بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الشاعر عبدالله الدويلة :
عبدالعزيز الدويلهسنحاول هذه المرة وفي الذكرى الثالثة عشرة لرحيل شاعرنا الصحفي الفذ المرحوم الوالد / عبدالله مولى الدويلة ، وبعيداً عن تجربة حياته النضالية والثقافية والصحافية تسليط الضوء على بعض قصائده النثرية التي كتبها في فترة الثمانينات حتى بدايات التسعينيات والتي شكلت نقلة نوعية من حيث قوة الاسلوب والقدرة على ترجمة وتعميق الفكرة واللغة والمعنى الابداعي وذلك من خلال قراءتنا لتلك النصوص النثرية واختيار اهمها كنموذج راق من ديوانه الذي نعتبره حالياً مسودة تحتوى على (35) قصيدة عمودية ونثرية وتحتاج فقط إلى مراجعة وكتابة المقدمة ووضع اللمسات الاخيرة في الاشياء والمعاني العميقة والتقديم والإخراج . ولعل اهم قصيدة نثرية نالت استحسان النقاد قصيدة ( روبابيكيا ) التي ترمز إلى اشكالية السلطة والثروة يقول فيها : وامنح الوغد .. سفسطةً ، وللجارية .. عنقوداً لمناقبها ، ولصاحب الشرطة .. مسبحةً ، يغتال بحباتها .. أغنية الحرف الملعونة .. في نظري ، فالكل في نظري ملعون .. الا النفط ياصاحب الشرطة ! ..خذ مني مسبحة الحرف .. كي تأتلق حبال المشنقة ، الشاعر .. في بهو النفط ، يأكله الحرف عندما يرفضه ليل العرضوليل الطلب .. يمتشق الحرف الصدى ، .. ويلف على باب الخصيان .. وينادي .. روبابيكيا .. روبابيكيا كما عبر الشاعر عبدالله الدويلة بالقصيدة النثرية عن آمال وطموحات الشعب اليمني في تحقيق الوحدة اليمنية حيث تجسدت في قصيدته ( لن يشطر حرفي ) قائلاً :كيف .. يشطر حرفي ! .. كيف .. يشطر وجهي !..لن يقبل حرفي ... أن يشطر ، كي يشطر ... لابد ... ان يسبقه طوفان ، حتى ينقلب ... كسيحاً ، شحاذاً او مهرجاً او يسير .. خافتاً أو مداحاً .. في بهو السلطان ، لكنه .. لن يشطر حرفي ، فهو ملتحم .. كالنهر ، ينفعل .. جارفاً ، حالماً ، بالنبض ، بالبحر .. ويغني في صخب ، يمن .. يمن .. لا يمنان .واذا كانت قوة الشاعر الراحل عبدالله الدويلة الانتاجية في الشعر النثري - او الحر - وبالذات في فترة الثمانينات وبدايات التسعينيات ، قد جسدت اروع النماذج الشعرية التي عكست مدى الشاعرية الناضجة التي تدخل في عمق الوجدان والبحث والقراءة ، وتستدعي في نفس الوقت التأمل والتحليل العميق في النص النثري للشاعر الراحل عبدالله الدويلة رحمة الله عليه الا ان مايثير الدهشة والتساؤل كيف استطاع هذا الشاعر ان يترجم كل تراكمات الواقع السياسي والاجتماعي والانساني في فترة زمنية محددة ويتحول الى شاعر فريد ومتمكن وعملاق متميز في كتابة الشعر الحر . ولعل قصيدة " اغنية عارية للملك الضليل " قد نالت اعجاب واستحسان بعض النقاد الذين تناولوها برؤية نقدية لما تمثله من بعد تراثي وفلسفي وسياسي والتي يقول في مطلعها : يتهادى رضاب المساءات شهداً ، ترانيم في قبلات الزهور . تباريح في صبوات القمر ، قمري تاه في منبع النخل .. قلت اسائل وهج الاماسي ، لعل الذي يحملني إلى بهجة نهود . هي من تراودني شفتاها . اسأل الوجد في قبلات النخيل ، اصيح إلى وشوسات ضفائرها . أصد قيني وانت الصدوقة يانخلتي ! ..قمري تاه في مخملكن .. يا اجنحة تشد افانين حبي .. وفي قصيدته " ومازال الحلاج يغني " يرمز الى عبث الحاكم او الحكام بشعوبهم وقمع احلامهم وحرية التفكير لمبدعيهم :سموت به بعيداً عن سراديب الوصايا والحروف الصلدة المفقوءة العينين في حمر النصوص لم ابتدع جملاً تهيم في جفونها تراتيل الصقور أو ارتدي ألقاً ، ينمقه حرير الوالي الذي .. يتمتم باسمه العظيم إفكا انقش كما أمرت يا جلاديا مسكين يا أعمى !على جذوع عظمي احرف العشق الذي .. يزهو على وجني كما يزهو الغمام في قلب أغنية ، وفي فمي تباريح الصبابة والكلام لقد رحل شاعرنا الجليل عبدالله الدويلة في الوقت الذي كانت طاقته الابداعية في قمة العطاء والنضج بل وفي قمة ابداعها فلو أمد الله عمره عشر سنوات لربما تعمقت رؤيته واكتملت عناصر ابداعاته الشعرية والفلسفية ووصلت إلى مستوى متميز لمدرسة الدويلة في الشعر - الحر - ولكن لا اعتراض على مشيئته فالموت هو المصير الحتمي لكل انسان في هذه الدنيا الفانية .