إن التوافق على استمرار الجلالي في منصبه هو بمثابة رسالة واضحة بأن السوريين اليوم رغم كل ما عانوه يسيرون بخطى ثابتة نحو بناء سوريا الجديدة وهذه الخطوة ليست فقط رمزية ولكنها عملية في جوهرها إذ تضمن استمرارية العمل الحكومي وتُعطي الشعب الثقة بأن هناك إرادة حقيقية للحفاظ على وحدة البلاد ومؤسساتها فالجلالي يتمتع بخبرة إدارية ومعرفة بآليات عمل الحكومة مما سيساعد على ضمان الانتقال السلس للسلطة دون تعثر المؤسسات الحيوية .
في الوقت ذاته يبقى أمام السوريين إدراك أن سوريا الجديدة يجب أن تكون قائمة على الحوار والشراكة حيث يتكاتف الجميع لبناء دولة حديثة تُلبي طموحات أبنائها وتعالج آثار الماضي المرير وعليهم تحقيق المصالحة الوطنية لضمان استقرار سوريا التي عانت سنوات من الحرب وادت إلى انقسامات عميقة في المجتمع السوري وتتطلب هذه المرحلة جهداً مشتركاً لردم هذه الفجوة بالحوار الوطني الذي يشمل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية ويُعتبر حجر الزاوية في بناء المستقبل لهذا البلد الذي يشهد مرحلة جديدة في تاريخه وهذا الحوار يجب أن يستند إلى مبدأ العدالة الانتقالية التي تعطي الأولوية لكشف الحقائق والمحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت خلال الصراع مع توفير ضمانات بعدم تكرارها والعمل على ترميم الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري .
ويبدو أن الأيام القادمة ستشهد تحركات جادة لإعادة بناء مؤسسات الدولة التي تمثل أيضاً أولوية قصوى في هذه المرحلة ولابد أن تكون هذه العملية شاملة وشفافة وخالية من الفساد الذي كان أحد أسباب تدهور البلاد خلال السنوات الماضية وأرى أن وجود شخصية توافقية مثل الجلالي في المشهد السياسي يُعد نقطة انطلاق لتأسيس حكومة تعمل بكفاءة وتضع مصلحة الشعب فوق أي اعتبار وبكل تأكيد ستتجه سوريا الجديدة نحو صياغة دستور جديد توافقي يعبّر عن إرادة الشعب ويُرسخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية بالإضافة إلى تنظيم انتخابات حرة تُعيد للشعب حقه في تقرير مستقبله .
وأرى أنها مرحلة الشباب في سوريا كما كان دورهم حاسما في إحداث التغيير سيكون حاسماً في هذه المرحلة الانتقالية لقد أثبتت السنوات الماضية قدرة الشباب السوري على تحمل المسؤولية وإحداث هذا التغيير ويجب أن يكونوا في قلب عملية اتخاذ القرار وبناء المستقبل القادم لسوريا وإشراكهم سيعزز من فرص نجاح سوريا الجديدة في تحقيق التنمية المستدامة .
أما على المستوى الإقليمي والدولي فإن سقوط نظام بشار الأسد يمثل نقطة تحول في موازين القوى في المنطقة فالمجتمع الدولي سيذهب اليوم لدعم الانتقال السياسي بسوريا من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية والتقنية ولكن الأهم من ذلك هو ضمان أن يكون هذا الدعم موجهاً لخدمة الشعب السوري لا لتحقيق مصالح أطراف خارجية كما أن القوى الإقليمية مطالبة باحترام سيادة سوريا ودعم الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار .
إن الطريق إلى سوريا الجديدة لن يكون سهلاً لكنه يُمثل فرصة تاريخية لا تعوّض لإعادة بناء الوطن على أسس مختلفة تماماً عن الماضي ، فسقوط نظام بشار الأسد يُعد لحظة مفصلية في تاريخ البلاد ولكن التحديات التي تعقب هذا السقوط تحتاج إلى رؤية وطنية شاملة وإرادة سياسية جماعية ولهذا فإن خطوة التوافق على الإبقاء على محمد غازي الجلالي تعكس بداية مرحلة يُمكن أن تُبنى فيها دولة قائمة على الحوار والتعددية بعيداً عن الاستبداد والانقسام وعلى السوريين أن يُثبتوا للعالم أن إرادتهم في بناء وطن موحد وقوي قادرة على تجاوز كل التحديات وبإرادة الشعب يُمكن لسوريا الجديدة أن تكون وطناً ينعم فيه الجميع بالسلام وطناً يُسطر فصلاً جديداً من العيش الكريم لكل أبنائه .