ومع أني كنت أتمنى أن يتراجع الإصلاح عن إقامة هذا الاحتفال غير الموضوعي، وفي مكان متشنج وقابل للانفجار في أية لحظة، ورغم التحذيرات التي أطلقت لمنع إقامة هذا الاحتفال، إلا أنهم أصروا في غيهم، وأقاموا ذلك الاحتفال الركيك، وبنفس المكان الذي حددوه، وبجماهير لا تتناسب مع توقعاتهم، ومع هذا مارسوا البرع، ورددوا الأناشيد، في الوقت الذي كان الوطن يتألم والدماء تسيل والجرح يتسع، ونتج عن هذا الاحتفال الاستفزازي سقوط العشرات من الشهداء والجرحى، وصاحبه تغذية للعنف المناطقي، الذي لا يرضي العقلاء سواء في الحراك أو في الإصلاح، ولكن الغريب أن الأخير تعمد الإثارة والتغذية لهذا العنف المناطقي عبر وسائل إعلامه المختلفة، وربط كل حدث بالحراك المسلح الإيراني، حسب زعمه، حتى وإن كان جنائياً، والتأكيد بأن الضحايا هم من أبناء المناطق الشمالية، حتى وصل الأمر بهم إلى أن ينشروا أخباراً بأن الحراك المسلح الإيراني قام بإنذار أبناء المناطق الشمالية القاطنين في المحافظات الجنوبية، بالمغادرة، وأنه أمهلهم 24 ساعة، ومرت الساعات والأيام دون أن نسمع نتائج لهذا الإنذار، وكأنهم يقولون للحراك اعملوا هكذا!
والعجيب أنه، وبعد كل هذا الخبيط، يخرج قيادي في الإصلاح، ليقول لنا إن من قام بإقامة هذا الاحتفال هي الدولة، وأما هم فمثلهم مثل غيرهم من المشاركين، بينما أعلام الجيش السوري الحر كانت مرفوعة في ساحة العروض، والغضب أيضاً توجه على الإصلاح ومقراته، ولكن دون وقوع جرحى أو سقوط قتلى، واقتصر ذلك على الحراك دون غيرهم، ومع هذا يطلقون عليهم الحراك الإيراني المسلح، فمن هم المسلحون؟ ومن أين سقط القتلى والجرحى؟ ومن الذي قام بتوزيع آلي كلاشينكوف وذخائر لكل مدرس ينتمي إلى هذه الجهة؟
وبعد أن وضع الإصلاح نفسه في هذه الورطة الكبيرة التي أفقدته ما تبقى من شعبية في المحافظات الجنوبية، ها هي قياداته تخرج لنا بأحاديث متناقضة؛ فتارة تفاخر بهذا الاحتفال، وتارة أخرى تتبرأ منه، وأنه مشارك كبقية المشاركين، أي يريدون أن يقولوا لنا إن كان هذا الاحتفال ناجحا فهو انتصار كبير لحزب الإصلاح، وإن كان فاشلا فهي الدولة التي أقامته.
ألم يكن الأجدر بهذا الحزب أن يعترف بالخطأ الذي وقع فيه، وألا يكابر، ويتنازل عن غروره بالاعتذار كمقدمة لتنفيذ النقاط الـ20 المقرة من اللجنة الفنية، وأن يثبت حسن النية لإصلاح هذه البلاد كما هو اسمه، ويسعى لتقديم التنازلات بإقناع أعضائه بإعادة المنهوبات منذ حرب 1994، وفي مقدمتها منزل الرئيس السابق علي سالم البيض، وأن يشعرنا باطمئنان بأنه قد نبذ العنف، وتخلى عن خطاب التكفير وهلع الفيد، وذلك بالتوضيح عن أسباب صرف الأسلحة والذخائر لمدرسيه، وإلزام الجنرال علي محسن الأحمر بإعادة كل ما نهبه من أراضٍ وعقارات وأموال، والاعتذار عن الفتوى التي صدرت عام 1994. هذا إذا أراد أن يكون مقبولاً لدى الآخرين، أما إذا استمر في المغالطة في أحاديثه المفضوحة، فسيحترق في المحافظات الشمالية أكثر مما احترق في المحافظات الجنوبية.