توقّع كثيرون دنوَّ أجل النظام السياسي القائم، وأعدّوا العدّة لجنازة مهيبة في ظل تصاعد الضغط الدولي الخانق لتحييد دور المليشيات المسلحة عن الحياة السياسية. ووصلت الأمور إلى ذروتها من خلال دعوة رجل الدين البارز في الحوزة العلمية بالنجف، علي السيستاني، إلى حصر السلاح بيد الدولة، الأمر الذي كان سيؤدي حتمًا إلى طيّ صفحة النفوذ المسلّح المرتبط بإيران.
تشير نتائج الانتخابات، التي تصدّرها تيار السوداني «الإعمار والتنمية» و«دولة القانون» من الطرف الشيعي، وحزب تقدّم السني، والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى أن التغيير الجذري والعميق في العراق سيمرّ بمراحل متدرجة وبطيئة إنْ استطاعت تلك القوى التوافق على صيغة مستقبلية ناجعة، في ظل غياب البديل ومقاطعة التيار الصدري للعملية السياسية برمتها.
وتصاعدت منذ سنوات أصواتٌ مطالِبة ببناء دولة وطنية عابرة للتقاسم الطائفي التقليدي، وهي أحد مطالب الحركة الاحتجاجية العارمة في تشرين 2019 التي وقفت في وجه النفوذ الإيراني في العراق. وطالب كثير من النشطاء بتدخل أجنبي مع اندلاع حرب غزة وتأثيراتها في المنطقة، إذ اعتبروا أن الفرصة أصبحت سانحة مع تدخل الجماعات العراقية الموالية لإيران وإطلاق الصواريخ على القواعد الأميركية في العراق.
يبدو أن الربط الميكانيكي بين فكرة الدولة الوطنية ونظام البعث السابق أثار مخاوف كثير من سكان وسط وجنوب العراق، حيث تتمركز أكثرية الشيعة، من ذهاب البلد إلى المجهول أو الدخول في صراع طائفي جديد بين مكوناته.
ربما تعكس العملية الانتخابية نوعًا من الاستقرار النسبي للواقع العراقي، الذي يعاني من أزمات خطِرة أبرزها الفساد، والأزمة المعيشية، والتدخلات الأجنبية، وتغوّل الجماعات المنفلتة. غير أن بطء الإصلاحات الهيكلية وعدم التوافق على حكومة جديدة قد يهددان الوئام والاستقرار مجددًا، ويجعلان الطبقة السياسية في مواجهة الشارع الذي يشعر بالغبن والإحباط.
