فاطمة شعبانكثيراً ما يتم الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة، ودور هذه المشاركة في التعبير عن تغييرات أساسية في أوضاع المرأة في البلدان التي تمنح المرأة حق المشاركة السياسية. لكن هناك خلاف على شكل المشاركة السياسية للمرأة، خاصة في البلدان النامية، والتي نحن منها. هل يكون بإعطائها حصة “كوتا” من التمثيل تفرض في الهيئات التمثيلية ولا يشغلها غير النساء، أو يتم ذلك بمنح النساء مواقع سياسية متقدمة في التشكيلات الحكومية، أم أن المشاركة تكون عبر تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة وقدراتها والتعامل معها من موقع التساوي الفعلي مع الرجل لا من خلال التساوي الشكلي، وهو ما يسمح بالتالي بتعديل أوضاع النساء؟إن كل واحد من هذه الأسئلة يفترض جواباً ضمنياً، ولكل جواب منطقه والمدافعون والمدافعات عنه. فأصحاب نظرية حصة المرأة في التمثيل يبررون مطلبهم، بأن المجتمعات النامية لا تقبل بوصول النساء إلى الهيئات التمثيلية، لأن النظرة السائدة في المجتمع أنها أقل كفاءة من الرجل، وهذه النظرة تمنع المواطنين من التصويت للنساء. وبذلك تفشل عملية التمثيل السياسي للنساء إذا لم تفرض حصة معينة من النساء على الناخب، أو يتم تعيينها من قبل السلطة التنفيذية، وبذلك يتم اختبار النساء في العمل العام ويصبح هناك قبول مجتمعي لتمثيل النساء مع الوقت، والأداء الجيد للنساء في حقول الشأن العام يدعم هذا القبول.لا تختلف نظرة أصحاب تمثيل النساء الحكومي عن سابقاتها، فهي تقيم نظرتها على وضع النساء في المواقع الحكومية على أساس تعويد المجتمع على الوجود النسائي في الهيئات التنفيذية الأولى التي تجعل النساء على صلة مع المواطنين، وتظهر للمواطنين قدرة المرأة على إدارة الوزارة بوصفها أرفع منصب تنفيذي. وبالتالي تجعل إمكانية قبول الوجود النسائي في الهيئات القيادية الأولى وفي المواقع التمثلية أكثر سهولة.النظرة الثالثة وهي الأكثر شمولاً وتعقيداً، تعتمد على تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة وقدراتها، وهو ما يحتاج إلى ثورة على كل المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية... وهي مسار يحتاج إلى وقت وعمل طويلين. فالنظرة التي صاغها المجتمع عن الأدوار الاجتماعية لكل من المرأة والرجل هي نظرة تم بناؤها خلال قرون، ولا يمكن تغييرها خلال سنوات. ونظرة المجتمع إلى السياسة بوصفها ميداناً للرجال فقط هي نظرة ثابتة في مجتمعات ذكورية بامتياز. كما أن النظرة والبنية الثقافية للمجتمع تعطيان مواقع تفوقية للرجال، وتنظر إلى المرأة بوصفها أقل في كل شيء. وهناك آلاف التفاصيل التي يمكن التدليل من خلالها على هذه النظرة الاجتماعية للمرأة، وتفكيك هذه النظرة يحتاج إلى جهد مكثف من قبل حركة نسائية تعي أهدافها، ورغم المصاعب الكبيرة التي تعترض هذه النظرة، إلا أن الأفق ليس مغلقاً. إن مطلب دمج المرأة في جميع مجالات المجتمع وبوصفها عضواً مساوياً للرجل في الحقوق والواجبات، هو مطلب قائم منذ عقود، وسيبقى قائماً لعقود قادمة. وإذا كان الأساس النظري الذي تتم المطالبة به بهذه الحقوق مبنياً على مبادئ وأسس قوية لا تفرق بين الرجل والمرأة، فإن الممارسة الاجتماعية أقوى من أي معطيات نظرية. فإذا كان من الصحيح أن هناك إنجازات مهمة في أوضاع النساء جرت خلال العقود الأخيرة، على مستويات التعليم والخروج إلى العمل، ولكنه في إطار النظرة التقليدية للأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل. وما تزال النساء يعانين من الأمية والفقر، ومن عدم توفر فرص العمل، ويمارس عليهن العنف بأرقام مرعبة... فرغم الإنجازات المهمة، إلا أن الواقع يبقى مختلفاً عن البيانات التي تتم صياغتها لإعطاء صورة إيجابية عن الأوضاع التي تحققت للنساء في الكثير من البلدان، والتي نجد في الكثير منها والتي تدعي أوضاعاً متقدمة للنساء، أن أوضاعهن أكثر قسوة من أي تصور.لا شك بأن دور المرأة وقدرتها على المساهمة في بناء المجتمع الذي تعيش فيه، يعودان إلى قدرة هذا المجتمع على قبول المرأة كمواطن طبيعي، وأكثر ما يتطلب هذا الاعتراف هو دورها في الشأن العام، وخاصة في التمثيل السياسي. ومع تمسك المجتمع بحزمة واسعة من المفاهيم التقليدية التي تحصر المرأة في دور الحفاظ على النسل وإدارة مطبخ البيت وترسيخ هذه المفاهيم في الثقافة اليومية، وهو ما يضع حواجز مرتفعة أمام خروج المرأة عن دورها التقليدي ويشكل عائقاً أساسياً أمام دمج المرأة، لا في المستوى السياسي فحسب، بل وفي المستويات الأخرى، مما يُبقي دورها محبطاً على الدوام.كما أن مكانة المرأة لا تتعلق بموقعها في البنى الاجتماعية، والحصار الاجتماعي الذي يُفرض عليها، بل وبوعي المرأة لذاتها ولدورها ولقوتها كفرد وكمجموعة اجتماعية، وهذا ما هو غائب حيث لا نجد هناك حركة نسائية واضحة المعالم والأهداف، وهي حركات تعتمد على الهوامش التي توفرها الأحزاب السياسية، ولكنها ليست حركات نسائية أصيلة تعتمد هموم ومتاعب وقضايا المرأة كأساس للعمل، بقدر ما يكون ذلك هامشياً في عملها، حتى في إطار المنظمات النسائية، لأن ولاءها بالأساس للقضية الأساسية التي يعمل من أجلها الحزب وليس لقضايا النساء، التي تبقى هامشية وعنواناً دعائياً لا غير.فمشكلة المرأة وعلاقتها بالسياسة، لا تكمن فقط في الوصول إلى المواقع السياسية الأولى، لأن هذا الوصول في كثير من الأحيان وصول خادع. فوصول المرأة إلى موقع سياسي في قمة هرم السلطة لا يعني أن هناك تغييراً في النظرة الاجتماعية للمرأة، وإعادة النظر في الدور السياسي لها، بقدر ما يكون ذلك نوعاً من الديكور السياسي، بلا فعالية، وبلا انعكاس، والتمثيلات الديكورية تقوم على ترسيخ القاعدة لا على خرقها، من أجل ذلك فإن المناصب الوزارية التي شغلتها النساء في العالم العربي، ما هي إلا مواقع هامشية.إن العمل الحاسم يجب أن يكون في القاعدة، وهي وحدها الكفيلة بتغيير الصورة، والدور الرئيسي يقع على عاتق المرأة ذاتها، رغم أن مشكلة المرأة ليست مشكلة ذاتية للنساء بقدر ما هي مشكلة مجتمع نصفه معطل، ومشكلة مجتمع يعمل بنصف قدرته هي مشكلة تكاد تكون مستعصية.إن معركة المرأة معركة مزدوجة دائماً، وهي كذلك في مجال المشاركة السياسية، هي معركة من أجل الحصول على الحقوق الطبيعية للنساء لأنهن يشكلن نصف المجتمع، وهي معركة من أجل الوصول إلى الديموقراطية. فالديمقراطية وحدها التي توفر الأساس الذي يعطي المرأة المجال الذي تعبر من خلاله عن ذاتها ومشاكلها وتطالب بحقوقها. فالمشكلة أصلاً تتعلق بالقمع المزدوج الذي تعاني منه المرأة، وهو لا حل له إلا بتغيير نظرة المجتمع إلى المرأة، وهو نفسه ما يؤدي إلى التعديل الطبيعي بنسبة تمثيل النساء في الإطار الحكومي أو التمثيلي. وبذلك لا تبقى المرأة أسيرة منحة الرجل والسلطة السياسية القائمة، بمنحها حصة تمثيل هنا ومنصب سياسي هناك، وقد أثبتت أن هذه المنحة لا تلبث أن تزول عندما يعود المانح عن منحته لأنها تمثيل مفتعل، وليس أصيلاً. وبذلك تعود الأشياء إلى أصلها، وأصلها أن معركة المرأة مع الظلم هي معركة نسائية قبل أي شيء آخر.[c1]* كاتبة فلسطينية [/c]
|
مقالات
المرأة والسياسة... المشاركة وشغل المناصب
أخبار متعلقة