سطور
كمال محمود علي اليمانيقبل أعوام ثلاثة ، وتحديدا في الثاني من شهر مارس ، نعى إلينا الناعي رحيل الشاعر الجميل شعرا وروحا ، الصديق الإستثنائي والشاعر الإستثنائي على حد تعبير الأستاذ الشاعر عبد العزيز المقالح ... غادرنا رحمه الله وهو في ذروة عطائه ، وكنا ننتظر منه المزيد مما يفاجئنا به ، فإذا به يفاجئنا برحيله .ومحمد حسين هيثم كان رجلا في مواقفه ، لايخاف في الحق لومة لائم ، وقد يصل به إيمانه إلى درجة الصدام ، وإبداء الرأي دون مواربة وخاليا من الرتوش ، أحاط به رجال ذئاب ، وأحاط به ذئاب رجال وكان عواؤهم صارخا ، يتنادون في كل حين وحين، وينشبون أظفارهم في جسده وفي روحه ، يحاصرون أحلامه ، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يخرسوا صوته وأن يمزقوا حنجرة قصائده ، كي يمنعوا عصافير روحه من الترنم بالجميل، فمن كان القبح ديدنه كان في الجمال مقتله .ولعل هذا هو عين ما أشار إليه الأستاذ المقالح في مرثيته لهيثم (( ماليس غناء وليس رثاء)) [c1]كان منفردا ومديدارجل من ضياء حميم أفاض على الشعر من حبهوبراءته ثم ناموبين رجال ذئابوبين ذئاب رجالأتى ومضى[/c]كان محمد محبا للحياة ، داعيا إلى المحبة ، لايحمل في قلبه غلا ً لأحد ، حتى أولئك الذين يختلف معهم ، يرتفع صوته بالرفض ويلوح بيديه حال الغضب ويدق الطاولة وقد وقف هادرا ، ثم .... يحتويه الكرسي ، يعدّل نظارته ، وشيئا فشيئا تبرد فورته .. وماهي إلا دقائق حتى تسمع جلجلة ضحكه وأنت تسير في الرواق.ولقد أحسن الأستاذ المقالح حين رسم صورة له بكلمات وجيزات فقال :[c1]كان طفلا يغنييبوح بما أدخرت شهوة القلبما اختزنته ظلال المعاني[/c]رحل قبل أعوام ثلاثة ، وكان رحيله مدويا .. إفتقده الشعر الجميل وأفتقده أحبته وأفتقدناه نحن الذين جمعتنا به ذكريات الطفولة والشباب ، ذكريات المصطبة التي كنا نجلس عليها خارج بيت أبيه في المنصورة ، غرفته التي ضمت نقاشاتنا الفكرية والثقافية ، والتي أسمعنا فيها إرهاصات قصائده الأولى ، ذكريات الشاي الذي كانت تأتينا به والدته أطال الله في عمرها وبارك لها فيه ، جسده المهتز وضحكة مجلجلة يتبعها سعال بعيد شرقه بلعابه .ذكريات ميدان الكرة أيام أن كان رشيقا كغزلان البراري ، وواحدا من أفضل اللاعبين في الحي ، وذكريات سيرنا إلى المدرسة في الإعدادية والثانوية وماجمعنا من مواقف واحداث .ومن بعده ....[c1] (( لا السماء سماءولا الضوء ضوء كما كانقبل الرحيل ))[/c]تمر الأيام والشهور ، وتكر سبحة الأعوام ، وننشغل في مشاغل الحياة وهمومها وننسى الكثير من آلامنا وأحزاننا ، وننسى جراحا كثيرة وسمت قلوبنا بميسمها ، ولكن ألم فراق الأحبة يظل ممضا وحارقا ، ومامحمد إلا واحد منهم ، بل هو من أعز الأحبة وأكثرهم قربا إلى قلوبنا ، ولهذا فلن ننسى ذكريات جمعتنا به ولن ننسى ذكراه إلى أن نلحق به في جنات النعيم بإذن واحد أحد .وصدق الأستاذ المقالح حين قال في مرثيته :[c1]هند ..لاتقرعي بالبكاءوبالكلمات الجريحة بوابة الشعر,سوف ينام طويلاحداداً على قمر غابفانسد في البرزخباب الكلام البهي ولم يبق تحت السماء الكئيبةمن قبس أو قصيدة[/c]