هجوم بهجوم
في 17 نوفمبر 2024، وفي تغير مفاجئ للموقف الأمريكي المعلن أجاز الرئيس المنصرف لأوكرانيا استخدام السلاح الأمريكي وخاصة الصاروخي لضرب عمق الأراضي الروسية. ويبدو ان ذلك سيشكل انقلابا دراماتيكيا لمسار الحرب في أوكرانيا، ستتغير تبعا له كل المعادلات والحسابات الجيوسياسية والعسكرية في العالم ككل.
لم تصدق أوكرانيا أنها حصلت على إذن بايدن بضرب الداخل الروسي حتى بادرت في اليوم التالي (19 نوفمبر 2024) بإطلاق الصواريخ الأمريكية ATACMS والبريطانية Storm Shadow على منطقة بريانسك.
الرئيس الروسي قال: “إن دول (الناتو)، بمناقشتها السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى،” تناقش مشاركتها الفعلية بشكل مباشر في الصراع بأوكرانيا”. وان تلك المشاركة تغير جوهر الصراع في أوكرانيا تماما. وأن هذه الدول بقيادة الولايات المتحدة تشارك “في حرب مباشرة ضد روسيا”، [1].
الرد الروسي على الإذن الأمريكي والغربي عموما لأوكرانيا باستعمال الصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي والتصرف الأوكراني المتعجل لم يتأخر كذلك، حيث وجهت روسيا ضربة (اختبارية) لصاروخ “أوريشنيك”، متعدد الرؤوس على مصنع “يوجماش” العسكري تحت الأرض في مقاطعة دنيبرو بيتروفسك شرق أوكرانيا وتدميره بالكامل، فأصبح أثرا بعد عين.
ولاحقا حذر بوتين الغرب من أن جميع أنظمة الدفاع الجوي في العالم غير قادرة على اعتراض هذا الصاروخ الأسرع من الصوت بعشر مرات، وأن موسكو لن تتردد في ضرب المواقع العسكرية في الدول التي تستخدم أسلحتها ضد روسيا.
ما حدث من الفعل والرد الأقوى عليه شغل حيزا واسعا من الأخبار والتحليلات وأطلق سيلا من التكهنات حول التداعيات والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه على المديين القصير والطويل.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصف الضوء الأخضر الممنوح أمريكيا لأوكرانيا لاستخدام الصواريخ الأميركية لقصف الأراضي الروسية، بأنه “خطأ كبير”. وأن “هذه التطورات قد تضع المنطقة والعالم على شفا حرب كبيرة، ولا يمكن التوصل إلى نتيجة باتباع مفهوم: أنا ومن بعدي الطوفان”. لأن ذلك حسب رأيه أن القرار الأمريكي لن يقود إلى تصعيد الصراع بل وإلى “رد فعل أقوى من جانب روسيا”. وحسب موقع الجزيرة فإن “موسكو قد تفكر في استخدام أسلحة نووية إذا تعرضت لهجوم صاروخي تقليدي مدعوم من بلد يمتلك قوة نووية”، [2].
وقالت صحيفة الجارديان إن بوتين بإطلاق صاروخ “أوريشنيك” على أوكرانيا “كأنه يهدد بشكل مباشر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين سمحتا لأوكرانيا في وقت سابق من هذا الأسبوع بإطلاق صواريخ Atacms وStorm Shadow المصنوعة في الغرب على روسيا”. أما بعض وسائل الإعلام فقد وصفت الإطلاق التجريبي لصاروخ “أوريشنيك” بأنه “طلقة تحذيرية من حرب عالمية ثالثة”، [3].
سابرينا سينغ المتحدثة باسم البنتاغون ذكرت أن صاروخ “أوريشنيك” صنف جديد من القدرات القاتلة التي تكشف عنها روسيا وأن هذا الصاروخ “أوريشنيك” الروسي الذي دمر أحد أكبر المصانع العسكرية الأوكرانية الليلة الماضية صنف جديد من القدرات القاتلة التي تكشف عنها روسيا، ومجهز لحمل رؤوس نووية، وأنه “ صنف جديد من القدرات القاتلة التي تم الكشف عنها” وانه ليس لديها “تقييم لتأثيراته في الوقت الحالي، لكن بالطبع نحن قلقون منه”.
المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف عنون مقاله على قناته في التليغرام: بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد وبدأت لعبة إزاحة بوتين لخطوط الغرب الحمراء:
وقد ذكًر المحلل بتأكيد بوتين “إن الولايات المتحدة وبريطانيا شنتا ضربات صاروخية على روسيا منطلقة من الأراضي الأوكرانية في 19 و21 نوفمبر الجاري”، وهذا يعطي لروسيا الحق في ضرب أهداف في البلدين. ويعتقد نازاروف ان قرار شن ضربات ضدهما “قد تم اتخاذه بالفعل، ومن المحتمل أن يحدث قبل تنصيب ترامب”، وربما ذلك يحفزه “على اتخاذ موقف أكثر توازنا في المفاوضات المحتملة”.
وربما تكون الأهداف الأقرب المحتملة التي ستضربها روسيا هي القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية في الخارج، إذا لم تحقق الضربات ضد أوكرانيا النتيجة المرجوة. أكد أن صبر بوتين على الاستفزازات الغربية كان “صبرا مبررا ومدروسا” حتى جاءت لحظة أولى الردود. لأن روسيا كانت “بحاجة إلى تبرير قوي لضرباتها ضد الغرب من أجل تقليل خطر الحرب النووية، وتعزيز التفاهم بين الصين والهند، اللتين تعكسان أي تصعيد نحو استخدام الأسلحة النووية على وضعهما الخاص”.