدة الزمنية تجعل أي خرائط لا تدل علي الأماكن الحقيقية للالغام وبالتالي غيرمجدية ويجب البحث عن حل لتلك المشكلة•ويضيف: أكبر تمركز لحقول الألغام والأجسام المتفجرة يوجد بجنوب العلمين، حيث يوجد حوالي 8،31 مليون لغم في مساحة 893 ألف فدان ويليها مناطق فوكه ومطروح وأم الرخم، التي تشغل الألغام حوالي 741 ألف فدان من أراضيها ويليها مناطق سيدي براني والسلوم وتنتشر هذه الأجسام علي مساحة 421 ألف فدان من أراضيها وهذا ما يؤدي إلي تعطل الكثير من مشروعات التنمية مثل استطلاع الأراضي الممتدة علي ترعة الحمام وإقامة حديقة دولية وأكاديمية لعلوم الصحراء والبيئة ومنطقة للصناعات الخفيفة جنوب السلوم وجنوب شرق مطروح والتجمع العمراني المصاحب لها ومشروع تنمية المراعي الطبيعية وآخر لانتاج النباتات الطبية والعطرية، ومما يزيد المشكلة أن هناك مساحات شاسعة مجاورة لحقول الألغام يخشي الاقتراب منها•
الغام بحرية
[c1]تعاون أمريكي[/c]ويرى د• طارق عبدالرؤوف استاذ الكيمياء الحيوية أن وجود الألغام الأرضية في أي منطقة يوقف مسيرة التنمية بها، نظراً إلى الخطر الذي يهدد كثيراً من الأرواح، كما أن اتساع مساحات حقول الألغام وعدم وجود خرائط لها عقبة كبيرة أمام الجهود المبذولة لإزالة هذه الألغام، هذا ما دفع إلى تعاون مصري أمريكي لحل هذه المشكلة، وتكون فريق بحثي مشترك نجح باستنباط نبات يستطيع الكشف عن الألغام الأرضية•ويوضح أنه بعد عدة دراسات تم التوصل إلى وجود نظام جيني بالبكتيريا النباتية يمكنه من التعرف على هرمون نباتي يفرز بواسطة النبات، الذي يشعر بمادة T.N.T الشديدة الانفجار والموجودة بالألغام وعند إحساس البكتريا النباتية بهذا الهرمون فإنها تنشط وتقوم بمهاجمة النبات المصاب مشيراً إلى أن الفريق ذاته اكتشف أن التركيب الكيميائي لمركب T.N.T يتشابه مع التركيب الكيميائي لهذا الهرمون ومن هنا بدأت فكرة فصل الجينات المسئولة عن التعرف علي الهرمون النباتي من البكتيريا ثم هندستها ثم نقلها إلي الخلية النباتية لتكون قادرة علي الكشف على مادة T.N.T•ويخلص د• عبدالرؤوف إلي أنه يتمني أن تستفيد مصر والدول العربية والإسلامية من هذا الاكتشاف عن طريق الاتفاقات الدولية مع الولايات المتحدة الأمريكية لأن المشروع ممول من وزارة الدفاع الأمريكية ووكالية ناسا للفضاء وشارك في فريق البحث اثنان من الأمريكان ونحن نعمل لخدمة مصر التي تحظي بنصيب الأسد من الألغام حيث أن بها 41% من الألغام الموجودة في العالم كله•[c1]ملاحقة![/c]أما د• محمد سعيد الدقاق رئيس رابطة القانون الدولي فيشدد على أن مباديء القانون الدولي تلزم كل دولة تتسبب في إضرار بأرض دولة أخرى بتعويضها عن هذا الضرر وزرع الألغام بصحرائنا الغربية له وضع قانوني خاص إذا أن مصر لم تكن طرفاً زارعاً للألغام في هذه الحرب، التي دارت علي أرضها رغماً عنها ولم يكن من استطاعة مصر رفضها أو إبعادها عن أراضيها وهذا الوضع يختلف عن الحروب التي تقع بين الدول وتزرع كل ألغاماً في أرض الدولة الأخري، فحينئذ تكون المسئولية مشتركة في إزالة هذه الألغام وتحمل الضرر الناشيء عنها•ويشير إلي أنه لابد أن تتحرك الدول التي اشتركت في الحروب التي دارت علي أرض مصر بإزالة هذه الألغام علي نفقتها بالإضافة إلي تعويض آلاف الضحايا الذين سقطوا من جراء الالغام وتعويض مصر عن الأضرار التي أصابتها خلال هذه السنوات الطويلة من حرمان لاستغلال جزء كبير من أراضيها وإن لم تتحرك تلك الدول لإزالة الألغام فلابد من اللجوء للهيئات والمنظمات الدولية للمطالبة بإزلتها وتعويض المتضررين موضحاً أنه من يقول لا يوجد خرائط للألغام لفقدانها أو طمسها يقصد التهرب من المسئولية إذ أن هناك العديد من الدول قامت بإزالة الألغام من أراضيها دون خرائط كما أن الخبراء العسكريين يؤكدون أنه حتى لو وجدت خرائط لهذه الحقول فلا يمكن الاعتماد عليها لأن الألغام الأرضية تتحرك في الأراضي الصحراوية بفعل الرمال والعواصف• فتصبح هذه الخرائط لا فائدة لها لتسري في ارضنا ألغام لا تخمد بمضي الزمن بل تزداد ضراوة على مر السنين•