كم هي الحياة قاسية في هذا الزمن الصعيب، ولولا طول الامل على أن يغير الله الحال إلى حال أفضل، ويكون الغد أفضل لكانت الحياة أصعب وأمر، ورغم قساوة الحياة التي نعيشها، الا أن العيش على كذبة الامل ، هي سعادة بذاتها ان يكون لديك أمل، قد يأتي ويغير الواقع في هذه الحياة القاسية. إن المعاناة الأليمة التي يعيشها المواطن، في هذا البلد المكلوم على أمره، من حيث اشتداد الفقر والعوز والمرض، والانفلات الأمني المهول في غياهب الجهل والطمع، وغياب العدالة بين أوساط المجتمع، جعل الناس يكتفون رغم الحاجة، وينظرون الى أنه دائما هناك بصيص من الامل، وربما قد يأتي يوم ويتغير الحال، مثل حلم ربما لم يتحقق ولكنه موجود ويعيش فينا، مثل لحظه فارقة في هذه الحياة البائسة التي نعيشها، دائما ما يحدونا الامل الى مستقبل افضل، وتلك حقيقة مأساتنا التى نشاهدها كل يوم، تذكرني بملهاة الكاتب الكبير صوميل بيكيت العبثية، في (انتظار جودو) مسرحية ساخرة من الادب العبثي، مسرح اللا معقول وهو يضع السؤال الذي يلح، على لسان أبطال المسرحية هل أتى جودو وجودو لم يأت، والسؤال للمشاهد من هو جودو، لاأحد يعرف ولكنه يمكن أن يكون مجرد أمل او أي شيء أو مخلص ينتظره الناس، أن يخلصهم مما هم فيه من ماساة، حتى وان كان هذا الامل مجرد كذبة، تظل هكذا حياتنا التي نمارسها ونحن ننتظر ذلك الامل الكاذب والمفقود، اي أننا ننتظر الوهم.. نمني انفسنا ان تتغير حياتنا في يوم وليلة، ونحن نقلب دفتر الماضي الذي افنينا فيه حياتنا، ومستقبلنا الذي ننتظره في لهفة، وانصياع لذلك الامل الكذبة والمختبئ في وجداننا.. ذلك الامل الوهم، الذي لن يأتي ونحن ننتظر تلك الامنية أن تتحقق، والحقيقة ان المستقبل لايبنى بالامنيات ولا في انتظار المخلص، ولكن الحياة تبنى بالارادة والعمل، انما الانتظار لجودو ذلك الامل الوهم انما هي النهاية لامحالة حتى نهلك.
مثل الحياة على ظهر قطار يمضي بنا وبحياتنا، والزمن يمضى أيضا مثل طول الامل والاعتقاد، يسير القطار وعجلة الايام تدور وتستمر في الدوران، عربة القطار تمضي قدما على سكة حديد رسم على خط في الارض وقد وضعت له طريق حتى لانستطيع تجاوزه او الانحراف عنه، انه الهلاك لا محالة للمجتمع الذي تراخى ورضي بالعجز والجلوس على القطار حتى المحطة الاخيرة او النهاية، نفسه الانتظار البائس لامل مفقود (وهم)، مثل اعتقاد الانسان أنه سيبقى ويعيش، وان الموت بعيد عنه، وهو أمل كاذب لان الانسان يموت، والحياة تلفظ انفاسها كل لحظة وكل يوم وكل شهر وكل سنة؛ ولكن الانسان يعتقد انه سيعيش الى الغد، وتلك جرعة أمل كاذبة ولكننا دائما ما نصدقها، وهي أكبر كذبة أمل يعيشها أغلبنا.
لا محالة اننا امام حكومة فقدت قيادة دفة وتصويب المركب وبوصلة النجاة للوطن، في هذه الحياة البائسة في انقاذ البلد، الذي خرج من حرب طاحنة، وتعطلت فيه موازين العمل لتسيير حياة الناس، من تلك المعاناة والقسوة التي يعيشها المواطن كل يوم، حين يفقد المواطن معاشه الشهري الذي يقتات منه هو واولاده، ويضرب الجوع اطناب كبده الجائع وهو يبتلع ريقه من الحسرة والندم أمام انهيار قيمة الريال اليمني السعرية مقابل العملات الاخرى.. راتب لم يعد يساوي شيئا، وهو يرى عجز الحكومة عن مساعدته او انتشال البلد من هذا الضياع المخزي، حين تتوقف كل مناحي الحياة، من معاشات لم تعد تأتي بلقمة العيش، وكهرباء لا تعمل الا ساعات قليلة وشوارع ممتلئة بمياه المجاري، ومستشفيات خالية من الادوية، وامن مفقود الهوية الا من تحرشات البلاطجة في الاسواق واطلاق الرصاص بسبب او دون سبب، يبقى المواطن هو الضحية وهو من يدفع الثمن.. المواطن المغلوب على امره، امام هذا العجز الحكومي، والفشل الذريع امام احتياجات الناس ومتطلباتهم البسيطة، امام غلاء فاحش وبطون خاوية.. بينما تصرف الملايين لمشاريع وهمية او مشاريع لايحتاجها المواطن اليوم، وهكذا نجلس في انتظار جودو او ذلك الامل (الوهم) او الامل الكاذب .