الحديث عن مشاريع شبكات القطارات مثل روايات الفانتازيا، الكثير روي عنها والقليل منها نفذ، والشيطان يكمن عادة في التكاليف لا التفاصيل كما يحب ان يقول المتحذلقون. إلا أن الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي محمد المزروعي يريد أن يجرب حظه فأذاع خبر سكة حديد بين دول المجلس. قال إن هناك دراسة تبحث في جدوى فكرة الربط الحديدي لألفي كيلومتر بين الدول الخليجية الست. وأظن أنه مهما استنتجت الدراسة ستبقى المشكلة هي نفسها في التمويل.الاستنتاج الأولي أن قيمة بناء الشبكة ستكلف 14 مليار دولار، وأجزم أن إدارته وصيانته لن يغطيهما ثمن تذاكر المسافرين. ففي بريطانيا صارت تكاليف السفر بالقطار أغلى من سفر الطائرة أو السيارة أو الباخرة، ورغم غلاء أثمانها فان شركات السفر الحديدية تتأوه من تراكم الخسائر. القطار سيظل بيننا رغم انه أقدم وسيلة نقل حديثة، منه هبط الإنسان من الجمال والحمير إلى العربات على العجلات.إذاً كيف استطاع الأتراك قبل أكثر من مائة سنة بناء تلك الشبكة المذهلة التي ربطت اسطنبول بالعالم، ربطت عاصمة العثمانيين بالشام بالمدينة المنورة، نقلوا عليها حجاجهم ومواشيهم وجنودهم وبضائعهم؟ كيف مدوا، أيضا، شبكة أخرى من اسطنبول إلى البصرة بشكل باهر سبب حنق الروس والبريطانيين الذين اعتبروها خطرا على مصالحهم، وتقاتلوا عليها في الحرب العالمية الأولى؟ السر الأول أن الألمان دفعوا جزءا كبيرا من ثمن المشروع لحلفائهم الأتراك. والسبب الثاني أن العمالة كانت شبه مجانية لان آلاف الكيلومترات بنيت بعرق الجنود الأتراك والعرب وبقية القوات التي ألحقت قسرا أو طوعا بالجيش العثماني.وربما يستطيع الخليجيون بناء الشبكة بربع الثمن لو أن منظمات حقوق الإنسان تغض النظر عن الاستغلال الظالم للعمالة الآسيوية الرخيصة، ولو أن الحكومات تتجرأ على منع وضع اليد على أراضي الدولة التي سيكتشف قراصنة العقار أن السكة ستمر منها، أيضا لو أن العمل رسا في مناقصة علنية فيها محاسبة شفافة. لو تضافرت بعض هذه الظروف لربما صار الحلم حقيقة. وقيمة سكك الحديد أكيدة في تخفيف الضغط على الطرق الطويلة العامة والسريعة الملطخة بدماء الحوادث المفجعة. فمعظم هذه الطرق ترزح تحت أطنان سيارات الشحن التي تفسدها وتتسبب في مجازر بشرية هائلة في حين أن القطارات هي أكثر وسائل النقل سلامة وسلاسة. وليس صعبا أن نرى قيمة القطار في إيصال الحجاج من مدينة جدة إلى مكة والى المدينة المنورة أيضا، فهو مشروع مربح بنحو 15 مليون تذكرة سفر مكررة مع ضرورة توفير بعض الشروط السابقة حتى يصبح تجاريا أو مفيدا. فالقطار لا يزال في بعض الأرجاء المهجورة من العالم العربي وسيلة نقل البشر مع قطعان أغنامهم ومع انه لا يحقق ربحا فهو يظل وسيلة لا تقدر لهم بثمن.[c1]* نقلا عن صحيفة (الشرق الأوسط) [/c]
سكة حديد الخليج
أخبار متعلقة