أمضيت الوقت في قراءة رسائل التهنئة، بعيد الفطر المبارك، التي كتبتها أيدي الجميع، من الأهل والأصدقاء من مختلف أنحاء العالم، والتي أحاطتني بمشاعر المحبة، وبفضلها حاولت ان اعيش مشاعر الفرح كبقية الخلق، ككائن حي يحق له أن يفرح مع كل مايحيط بنا من مظاهر القتل والدمار الذي يلحقه العدو الصهيوني بفلسطين والشعب الفلسطيني في غزة تحديداً. وليس وطني، وأكثر من بلد عربي وإسلامي باستثناء من دمار الحروب التي تسرق منا حتى افراحنا الصغيرة منذ سنوات !
واغناني تلفوني “الموبايل” الذي تلقيت عبره كل تلك الرسائل، وارسلت بالمقابل بواسطة “الواتس”، التهاني بالعيد على ذلك العدد من الرسائل من الذهاب إلى البريد ودفع كلفة طوابع البريد والتي لن تصل إلا بعد أن يكون العيد قد طوى صفحته، وبالتالي فقدت حرارتها واصبحت مثل العيش البائت!
ستكون غبياً لو فعلت ذلك، فلم يعد أحد يستخدم تلك الوسيلة اليوم في بعث الرسائل...
لكن عندما أعود إلى الماضي الذي ليس بعيداً كثيراً، فقد كان البريد، الطريقة لإرسال الرسائل للأهل والأصدقاء وتبادل المشاعر والتهاني بالعيد وغيرها من المناسبات حتى وإن استغرق ذلك بعض الوقت. او بواسطة المسافرين العائدين من عدن والكويت وبلدان المهجر إلى مدنهم وقراهم، أو الجمالة.
اليوم وبواسطة ثورة الاتصالات الحديثة، تكتب الرسالة بواسطة تلفونك”الموبايل”، وترسلها عبر “الواتس “ عن طريق الكبس على زر صغير، فتصل في نفس الوقت والثانية، ويقرؤها جميع المرسل إليهم في اي مكان في الدنيا يكونون فيه. لقد صار العالم عبر تقنية المعلومات فعلاً قرية صغيرة. وبفضل هذا الجهاز الصغير الذي اسمه “الموبايل “ الذي لايتجاوز حجمه علبة السجائر إلا قليلاً، أصبحت تحمل في جيبك، أويدك أخطر جهاز في العالم في عصرنا الحالي، لاتستطيع أن تستغني عنه ثانية واحدة، وبدونه تشعر بأنك إما ضائع، أو ينقصك شيء ما..!
هل تعرف ؟ انك بحملك لهذا الجهاز الصغير “ تحمل ثقلاً لم يكن ليستطيع “هرقل” أو “شمشون” الجبار حمله، ولمات
أعتى العتاولة تحت وطأة ثقله أو لمجرد التفكير، مجرد التفكير في ذلك !
انتظر فقط، ولاتستعجل .أنت لا تحمل جهاز موبايل فقط، بل آلة كاتبة، وراديو، وتلفزيون، ومشغل فيديوهات وآلة حاسبة، وآلة تصوير، واستديو تحميض، وارشيف صور يضم مئات آلاف الصور، ومكتبة تحتوي عشرات آلاف الكتب في كل المعارف، ومتجراً متنقلاً بشتى أنواع البضائع، وأجهزة ألعاب لاتحصى ..
تحمل كل هذا في وقت واحد دون أن تشعر، وكأنك تحمل ريشة خفيفة، بكل يسر وسهولة وبكامل السعادة إلى درجة ترفض التخلي عن حمله، ولن تصغي للمحضار وهو يقول لك ( ياحامل الأثقال خففها شوي،،، ذا حمل ماينشال !!) ومستعد لكل شيء لتحمل أكثر من جهاز واحد في نفس الوقت، واستبدال تلفونك القديم بواحد أحدث مهما كلفك من ثمن ! وتحرص أن يكون قريباً جداً منك، وتصحبه معك إلى غرفة نومك، وربما تضعه ليس على “الكومدينو” بل على الوسادة أو تحتها !! وحتى إلى المسجد !
المهم أن يكون هذا الصغير”المدلل” أمام عينيك، طوال الوقت، ولاتغفل عنه فقد صار أهم وأحب شخص في عائلتك الصغيرة !
اليوم، أشعر بالفقد والحنين عندما أعود إلى رسائلي القديمة المكتوبة على الورق، والمعطرة برائحة الحبر الأزرق، والأسود، كانت مكتوبة بمشاعر الصدق، قريبة من القلب والروح. رائحة الرسائل القديمة، تلك التي كتبناها للوالدين، أو للحبيبة، أو لأعز الأصدقاء، كانت تمنحنا الإحساس بالحب، وبنبض الحياة، وبأقصى الراحة بعد الانتهاء من كتابة رسالة، أو قراءة واحدة قادمة من عزيز. وبعض الرسائل كنا نكتبها ولا نرسلها، لأنها كانت تعبر عن مشاعر دفينة نحو شيء يجمعنا بشخص ما ...
سنظل نتذكرها ونتذكره إلى الأبد ..