إن الفلسطينيين يقدمون تضحيات هائلة نيابة عن الأمة كلها وهم خط الدفاع الأول عن قضيتنا جميعاً وعن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولكنهم بكل حزن خذلوا من القريب ومن ما يسمى بالمجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة. وها هو الوزير الفاشي بن غفير يفصح عن إحدى الخطط الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية روحياً بإقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى.
وإزاء هذه الجريمة القادمة لم نسمع حتى الآن أي رد فعل عربي أو إسلامي عملي يضع حداً للمخطط الصهيوني لاستكمال نكبة 1948.
إن تصريحات “بن غفير” تتجاوز كونها مجرد كلام عابر يصدر من معتوه لأنها تعبر فعلاً عن سياسات متدرجة لحكومات الاحتلال تبدأ أولاً بقياس ردود الأفعال العربية الرسمية والشعبية، وثانياً تهيئة الرأي العام العالمي لتقبل سياسة ستتحول من كلام إلى أفعال في قادم الأيام.
وفي حال تم تنفيذ جريمة نسف المسجد الأقصى كنتيجة لبناء الكنيس، فسوف تحاول حكومة الاحتلال التهرب من أي مسؤولية مستندة إلى الحماية الامريكية والتخاذل العربي - الإسلامي.
تصريحات “بن غفير” حلقة في سلسلة الانتهاكات التي قام ويقوم بها المتطرفون الصهاينة على مدى العقود الماضية ومنها محاولة إحراق المسجد الأقصى في اغسطس من عام 1969. في ذلك اليوم، تسلل المجرم “روهان” إلى الحرم الشريف ووصل إلى محراب المسجد وأضرم النار فيه. ورغم أن الرواية الرسمية للاحتلال تقول إن روهان مختل عقلياً إلا أن تقارير لجنة إعادة بناء المحراب والدمار أكدت أن الحريق نشب في أكثر من مكان وفي وقت واحد، مما يستحيل أن يكون ذلك عمل شخص واحد لا صلة له بسلطة الاحتلال المتورطة رسمياً في تلك الجريمة التي أثارت غضب الشعوب العربية والإسلامية ولكنها لم تتجاوز ذلك ولم تؤد إلى فعل عربي حازم كتمويل تشكيل قوة حماية فلسطينية على مدار الساعة للمسجد وكل المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة وعموم الضفة ولو تم ذلك لما حدثت مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المثل الأعلى لبن غفير باروخ جولدشتاين في فبراير 1994 واستشهد فيها 29 مصلياً وأصيب 150.
لقد انفردت اليمن الديمقراطية حينها باتخاذ موقف شجاع عبّر فيه الرئيس الراحل سالم ربيع علي في خطاب من ميدان كريتر، عن ضمير الأمة وإرادتها وأعلن عن قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ وقد استمرت القطيعة حتى تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. كان ذلك موقف دولة اتُهمت زوراً بمعاداة الدين من قبل أعداء التغيير والعدالة الاجتماعية في الوطن العربي.
أما اليوم، فإن دماء الفلسطينيين تُسفك وأعراض المسلمين تُنتهك في غزة والضفة على يد العدو الصهيوني والكل صامت. هذه الدماء الغالية قال عنها النبي (ص) إن حرمتها عند الله أهم من الكعبة المشرفة.
أما آن الأوان لإيقاف هذا العدوان وحرب الإبادة بحق أهل غزة والضفة؟. وأما آن الأوان للضمائر العربية أن تستيقظ من سباتها قبل فوات الأوان؟.
فإذا لم تحرك مشاهد المجازر اليومية ضمائر الشعوب العربية والاسلامية الآن فمتى؟. بعد ذلك لا جدوى من البكاء على أطلال المسجد الأقصى، خاصة وأن المخططات الصهيونية لا تخفى على الجميع.
إن المؤامرة لن تتوقف عند حدود غزة والضفة الغربية وقدسها ثم الأردن، بل ستطال المنطقة العربية بأسرها، بهدف إقامة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، بدعم امريكي واوروبي ومال صهيوني.
إن الولايات المتحدة واوروبا الاستعمارية تدركان جيداً أن مصالحهما الاقتصادية والعسكرية والتجارية مع معظم الدول العربية تُعد استراتيجية لكنهما تتحالفان ضدنا مع عدونا ونحن لانلوي على شيء. إن غياب مشروع عربي مقاوم وسياسة تفرض ندية في التعامل معنا كعرب تغري الأعداء بالمزيد من الدعم للعدو وإضعافنا.
منذ 7 أكتوبر الماضي، قدمت أمريكا أكثر من خمسة وأربعين مليار دولار لدعم حرب الإبادة والتهجير القسري وفعلت مثلها بعض الدول الاوروبية رغم أن هذا الكيان الدخيل يشكل خطراً كبيراً على السلام في الشرق الأوسط والعالم ككل.
لقد أصبح هذا الكيان منبوذاً والدليل خروج عدد كبير من المظاهرات في مختلف جامعات وشوارع دول العالم للمطالبة بوقف حرب الإبادة وإقامة الدولة الفلسطينية.
إنه لا أمن ولا سلام في المنطقة دون إنهاء الاحتلال وحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً يلبي طموحات هذا الشعب العظيم وإرادته الحرة في التحرر وتقرير المصير.
المجدد والخلود للشهداء والشفاء للجرحى..