الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات :
نفذ الجيش السوداني غارات جوية وقصفاً مدفعياً اليوم الخميس في الخرطوم، تزامناً مع خوضه قتالاً شرساً ضد قوات "الدعم السريع" في العاصمة، بحسب ما أفاد مصدر عسكري وشهود.
وقال سكان إن المواجهات بدأت فجراً، في ما يبدو أنه أول هجوم كبير للجيش منذ أشهر لاستعادة أجزاء من العاصمة تسيطر عليها قوات "الدعم".
وتأتي الاشتباكات المتجددة في وقت يحتل ملف النزاع المتواصل في السودان منذ أبريل 2023، مرتبة متقدمة على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وأزمة اللاجئين والخشية من أعمال عنف عرقية.
وقال المصدر العسكري الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن "قواتنا تخوض قتالاً شرساً مع الميليشيات المتمردة داخل الخرطوم".
وأشار إلى أن قوات الجيش تمكنت من عبور ثلاثة جسور رئيسة فوق نهر النيل الذي يفصل بين أجزاء العاصمة الخاضعة لسيطرة الجيش، وتلك الخاضعة لسيطرة قوات "الدعم السريع".
واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وهو أيضاً رئيس مجلس السيادة والحاكم الفعلي للبلاد، وقوات "الدعم السريع" بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وخلال آخر هجوم كبير في فبراير الماضي، استعاد الجيش معظم مدينة أم درمان الواقعة على الضفة المقابلة للخرطوم، وجزءاً من الخرطوم الكبرى.
وأفاد كثير من سكان أم درمان بوقوع "قصف مدفعي مكثف" بدأ في وقت مبكر من اليوم، إذ إن القنابل سقطت على المباني السكنية بينما حلقت الطائرات الحربية العسكرية في سماء المنطقة.
وقال أحد سكان أم درمان، "منذ ساعات الفجر الأولى قصف مدفعي عنيف متبادل، وأسمع طيران الجيش يحلق بكثرة".
وفي الخرطوم بحري شمال العاصمة، أفاد شهود عن "قصف مكثف بالمدفعية والطيران"، متحدثين عن سماع "أصوات انفجارات ضخمة".
واتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك استهداف المدنيين والقصف العشوائي للمناطق السكنية والنهب وقطع المساعدات الإنسانية الحيوية.
وفي سبتمبر الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى لا يقل عن 20 ألف شخص منذ بداية الصراع، لكن بعض التقديرات تصل إلى 150 ألف ضحية، وفقاً للمبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو.
كما نزح أكثر من 10 ملايين شخص، أي نحو 20 في المئة من السكان، بسبب القتال أو أجبروا على اللجوء إلى دول مجاورة، وأدى النزاع إلى أزمة إنسانية هي من الأسوأ في التاريخ الحديث، بحسب الأمم المتحدة.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال لقاء بينهما أمس الأربعاء، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عن "قلق بالغ إزاء تصعيد النزاع في السودان"، مندداً بـ"تداعياته المدمرة على المدنيين السودانيين وأخطار تمدده إقليمياً"، وفق ما أفاد المتحدث باسم الأمين العام في بيان.
كذلك بحث المسؤولان "الحاجة إلى وقف إطلاق نار فوري ودائم"، والسماح بوصول الإغاثة الإنسانية إلى المدنيين من دون عوائق.
وحذّر تقرير لهيئة مدعومة من الأمم المتحدة من خطر تفشي المجاعة على نطاق واسع في السودان على نحو لم يشهده أي مكان في العالم منذ عقود.
وتم الإعلان عن المجاعة في مخيم "زمزم" للاجئين في دارفور قرب مدينة الفاشر، حيث أطلقت قوات "الدعم السريع" هجوماً نهاية الأسبوع الماضي بعد حصار دام أشهراً.
والفاشر واحدة من خمس عواصم ولايات في إقليم دارفور (غرب)، وهي الوحيدة التي لم تسقط في أيدي قوات "الدعم السريع" التي تخوض معارك ضد القوات المسلحة السودانية منذ أبريل 2023.
وحذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك اليوم من القتال العنيف للسيطرة على مدينة الفاشر، محذراً من أعمال عنف بدوافع عرقية إذا سقطت في أيدي قوات "الدعم".
وقال تورك في بيان، "على القتال أن يتوقف فوراً. كفى يعني كفى"، مضيفاً أنه "بناء على تجربة الماضي المريرة، إذا سقطت الفاشر، فهناك خطر كبير بوقوع انتهاكات بدوافع عرقية، بما في ذلك عمليات إعدام بإجراءات موجزة وعنف جنسي من قبل قوات ’الدعم‘ والميليشيات المتحالفة معها".
وأعرب تحديداً عن قلقه في شأن مصير سكان مخيمي "أبو شوك" و"زمزم" للنازحين، قائلاً إن "الأشخاص في هذين المخيمين يواجهون خطر التعرض لهجمات انتقامية بناء على هوياتهم القبلية، سواء الحقيقية أو المفترضة، على اعتبار أنهم يتحدرون من المجتمعات ذاتها التي يتحدر منها قادة الحركات المسلحة الموالية للقوات المسلحة السودانية".
وأشار البيان إلى أن الأمم المتحدة وثقت "أنماطاً مروعة من الانتهاكات ذات الدوافع العرقية، خصوصاً ضد قبيلة المساليت" بعدما سيطرت قوات "الدعم السريع" على الجنينة وأردمتا في ولاية غرب دارفور العام الماضي.
وعانت دارفور، وهي منطقة بمساحة فرنسا يقطنها نحو ربع سكان السودان، من أعوام من أعمال العنف العرقية التي ارتكبتها ميليشيات "الجنجويد" التي شكلت لاحقاً نواة قوات "الدعم السريع".
وأطلقت قوات "الدعم" هجوماً نهاية الأسبوع الماضي، في الفاشر التي تعد نحو مليوني نسمة، بعد حصار دام أشهراً.
وفي ظل تصاعد حدة المعارك للسيطرة على الفاشر، قال تورك إن مكتبه سجل "ازدياد حالات مقتل مدنيين نتيجة القصف والضربات الجوية من الجانبين".
وأفاد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أيضاً بأنه وثق عمليات إعدام بإجراءات موجزة وأعمال عنف على أساس النوع الجنسي وبلاغات عن عمليات خطف طاولت خمس نساء في الأقل وعدداً من الشبان في الفاشر.
وحض تورك "المجتمع الدولي، بما في ذلك عبر مجلس الأمن، على القيام بالتحرك اللازم والفاعل لحماية المدنيين في السودان، لا سيما تلك المجموعات المعرضة خصوصاً لخطر العنف المستهدف، ولضمان احترام جميع الأطراف القانون الدولي".
وقالت القائمة بأعمال منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة جويس مسويا إن "الشعب في السودان عاش الجحيم مدى 17 شهراً والمعاناة في تزايد"، معلنة تخصيص 25 مليون دولار من صندوق الأمم المتحدة للطوارئ من أجل مكافحة المجاعة في هذا البلد.
ويخوض الجيش السوداني "قتالاً شرساً" مع قوات "الدعم السريع"، "داخل الخرطوم" اليوم الخميس، وفق ما أفاد مصدر عسكري لوكالة الصحافة الفرنسية، بينما تحدث شهود عيان عن غارات جوية وقصف في أنحاء العاصمة.