
وبالصدفة دعاني أحد الزملاء للقاء بالمدير الإقليمي للصليب الأحمر، مع عدد من الشخصيات والنشطاء في الجانب الإنساني، فوجدتها فرصة أولا لنشكرهم على ما يقدمونه للمحتاجين، وثانيا لنضع ملاحظاتنا على سياسة واستراتيجية عملهم التي لا تؤدي سوى لتحويل مجتمعاتنا إلى مجتمعات كسولة، تنتظر الصدقة وإن تأخرت تتوسلها، حتى أصبح التسول ثقافة تتوسع بين مجتمعاتنا العربية ومنها اليمن.
هذه المجتمعات التي اتصفت على مدى التاريخ بالكرم والجود، اليوم لا حول لها ولا قوة، حرمت من ثروات بلدها ومقوماته الاقتصادية، من زراعة واصطياد وصناعة وأعمال يدوية وسياحة، فتم الدفع بالكثير منهم للاغتراب بحثا عن الرزق في بلدان الغربة، وصار البعض يساهم في تنمية تلك البلدان، وهو متحسر على حال بلده والمساهمة في تنميته.
طلبنا منهم دعم التنمية البشرية في بلدنا، وبكل صراحة قلنا نحن مجتمع لا نقبل الاستمرار في تلقي الصدقات، معونات عينية من مواد غذائية تصل لأيادٍ غير أمينة، وتتكدس في مخازن وتتلف، ونسمع ونشاهد على التلفاز حجم المواد التي ترمى في مقالب القمامة، والمجتمع يعتصر جوعا ومجاعة. أليس من الأفضل الاستفادة من طاقات المجتمع، واليمن تمتلك طاقات بشرية وعمالية ومهارات وإبداعات لا مثيل لها، لو وجدت من يساهم في الاستفادة منها يمكن أن تشكل فارقا.
إذا استطاع الصليب الاحمر الدولي، ومعه شركاؤه في الهلال الأحمر العربي، دعم المزارعين وتوسيع حجم الزراعة في بلد عرف بالأرض العربية الخضراء، بسبب خصوبة الأرض وتنوعها الجغرافي والمناخي، يمكن أن تغطي منتجاتها الزراعية على مدار العام، وتتوفر الأراضي الصالحة للزراعة، ولكن نتيجة لانتشار شجرة القات وعدم اهتمام الدولة بالزراعة ودعم المزارعين، لم تستغل كل الأراضي.. بلدنا يمتلك أطول شريط ساحلي 2500 كيلومتر، معظمه اليوم ثكنات عسكرية وتحت سيطرة عسكرية، لا تسمح للصيادين بممارسة عملهم، يتعرضون لشتى وسائل الانتهاك والاحتجاز والاستهداف الناري، وللأسف أن الأشقاء في الساحل الأفريقي، أثيوبيا مثلا تحتجز الصيادين وتسلبهم ممتلكاتهم من وسائل الصيد، بل تمارس بحقهم كل وسائل التعذيب.
الخلاصة، هناك شعور أن اليمن يستهدف فيه الإنسان، فالإنسان اليمني كان له دور أساسي في حضارات الأسلاف. الأعداء يدرسون التاريخ ليستخلصوا منه أهم مقومات النهضة، وهم يدركون أن اليمن بحكم موقعه الاستراتيجي وما يملكه من ثروات وطاقات بشرية هو بلد قابل للنهضة والتفوق والازدهار، ولهذا يتم محاصرته وإنهاك قواه لنهب ثرواته وقتل طاقاته البشرية، وتحويلها لطاقات عنف قتالية يدمر بعضها بعضا.
اليمن بحاجة لدعم يصب في رسم سياسات واستراتيجيات تدعم التنمية البشرية، وزيادة حجم الإنتاج ليتحول المجتمع من مستهلك إلى منتج. ولهذا يجب أن تصب كل الإعانات والدعم الانساني والدولي في تفعيل الانتاج، ليعود الشعب اليمني منتجا بحكم المهارات التي يملكها، فلا يحتاج سلالا غذائية وصدقات بقدر احتياجاته لتوفير وسائل العمل وفرص عمل وفرص إنتاج، والمواطن كفيل بتوفير كل احتياجاته في بلد أرضه غنية بالثروات والخصوبة.