أراد المستعمر البريطاني من افتتاح تلفزيون عدن في تلك الفترة إلهاء جماهير الشعب عن قضيته النضالية وعدم المشاركة الفاعلة في الكفاح المسلح. في تلك الحقبة لم يكن الارسال التلفزيوني يغطي سوى بعض الأحياء الآهلة بالسكان في مدينة عدن، وبالذات حيث يوجد جنود وعائلات القوات البريطانية.
جاء الثلاثون من نوفمبر 1967م ونال جنوب الوطن استقلاله الناجز بفضل تضحيات أبنائه، وتشكلت الحكومة التي كان من أولوياتها الاهتمام بالقناة التلفزيونية باعتبارها واحدة من أهم وسائل الإعلام الجماهيري لنشر الوعي والعلم والمعرفة والترفيه وغرس القيم الأخلاقية والجمالية الراقية. مر تلفزيون عدن بالعديد من مراحل التطوير منها إنشاء مبنى الإذاعة والتلفزيون في مدينة التواهي عام 1979م، وتم تجهيزه (أبيض/ أسود) وضم ثلاث استديوهات.
في أوائل الثمانينيات بدأ البث الملون وجرى التعامل مع الأقمار الصناعية عبر المحطة الأرضية للاتصالات التي وفرت إمكانية استلام الأخبار ذات الطابع السريع ونقل الأحداث والفعاليات العالمية.
وكان إدخال عربات النقل الخارجي عام 1981م من أهم التطورات الهامة التي شهدها التلفزيون مما زاد من وتيرة العمل الميداني، ومن ذلك النقل الحي والمباشر للمباريات الرياضية وغيرها من الفعاليات السياسية والاجتماعية داخل الوطن، وتم استحداث بعض الوسائل المؤقتة لإيصال البث التلفزيوني لعدد من المدن الرئيسية في بعض المحافظات.
كان لتلفزيون عدن الدور الكبير في تبني كثير من القضايا المحلية منها والدولية والكثير من البرامج المتنوعة رغم الإمكانيات المحدودة التي صاحبت عمله حينها.
لقد أنتج هذا الصرح الإعلامي الكثير من الكوادر المؤهلة والمدربة التي تربت وترعرعت في هذه القناة منذ إنشائها، أمثال المذيعتين المبدعتين أمل بلجون وسميرة أحمد، وكثير من مبدعي القناة في كل الاختصاصات، أمثال صالح الوحيشي ومحسن يسلم ومحمد غانم وغيرهم، ولا ننسى هنا المذيعة المتألقة نرجس عُباد التي أمتعت جمهور المشاهدين ببرنامجها الرائع (طوف وشوف).
وفي مراحل لاحقة شهد تلفزيون عدن العديد من الأنشطة الملموسة في مجال التجديد للخارطة البرامجية ودورات الصيانة للأجهزة رغم قلة الامكانيات ومحدوديتها، وكل ذلك بفضل ثبات وإصرار عاملي القناة على الظهور بأزهى حُلة.
تعرض تلفزيون عدن وإذاعتها لنكسات وأضرار فادحة نتيجة الحرب الظالمة التي شنت علينا عام 1994م، وما تلاها من إرهاصات ومشاكل.. لكنه ظل شامخاً ثابتاً ومقاوماً لكل التقلبات بفضل الجهود الجبارة التي بذلها كوادره المحليون.
تلفزيون عدن يعد منبراً إعلامياً وتاريخاً عريقاً، حيث كان رابع تلفزيون في الوطن العربي.. كان شعاعاً مضيئاً في سماء عدن، وله بصمة قوية في تاريخ المدينة.. فهو معلم من معالمها التاريخية والثقافية والتنويرية، وواكب كل المراحل التي مرت بها المدينة.
لقد لعب دوراً هاماً في إيصال رسائل جادة للقيم والمبادئ، فهو لسان الشعب والرئة التي يتنفس من خلالها عبر البرامج الجماهيرية التي تعكس واقع الحياة في مختلف المجالات، من برامج أطفال وأسرة وبرامج صحية وسياسية وثقافية وفنية متنوعة... وغيرها.
تلفزيون عدن موروث ومخزون ثقافي تعرض للإهمال وعدم الرعاية، ولأكثر من عشرة أعوام يغيب عنا، وأصبح مبناه مجرد أطلال.. توقف البث إثر اجتياح الحوثيين للعاصمة عدن عام 2015م، ومن حينها وحتى اللحظة صمت تلفزيون عدن وسلبت إرادته.. لم يتوقف في ظل المعمعة التي تمر بها البلاد في تاريخه.. لم يتوقف إلا عندما توقف الزمن.
تلفزيون عدن هو إرث تاريخي وجب الاهتمام به وإعادته للحياة.. وحالياً هناك جهود جبارة تبذل من قبل قيادتنا السياسية لبث الروح في هذا الصرح الشامخ، فالعمل جارٍ على قدم وساق لانتشاله من الوضع المزري الذي حل به، حيث يجري إعادة ترميم المبنى وإصلاحه وتأهيله ليكون جاهزاً للنهوض مرة أخرى والعودة من تحت الركام.
لقد افتقدناه كثيراً، ونتمنى عودته قريباً.
