قصة قصيرة
الإهداء: إليها فقط.. وقد صنعت لها من قابس الأحزان أوتاراً ترقص على أنغامها أنامل العاشقين..لها سر وطنه العينان..وسر منحها إياه الصمت.. فصارت تحمل سرّين!؟أنثى المرأة السحرية ترمقني بنظرات حادة من أسفل اعوجاج نظارتها الشمسية، وأنا أمر أسفل منها كالطيف الذي لا يبالي بغضب الصيف حين يعلن حربه على اخضرار الشجر عندها لا تسلم الأوراق منه ولا من حره تسلم وجوه البشر.. تجاوزها ظلي ببضعة أمتار ثم توقفت موهماً إياها أنني لم انتبه لقطرات العرق التي كانت تشكل لوحة فنية مائية جعلت من حاجبيها مسلكاً تمر جواره فإذا ما فارقت خديها صارت قوس قزح آخر غير الذي نعرف من قبل، فتسقط على الأرض كحبات لؤلؤ تنعكس من عليها أشعة الغضب فتزيدها لمعاناً يفوق كل اللمعان، لتتغلغل في نسماتها حتى تمنحها مزيداً من الاخضرار، تلك القطرات التي نسيت أن تمسحها بمنديلها القرمزي شاغلاً إياها عن ذلك مراقبتها لطيف وهو يمر بخطوات مدروسة!مسكينة هي بنت حواء!!وهي تحاول أن تتصرف بذكاء أكثر وبحنكة سياسي ماكر قضى عمره في فيافي الدهاء وحانات الدجل.حركت أقدامي باتجاه المقهى حيث هو مركز اتزاني الذي أرتشف فيه شاي الحكمة الذي يجعلني قادراً على الغرق في لحظات التأمل الصامتة... والدخول في الساعات السليمانية.عندها تذكرت الموقف مجدداً وتذكرت كيف لم تفُتني تلك الخصلات المصبوغة بلون الكستناء التي صبغتها لا ترخص سعرا عن سعر مكياجها ذي النضوج العالي الذي لم يتأثر بتقلبات الجو ناهيك عن هدهدات العرق.فذلك المكياج أحجية لم أقو على فك طلاسمها إذ حيرني بلونه الذي قارب أن يشابه لون الخدين وكأن الذي وضعه كان يرسم بفرشاة زيتية ألواناً تتوافق مع لون البشرة واضعاً نصب عينيه لا يلفت انتباه الآخر، فلم يترك مجالاً للشك أنه لون البشرة ذاته وأن واضعه ليس حديث الصنعة وإنما فنان يتقن الرسم وتعذيب عقول البشر.يتلو خدها من الأعلى نقشات تزين هالاتها ببعض من الغموض والدهشة وكأنها تأخذ شكل القوس أسفل العين، وذلك القوس الذي يمتلئ بسطور عديدة حيث كل سطر يمثل قاموساً للحزن... يجعلك قادراً على ترجمة كل مفرداته الصعبة.فيتلو العين من أعلى قوس أشد تقعراً من أخيه يغريك ببحور الصمت المقدسة التي ما تفتأ تجعل منك خاشعاً أمام محرابها، أما العين وما أدراك ما العين... أشبه بقمر مضيء يتزين بالنجوم ذات اللمعة الفضية التي تحوم حوله. تتلو خدها من الأسفل شفاه زادت من الموقف حدة حيث اكتفت بوضع برواز على حافته جعلت منها ملاذا للناظرين.. حيث تأخذ شكل بستان وردي فاتح يلتحفه شريط وردي غامق يأخذ نفس لون الخد.أما الخصلات فلا تقل دهاء وحنكة حيث توهمني بأنها تلوح لي لكنها أيضاً تحمي جبينها من غضب الصيف حين يغزو وجوه البشر!!!فحين ترفرف خصلاتها عالياً تشبه في رفرفتها كيف يرفرف علم الوطن في شموخ وعزة فيزيد مواطنيه فخراً وكرامة فلا يكون منهم إلا أن يقفوا إجلالاً له محيين إياه وعرفاناً للجميل الذي يقدمه، عندها لا تجد لك موضع شبر تمد فيه قدمك ولا تحرك فيه ساكناُ، حتى نفسه هو الآخر عندما وجد نقيضه مهيمناً على الوضع فانسحب انسحاب الأقوياء من الساحة، فتوقف كل شيء حي حينها لبرهة.. ليمنح الخصلات فرصة تكمل فيها الرفرفة... عندها فقط أدركت أن كل شيء جامد... إلا خصلاتها؟وعند انتهائها من الرفرفة بدأت تسمع أذناي كيف يردد الجماد الهائم النشيد الوطني محيياً ذلك العلم، وأخذ الصوت بالارتفاع وازدادت الحشود بالتوافد لأداء طقوس الوطنية...!وعند انتهاء شعائر النشيد الوطني، انتقلنا مباشرة إلى فقرة القسم الوطني والشعارات الحماسية، عندها بدأ يشكو حذائي العزيز من التخمة والانتفاخ..؟للأسف... فهناك العديد من الحمقى الذين شغلهم الواجب الوطني عن احترام الأحذية، فطبعوا أحذيتهم على ناصية وأسفل بطنه، حاولت أن أعود للوراء مبتعداً عن الحشود ولكن دون جدوى فقد زاد صراخ حذائي وأخذ بالتورم، وبدأت أخشى عليه من السقوط شهيداً لتلك الخصلات، وهو الوحيد الذي لا أملك سواه.ولم أعد قادراً على شراء آخر، فلم أجد حلاً يبقيه سليماً معافى ذا لمعان برّاق إلا أن أحمله عالياً يعلو كل تلك الهامات ويناطح كل الرايات، وفعلاً كان لي ذلك وعند خروجي من الحشد لم أتوقع قط أن حذائي هو الآخر قد وقع في غرام تلك الخصلات.