ماذا فعلت ايها الكائن الجميل، حتى ترتكب هذه الحماقة ؟ لماذا هبطت من عالم القداسة إلى مخلوق يستجدي بعض العمر ليعيش مابقي له في أمان من نفس الإنسان الذي كان يتخذه رمزاً للإلهة ؟ هل كنت تعتقد انك ستكون بخير حتى لو وعدوك بذلك ورسموك على الصخور، وعلى العملات النقدية؟
لقد نكثوا بوعدهم، وقتلوك، وأكلوا لحمك وزينوا بيوتهم بقرونك !، كما فعلت قريش بآلهتها ! صنعتها من التمر واكلتها حين جاعت !
لم يعد الوعل ذلك الأسطورة، رمز الالهة؛ القمر وعشتر، ولا رمز الخصوبة والقوة والعنفوان والجمال ..لم يعد إلاّ ذكرى في أشعار الشعراء الجاهليين، وفي شعر المحضار المنثور بصوت بلفقيه في مساءات السماور في حضرموت لا يأتي إلاَّ مقرونا بالشباك التي تنصب له حين يحاصر في الأخاديد العميقة.
لقد تحول صيده من الشباك ومواسم معينة إلى صيد جائر بالبنادق والرصاص الحي. ومنذ العقود الثلاثة الأخيرة يتعرض الوعل لخطر الإبادة في المناطق التي بقيت له في حضرموت وشبوة إلى درجة الخوف أن ينضم إلى الحيوانات المهددة بالانقراض مثله مثل النمر العربي في يافع، كلما ظهر سارع الصيادون بقتله . ومثله مثل السلاحف الخضراء في شرمة التي حتى بعد إعلانها محمية لاتزال تتعرض للقتل الوحشي، وطيور “الفلامنجو” في خور مكسر تتعرض بيئتها للزحف العمراني والاعتداء وحتى لخطر إطلاق النار !
وعوداً على ذي بدء ..
الخوف كل الخوف أن يختفي الوعل، كما اختفت أشياء كثيرة من حياتنا..
لقد صمد حتى الآن عبر رحلة الزمن القاسية، وحافظ على وجوده رغم ما مر به ومرت به البلاد من محن، لكنه الآن لم يعد يجد الأمان . ويأتي قتلة من خارج الحدود بتواطؤ ممن يفترض أن يحموه ويحموا الوطن !!
قبل سنة تقريباً، اطلعت على طلب تقدمت به الهيئة العامة لحماية البيئة فرع حضرموت الوادي، بضرورة تنظيم هواية اصطياد الوعل والحيوانات البرية، بعد تزايد مطالبات مجتمعية بضرورة إيقاف الاصطياد العشوائي للحيوانات البرية والوعل على وجه الخصوص. وسعت إلى عمل محمية برية للحيوانات البرية التي تشتهر بها حضرموت، ومنها الوعل العربي مؤكدة أنه «تم الرفع إلى رئاسة الهيئة بمقترح لاستصدار قرار من مجلس الوزراء لإنشاء محمية برية بوادي وصحراء حضرموت». ولكن كما يبدو أن هذه الدعوات لا تجد الاهتمام الكافي من المسؤولين، ولا تزال عملية الصيد العشوائي للوعل مستمرة بدرجات مخيفة.
وينتابني إحساس غريب ان هذا اليوم الذي يختفي فيه الوعل من حياتناالبرية سيأتي غير بعيد، بعد أن اطلعت بالصدفة في احد الجروبات على صورة مخيفة أفزعتني، لما يمكن أن أطلق عليه دون أدنى قدر من التردد بالإبادة التي تتعرض لها الوعول في حضرموت وشبوة. وفي حال استمرت بهذا المعدل والانفلات ستكون هذه الحيوانات النادرة بعد وقت لن يطول، في حكم المنقرضة إلا إذا اتخذت إجراءات عاجلة ورادعة لحمايته وصدر قانون يمنع قتله، ويمنح هذا الحيوان الجميل عمرا جديداً.