* بعد أيام قليلة يهل علينا شهر رمضان الكريم مصطحباً معه مغالق العصيان والذنوب ومفاتيح الرحمة والمغفرة وفرص النجاة من النار، وعلى مدار ثلاثين يوماً تسموا النفوس المؤمنة فوق كل الملذات وهي تعلن أن السعادة الحقيقية لا تكمن الا بالتواصل الروحي مع الخالق عز وجل، وأن بهجة القلوب وانشراح النفوس لا يتحقق الا بالاحساس بمعاناة واحتياج الفقراء والمعوزين، وفي ذلك يتجسد على هذه البسيطة الزائلة الهدف من وجود الانسان وهو العبودية والطاعة والامتثال لاوامر ونواهي الله تعالى ورسوله «صلى الله عليه وآله وسلم».فمن المفترض ألا يخرج حال الامة الاسلامية عن ذاك الحال الا ان كثيراً من المسلمين صارحالهم نقيضاً لذلك وانحسرت من قلوبهم وسلوكياتهم تلك المعاني والقيم الاسلامية العظيمة حين ذهبوا باحثين عن شهواتهم واهوائهم الشيطانية، مبتعدين عن طريق البناء الروحي والنفسي الذي فيه تكمن السعادة والنجاة.ها نحن نستقبل هذا العام شهر رمضان الفضيل، كما استقبلناه في العام الذي قبله مع زيادة الاقبال على السلع والمواد الغذائية وغير الغذائية لاعمار مائدة الافطار بمختلف انواع الاطعمة والماكولات والمقبلات، وكأننا مقبلون على مسابقة لاكبر وافضل مائدة افطار.. اليس ما نراه من نهم واقبال على شراء متطلبات غير ضرورية لموائد رمضان يعد ابتعاداً عن هدف ومعاني هذا الشهر الذي انزل فيه القرآن ولم يقل الخالق عز وجل ان في رمضان انزل الموائد والماكولات.. فلماذا هذا العبث وتحميل الانسان نفسه فوق طاقتها ومن ثم تذهب تلك الموائد الى براميل القمامة، وهاهي اسعار المواد الغذائية نتيجة لاقبال الناس عليها تشهد ارتفاعاً غير معقول ولا مبرر، فيما بعض السلع بدأت ايضاً -بفعل فاعلين كعادتهم في مثل هذه المناسبة- تختفي لتعود إلى الظهور ولكن بسعر اكبر مما كانت عليه قبل الاختفاء مبررين ذلك بارتفاع الدولار الذي سابق الريح في الصعود خلال مدة وجيزة وتاريخية ليصل الى ذلكم الرقم (والله بايستر الى فين بايوصل) ليدخل بذلك الصعود التاريخي في موسوعة جينيس للأرقام القياسية مع العلم أن هذا الارتفاع للدولار جاء بعد أن كان التجار الجشعون قد أستوردوا بضائعهم وخزنت في مخازنهم ,ومما يساعد هؤلاء على جشعهم انعدام الرقابة على مثل هذه السلوكيات التي تتنافى مع تعاليم الدين الحنيف والقيم الاخلاقية.والغياب المريع لوزارة التجارة والصناعة وفروع مكاتبها في عموم المحافظات وعدم قيامها بالتصدي للمتاجرين والمتلاعبين بقوت الشعب وإتخاذ الإجراءات القانونية والرادعة بحقهم يطرح أكثر من سؤال حول مهمة هذه الوزارة الغائبة عن معاناة الناس وما يواجهونه على أيدي من ماتت ضمائرهم من بعض التجار الذين باتوا يصنعون الأزمات في ظل هذا الغياب الرسمي غير المقبول,الأمر الذي دفع فخامة رئيس الجمهورية ليصدر توجيهات صارمة للحكومة بتركيز جهودها في تثبيت سعر العملة الوطنية واستقرارها ،وكذا أسعار المواد الغذائية الأساسية، والتصدي الحازم للمضاربين بالعملة الوطنية سواء كانوا بنوكاً أو محلات صرافة وغيرهم ،وكذا ضبط المتلاعبين بأسعار المواد الأساسية واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحقهم عند ترؤسه أمس جانبا من الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء الذي كرس للوقوف أمام الأوضاع الاقتصادية التنموية وبوجه خاص ما يتعلق بالمعالجات المتخذة من قبل الحكومة لاستقرار وضع العملة الوطنية وتعزيز الوضع التمويني لمختلف المواد الأساسية في عموم محافظات الجمهورية.وشدد فخامة رئيس الجمهورية في كلمته التوجيهية للحكومة، على الدور المحوري الذي ينبغي أن تضطلع به وزارة الصناعة والتجارة والمجالس المحلية في أمانة العاصمة والمحافظات في هذا الجانب وعلى وجه الخصوص تثبيت أسعار المواد الأساسية والتصدي للمتلاعبين بها... فهل تستجيب الحكومة والجهات المعنية بضبط السوق وحماية المواطن من جشع التجار الذين تحولوا للأسف الى معاول هدم لاترحم!؟.* ونعود مرةً أخرى الى ليالي رمضان في وطننا الاسلامي وما نشاهده من سباق محموم في مئات القنوات الفضائية العربية استعداداً لشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار لجذب المشاهدين «الصائمين» وهي تعلن عن بث -حصري- لآخر المسلسلات الدرامية الرومانسية واخرى تنفرد بعرض المسلسلات التركية والافلام الاكشن.فيما قنوات (محترمة جداً) تعلن لمشاهديها «الكرام» عن امسيات رمضانية عامرة بالسعادة تستضيف فيها -طبعاً ليس شيخ الازهر او احد علماء الدين او الداعية فلان- بل الفنان الكبير المبدع «شعبان عبدالرحيم»- الحمدلله ان اسمه ليس رمضان عبدالرحيم- والفنان «تامر حسني» ومغنيات كلهن اغراء وجمال وصوت عذب!!.. فيما بعض القنوات العربية «الاسلامية» نجدها تبشر المشاهدين في ليالي شهر الرحمة والغفران بمسابقات من سيربح آلاف الدولارات وباسئلة فنية وهزلية سهلة جداً.. اما من يريد ان يربح الجنة فليس له الا قنوات لا تتعدى اصابع اليد.. هذه ليالي شهر رمضان الفضيل في قنواتنا.. حسبنا الله ونعم الوكيل.[c1]آداب[/c]واذا عدنا الى سلوكياتنا في نهار رمضان فانها حقاً رمضاء جافة من اداب الصوم واخلاقيات الصائم واهداف الامتناع عن شهوات الجسد في نهار رمضان.. شجار كل دقيقة.. اعصاب متوترة.. صراع مستمر للحصول على وجبات الافطار الخفيفة.. وصدامات وحوادث في الساعة التي تسبق الافطار.. غياب وهروب وخمول واستهتار في ساعات الدوام الرسمي وكأن العمل والشعور بشيء من الجوع والعطش وقليل من التعب من مفطرات الصوم او من نواقض الوضوء دون ان ندرك ان اعظم الفتوحات والمعارك التي خاضها وانتصر فيها جيش المسلمين كانت في شهر رمضان.هذا هو حال واقعنا كأمة اسلامية اختلط فيه الغث بالسمين ليس فقط في شهر رمضان الفضيل بل في كل زمان ومكان، وهذه هي عقولنا نزحف دون ان ندرك نحو الجمود والتغييب.. فيما نفوسنا لازالت وستظل تواقة الى تحقيق غاياتها النبيلة واستعادة مجدها وامتلاك زمام الارتقاء بالذات والاستفادة مما فات، ولنجعل من رمضان هذا العام بداية التقويم واصلاح ما افسده الاعداء.. ورمضان كريم.
استفهامات استعداداً لرمضان
أخبار متعلقة