فالعنف كان وما زال موجود في مُختلف المُجتمعات، ولكن بفارق بسيط بين الدول الواقعة تحت الاحتلال والدول المحتلة، كالعراق والاحتلال الأمريكي مثلاً، التي أخذت القانون في يدها محققة مصالحها هي في البلد، بينما الشعب العراقي البريء بمختلف طوائفه يقتل ويذبح يومياً بدون أدنى شعور بالمسؤولية أو محاسبة قانونية لفاعليها على هذه المجازر جميعها.
والأسباب والتداعيات المؤدية إليه تعددتْ، ولكنه واحد، وهذه الأسباب لا تُعد ولا تُحصى وسوف نذكر منها على سبيل المثال لا الحصْر، أسباب سياسية واقتصادية وأخرى اجتماعية وأخلاقية ونفسية وصحية، والبطالة والفقر والتعصب الديني والفكري والفتن الطائفية وغيرها الكثير. ولقد دأب وحاول الكثير من المُفكرين والمُحللين السياسيين والفقهاء على دراسة هذه الظاهرة من أكثر من جانب وزاوية، عل وعسى يجدون سبيلاً ومخرجًا من هذه الأزمة الطاحنة التي ستؤدي إلى المزيد من القتلى والمفقودين والفقر والمرض والهجرة والفتن وسقوط الحضارات واندثارها.
فالحديث عن الإرهاب والموت يتطلب منا إدراكاً ووعيًا إنسانيًا لأبعاده وتأثيراتهِ على الحياة البشرية لمْا جلبهُ من دمار وخراب ونكبات على حياة الإنسان على الأرض، فتجربة الإنسان وما يمر عليه من تجارب وازدياد وعيهِ وثقافتهِ وتكنولوجيتهِ وقوتهِ ومقدرتهِ على صناعة كل ما يستطيع عليه، أعطته الدافع والواعز لاستغلالها عكس وضْد مصالح البشر، مما ولد الحقد والضغينة في عقل الإنسان وبالتالي خلق الموت والإرهاب بكافة أساليبه، عاصفاً مدمراً بكل ما أُوتي من قوة، غير مُكترث بروح بشرية، فقط همهُ الأول والأخير أن يرى الدماء تتدفق وتسيل! هذا الإرهاب الذي ينبثق من المناطق المظلمة والخفية الكامنة في الذات والنفس البشرية، مخفية وراءها الحقد والجهل والكراهية والظلام في نفس كل مُسبب للموت.
ومسببو وصَانعو الإرهاب يزرعون إرهابهم بشتى الطرق، والشعب يحصد الموت والتهجير والدمار والنكبات، محطمين آمال العراقيين وسلامهم، ومحطمين البراءة والطفولة، فلو رجعنا للوراء قليلا وما حدث لأهالي قرية صوريا عام 1969 الأبرياء، والفاجعة الأليمة التي أصابتهم، نسأل ونسأل مراراً وتكراراً، كيف قتلوا أهالي البلدة جميعهم دون أي ذنبْ؟ وحتى أن كان لهم ذنب، فليس من حق أحد أن يدين بهكذا طريقة وحشية وأسلوب بدائي، دون سماع حتى دفاعهم! حتى الحيوانات يترأف بها، فما بالك بهذا العدد من الأهالي، وبينهم نساء وأطفال وشيوخ! ولكن لنْ نستغرب كثيراً، فما حصل عام 1969 لا يقل عما يحدث الآن ونحن في الألفية الثانية، ولكن بفارق صغير وهو أنه الأسلوب المتبع حديثاً يختلف عن ما مورس قديماً، مثلما ذكرنا بسبب التطور واستحداث أساليب وأسلحة متطورة، فاليوم بمُجرد الضغط على زر، أو رمْي عبوة ناسفة واحدة تقتل ألآلاف من البشر، وكذلك بوقت وجهد أقل! كوننا الآن في حضارة الموت والإرهاب! وكون الإرهاب والقتل أصبح لغة العصر!
وكم هو جميل أن يتفاءل الإنسان وينشد السلام والحرية والديمقراطية والطمأنينة والأمن والأمان، ولكن متى ننشدها؟ هل في ظل ما نحن عليه الآن؟ أم ننتظر سنين أخرى تمر ونقول يمكن أن نرى حريتنا وسلامنا وحياتنا بشكل أفضل في بلدنا! أم يبقى مُجرد حلم نحلم به إلى أن نرى أنفسنا ذات يوم في قلب نار وأنهار دماء وعبوات ناسفة وبعدها نقتل وندفن!
فإنساننا ولد حراً، وبذلك الحرية "لا تعطى ولا تؤخذ"، كما قالها غاندي، بل الحرية ولدت مع أول شهيق وزفير دخل إلى رئتي الوليد يوم مولدهِ، وليس من حق أي إنسان أن يتحكم فيها مهما كان غير الله. فهو من منحنا الحياة ومعها السلام، وجميع الأديان تؤكد على السلام، ولكن في الإنسان نقطة مظلمة وشريرة تحاول دائما أفساد الشيء الجميل الموجود في الإنسان نفسه (الشر الذي في الإنسان مهما كان صغيرا دائما يحاول التغلب على الخير الموجود في باطنه ويحاول أن يُنميه ِ)، نحن خلقنا لنعمر ونُكثر في الأرض لا لنخربها وننكبها وننصب أنفسنا حكام فيها ونحكم على كل نفس بشرية، ولكن دْم الإنسان أصبح رخيصاً وهناك من يستبيح قتل النفس والذات معاً (قتل نفس بريئة، ومن ثم قتله لذاته هو)، وأصبحت ظاهرة خطيرة وتتوسع يوماً بعد يوم! مع الأسف على إنساننا الذي أصبح ينشد ثقافة الموت ويروجها!
ولكن هل معنى هذا أن نستسلم للإرهاب، أم ينبغي مُحاربتهِ بكل أشكالهِ وأبعاده، فالله خلق الإنسان على صورته لينعم بحياة كاملة ويملأ الأرض، إذن حياة الإنسان هي ملك الله وحده وهو يتصرف بها، وليست ملك الإنسان نفسه أو لغيره من البشر ليتحكم فيها ويُنهيها حسب أهوائه ومصالحه، فكل من تعدّى على نفس بشرية فكأنه يتعدى على الله نفسهِ وقدسيتهِ وعملهِ وصنع يديهِ. فالإنسان قديماً دفعه كبرياؤهُ وغيرته من أخيه إلى معصية الله وقتل الأخ لأخيه، كما فعل قابيل بهابيل قديماً! واليوم كذلك الإنسان يحاول قتل الآخر بكافة السبل للوصول إلى أهدافه ولتحقيق مصالحهِ.
وغاندي يقول مرة أخرى: " حياتي هي رسالتي" أي دفع حياته من أجل تحقيق رسالته ألا وهي تخليص شعبه وتحقيق حريتهِ، كونهُ آمن بقوة بأرادة الإنسان، وبقدرتهِ على التحكم في عقلهِ وتفكيره وتصرفاتهِ وجسده، ويستطيع مع نفسهِ أن يصمد ويشمخْ ويقف بوجه أصعّب وأقسّى الظروف والصعّاب التي من الممكن أن تواجههُ، المهم في النهاية أن يكون لديه دافع قوي وإيمان يدفعه ويحفزه للوقوف بوجه كل معاناة، وهذا ما يجب أن نفعله نحن أيضا، أن نقف بوجه الإرهاب ونحاربهُ، وهذا لا يتم ألا إذا حاربناه أولا من الإنسان نفسهُ وبعدها من البلد برمتهِ. > باحث ومتخصص بشون التربية الخاصة