أضواء
من الأشياء التي لم أستطع أن أستوعبها، وغير مصدق حدوثها، سيول جدة، عروس البحر الأحمر، وما خلفته من دمار في المكان، وهلاك في الإنسان، كان الأمر ممكناً لو أن الفيضانات بحجم فيضانات الصين ودول شرق آسيا، وكان يمكن لو أن المكان غير جدة، في قرى نائية وتنقصها البنى التحتية، وفي دول فقيرة غير السعودية لا تملك مقومات البقاء والتصدي لظاهرة طبيعية، أما جدة، فذلك سؤال كبير، نقوله: حرصاً ومحبة لأشقائنا السعوديين الذين لم يتوقعوا كارثة كهذه، وفي مدينة عصرية بكل مقوماتها، تاركة كل شيء محطماً: النفوس والأشياء!ما جرى هناك، هو عظة وعبرة لمدن الخليج التي غير بعيدة عن الكوارث الطبيعية، لظروف تغير المناخ في العالم، والعبث بمقدرات الطبيعة في كل مكان، والإخلال بتوازنها الرباني، فنحن مثلما نصلي صلاة الاستسقاء، طلباً للغيث والرحمة، علينا أن لا نرد مصائبنا للسماء، وأنها جاءت انتقاماً للمعاصي، بل علينا أن نطور أجهزة الأرصدة الجوية والتنبؤ بالكوارث الطبيعية لنعمل حسابنا، ونتهيأ لأسوأ الظروف، علينا أن نتحرك قبل حلول الكارثة، لا بعدها، ونستنفر خلية مواجهة الأزمات الوطنية لتستعد وليقف كل في مكانه، وليعمل كل واجبه.البناء العصري في مدن الخليج، والتطور العمراني السريع لا يجب أن يعمينا عن أهم حقيقة، وهي بناء البنى التحتية أهم من التطاول في البنيان، واللمعة الزجاجية، وتوفير معدات إطفاء الحريق، وإجراءات السلامة أهم قبل أن نفرح بإتمام الدور السبعين، وتصريف مياه الأمطار والمخلفات أهم من مد الجسور والطرق المعبدة، فالكوارث فاضحة، والأزمات تظهر معادن الناس، ولا يمكن أن يتساوى الصادق والأمين مع الكاذب المرتشي والغشاش، ولا يمكن أن يتساوى الذي يعمل بجهل مثل العالم البصير والخبير، لابد من محاسبة، ومكاشفة، وأول العلاج لا آخره الكي والبتر.ونحن في دول الخليج تكاد أن تتشابه أمورنا وحالاتنا بنسب متفاوتة، جبرتنا عليها ظروفنا التي استغلت ببشاعة من قبل الآخرين، بداية نهضة شاملة، قلة دراية، نقص في التعليم والخبرات، انصراف المواطن عن الأعمال المهنية، فساد في المؤسسات، ونفوس كثيرة أمّارة بالسوء، وإلى أن تنبهنا أكل الجميع من وقتنا ومالنا مع سوء مصنعية!ومثلما أحزنني خبر السيول ومخلفاتها وحصادها المؤلم في جدة، أفرحني خبر تبني دول المنطقة للقطار الخليجي، وتسييره وربطه بكل المناطق فيها، لكن قبل أن نرفع من ميزانية القطارات، ودرجات الرفاهية فيها، وسرعاتها العالية، علينا أن نبني السكة صح![c1]* عن/ صحيفة «الاتحاد» الإماراتية[/c]