هناك سباق تسلح عالمي، لكن وزير الخارجية الأمريكي يعتقد بأن إيران ووكلاءها استغلوا” الفوضى لإحياء طرق الاتجار غير المشروع بالأسلحة في المنطقة وتفاقم الاضطرابات. وفي الوقت نفسه، صرفت بكين نظرها عن عدوانية موسكو في أفريقيا في حين عززت التبعيات الجديدة وحملت المزيد من البلدان بديون غير مستدامة. وفي أميركا الجنوبية، تقدم الصين وروسيا وإيران الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لحكومة نيكولاس مادورو الاستبدادية في فنزويلا، الأمر الذي يعزز قناعته بأن نظامه محصن ضد الضغوط”. ومع أن بلينكين يعرف تماما إن ما تقوم به إيران لم يكن أبدا خارج سياق السيناريو الأمريكي، ولا تزال تفاصيل فضيحة “إيران جيت” تملأ بطون الكتب والمراجع*، لقد مارست أمريكا سياسة الأبواب الخلفية، التي تناقض الخطاب المعلن. كانت الرغبة الأمريكية تدفع نحو تحويل إيران إلى فزاعة لابتزاز دول المنطقة. الطموحات الإيرانية تجاوزت السقف الأمريكي، ولكن لابد لأمريكا ان تستفيد من هذا الوضع أيضا. كيف؟ الأسلوب الأفضل هو ان تختار هذه الدول بين إيران وإسرائيل.
الوزير بلينكين يتجاهل مصدر الفوضى العالمية هذا، إلا أن مفهوم الاتجار الشرعي بالسلاح يظل محفوفا بالغموض، ولا نعرف الحد الفاصل بين ما هو شرعي وما هو غير شرعي. إذا اعتبرنا أن تسليح الحوثيين الجماعات الدينية في العراق ولبنان تجارة غير شرعية، فهل تسليح أونيتا وقسد والمليشيات الأفغانية تجارة شرعية؟؟؟ العملية هنا ليست البحث عن مقارنات بل مقاربات لتحديد طبيعة المفهوم.
يقول بلينكين بحنق، من تبدل موقف روسيا، التي انتقلت، “من كونها شريكا وثيقا لإسرائيل ــ بعد هجوم السابع من أكتوبرــ إلى تعزيز علاقاتها مع حماس. ومن جانبها، تعمل إدارة بايدن بلا كلل مع الشركاء في الشرق الأوسط وخارجه لإنهاء الصراع والمعاناة في غزة، وإيجاد حل دبلوماسي يمكّن الإسرائيليين واللبنانيين من العيش في أمان على جانبي الحدود، وإدارة مخاطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا، والعمل نحو المزيد من التكامل والتطبيع في المنطقة، بما في ذلك بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية”. كما نلاحظ فإن حديث بلينكين يجري في سياقات متعددة ومتعرجة ولكن رابطها الأهم هو قوة إسرائيل وهيمنتها، وليس وجود حل عادل للقضية الفلسطينية. يبدو الدور الأمريكي المزدوج والمتناقض أكثر تكثيفا وهو موقف لا يحير أحدا ولا يخفى على أحد، إلا على من يتعمد غض الطرف. يقول بيان للخارجية الأمريكية “ندعم حق إسرائيل في حماية نفسها من الإرهاب ومختلف التهديدات الأمنية، وذلك بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي. سنستمر في اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها في مواجهة هذه التهديدات”؟ من بمقدوره تهديد إسرائيل اذ هي لم تهدد أحدا؟؟؟
أكثر من مائة صفقة أمريكية لتزويد الكيان الإسرائيلي بالذخائر الثقيلة الموجهة، لحرب عظيمة ضد تنظيم صغير، فإذا كانت في حرب حقيقية ضد دولة محترمة كمصر أو نفترض تركيا ماذا ستعمل الولايات المتحدة والغرب غير تكرار سيناريو 1956و1973؟
دغدغة أمريكا لمشاعر الأعراب لا تنقطع، لكن ليس لها ثمار كما هو حال الفاشية الصهيونية، يقول بلينكن:” فبدون إنهاء الحرب في غزة ومسار محدد زمنياً وموثوق به نحو الدولة التي تعالج التطلعات المشروعة للفلسطينيين واحتياجات إسرائيل الأمنية، فإن التطبيع لن يتمكن من المضي قدماً”، في منطقة كالشرق الأوسط ووضع كما هو بين إسرائيل وأمريكا فإن المسار الموثوق لدولة فلسطينية لن تقدمه إسرائيل التي لها أحلامها الخاصة في المنطقة وهي متناغمة مع التوجهات الأمريكية، لكن ذلك سيكون له موضوعه الخاص. لكن المهم أمريكيا ليس فلسطين بل أن تؤدي كل الجهود من أجل انجاح التطبيع الذي “من شأنه أن يضم إسرائيل في بنية أمنية إقليمية، ويفتح (لها)الفرص الاقتصادية في مختلف أنحاء المنطقة، (والأهم) ويعزل إيران ووكلاءها”. ولا يخفي وزير الخارجية الأمريكي سعادته مما تحقق” وقد ظهرت بوادر هذا التكامل في تحالف الدول، بما في ذلك الدول العربية، التي ساعدت إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هجوم مباشر غير مسبوق من إيران في أبريل (2024). وقد أكدت زياراتي إلى المنطقة منذ السابع من أكتوبر (2023) أن هناك مساراً نحو المزيد من السلام والتكامل ــ إذا كان القادة هناك على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة”. هذا هو السلام الذي تريده أمريكا لإسرائيل وليس للجميع!!