ولعل المبادئ والأسس التي خر ج بها الحوار ، اذا تمسك بها اليمنيون وتم تطبيقها بخطوات ثابتة دون القفز او تجاوز شروط تنفيذها او تجزئتها ستفسح المجال لخلق وضع جديد سيحد من الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية وستترسخ فيه مبادئ المساواة والعدل والقبول بالآخر والتعايش الاجتماعي والديني .. وسيضع حدٌ للعنف السياسي والإقصاء والتهميش، وستتوفر فيه كافة عوامل ومتطلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي والحفاظ على الحقوق والمصالح الفردية والجماعية والسياسية وحق تقرير المكانة السياسية للجميع سواء في دولة اتحادية من عدة اقاليم او من اقليمين.
هذا النجاح الذي حققه اليمنيون باختتام مؤتمر حوارهم يضعنا امام استنتاجين هامين هما: استطاعة اليمنيين الجلوس تحت مظلة واحدة لمناقشة قضاياهم بأسلوب حضاري رفيع كتجربة كان ينظر لها الجميع بأنها شاقة ، واستحالة نجاحها في اليمن نظراً لظروفه الاستثنائية ونتائج الحوارات السابقة التي انتهت بالانسياق الى لغة الحرب .. لكن الدور الذي قام به الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية - رئيس مؤتمر الحوار ، كان الابرز للوصول لتحقيق هذا النجاح ، ومبدأ التوافق والحياد السياسي الايجابي الذي انتهجه كان الطريق الآمن لاستمرار الحوار والتحاور ، رغم ما حصل فيه من انسحابات، ومد وجزر.
وبذلك نستطيع القول ان الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية ارسى بهذا السلوك السياسي ، والنهج المتميز في ثورات الربيع العربي ، بل وفي النزاعات السياسية التي تشهدها معظم البلدان النامية تجربة ومدرسة فريدة في الحياد السياسي الايجابي المثمر وستمثل نموذجاً رائعاً للأحتذى به ، ومحطة مضيئة في تاريخ اليمن المعاصر، ومرجعية هامة في التاريخ السياسي ليتجه الباحثون للاستفادة منه كنموذج وتجربة ناجحة في حل الاختلافات ومعالجات الأزمات المدمرة، حيث نال ثقة المتحاورين من كافة الاطراف، وهذا ربما يُحدث في ادارة الحوارات بين الشعوب والدول المتوترة الاوضاع بينها او الخارجة من الحروب، لكن لم يسبق أي رئيس في انتهاج هذا الحياد والتوافق الايجابي في ادارة الحوارات للنزاعات والصراعات الداخلية في دولة يرأسها، إلا ما حدث في اليمن وهنا فان نجاح الحوار كتجربة ناجحة.. راهن الكثير على فشلها وكسب الرهان هادي على نجاحه، وأسس بذلك مدرسة فريدة في الحياد والتوافق السياسي ستعيد لليمن مكانته السياسية المرموقة في المحافل الدولية، وستغتدي بنجاح تجربته الشعوب والدول التي لاتزال تشهد صراعات، وأزمات سياسية مستعصية، كما ستظل تجربة حاضرة في وجدان الشعب اليمني وتاريخه الحديث كونها منعت الاوضاع في اليمن من الانزلاق للحرب، كما لا يمكن إغفال دور المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمر ، وجهود سفراء الدول العشر الراعية للتسوية السياسية في اليمن، الذين كان لهم ايضاً الدور الحاسم في الدفع بجهود الجميع نحو نجاح مؤتمر الحوار.
اما الاستنتاج الثاني هو الخروج بالوثيقة النهائية للحوار والتي تعد انجازاًمهماً تجاوز كافة المحاولات السابقة لحل قضايا اليمنيين، فهي دون شك تشكل اساساً متيناً لحل القضية الجنوبية اذا تم مراجعة الابعاد السياسية والتاريخية للقضية الجنوبية، وتشكلها، وتفسح الطريق لأي محاولات صادقة من بعض الاطراف خصوصاً الجنوبية لمشاركتهم بالحلول المرحلية للانتقال بالأوضاع الى مرحلة آمنة تُمكن الجميع من مداواة جراحاتهم، ودراسة الاوضاع القادمة بدقة ليُسهل وصول الجميع الى غاياتهم طالما وان الوثيقة اعترفت بحق تحديد للمكانة السياسية مستقبلاً ، ولم تغفل البعد السياسي والتاريخي لكل الاوضاع في الجنوب قبل 30 نوفمبر1967م.
نجاح الحوار بشكل عام يعد منجزًاً تاريخياً لليمنيين ، وتنفيذ مخرجاته يعد الاهم ومسؤولية كل اليمنيين ، طالما وفّرت الحد المقبول الملبي لتطلعاتهم او الارضية المناسبة لتحقيق بقية اهدافهم في اطار الدولة الاتحادية ، ووفق أُسس ومبادئ، ووثيقة مخرجات الحوار التي ضمنت للجميع العيش بسلام ، باعتبار ان المعضلة تكمن في انجاز الحلول ولو في حدها ألأدنى، وطالما نجح اليمنيون ورئيسهم بإخراجها فإن الحاجة ملحّة وملزمة للجميع بالتعاون لتنفيذها وذلك لما نتوقعه من تحديات قادمة ستواجه تنفيذها، كما واجهت عملية اخراجها.
[email protected]