14 أكتوبر ترصد معاناة نساء منطقة المحاريق في محافظة عدن
استطلاع / خديجة الكاف
تُعاني منطقة المحاريق بمديرية الشيخ عثمان في عدن من إهمال حكومي عميق أدى إلى تدهور أوضاعها بشكل كارثي.
ففي ظل غياب شبه تام للخدمات الأساسية، يُكابد سكان المنطقة ظروفاً معيشية قاسية تشبه الموت البطيء، وتفتقر المنطقة إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، بدءًا من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر، ونقص إمدادات المياه، وانتشار الأمراض بسبب سوء الصرف الصحي، مروراً بغياب الأمن، وانتهاءً بتردي أوضاع البنية التحتية بشكل عام.
ويعيش سكان المحاريق في بيوت متداعية لا تقيهم من حر الصيف وبرد الشتاء، ويفتقرون إلى الرعاية الصحية، كما يعاني أطفالهم من نقص حاد في فرص التعليم.
ومن خلال زيارتنا لمنطقة المحاريق لاحظت تتكدس القمامة أمام منازل سكان المنطقة بسبب عدم دخول سيارات القمامة التابعة للبلدية وعدم وجود براميل الخاصة لرمي القمامة ،مما جعل الأهالي يحرقوها باستمرار بسبب قربها من منازلهم وتكاد تصل إلى داخل منازلهم مما يؤدي إصابتهم بالأمراض، واختناقات يصاب بها كبار السن ومصابي الربو ،حيث أصبحت القمامة على هيئة جبال لعدم قيام بلدية الشيخ عثمان بدورها حيث انها لم تقم بصرف "برميل للقمامة" ليومنا هذا .
كما لاحظنا انتشار طفح مياه المجاري بسبب عدم ربط المنطقة بشبكة المجاري وأدى إلى اختلاط المياه الصالحة للشرب مع مياه الصرف، حتى لم يتم تعبيد الطرق وصارت السيارات تدخل المحاريق بصعوبة بسبب مياه الصرف الصحي والقمامة المنتشرة .
يناشدون ساكني منطقة المحاريق في الشيخ عثمان ويستغيثون لنظافة منطقتهم من القمامة , ومازال الوضع البيئي والصحي متدهور ومخيف جدا في هذه المنطقة !
نناشد الجهات المختصة والمعنية ومسؤولي في السلطة المحلية ومنظمات الدولية والمحلية ان تستجيب وتضع من ضمن الكلسترات التي تعمل عليها من اولوياتها اغاثة منطقة المحاريق المنكوبة انسانيا وبيئيا فهل من مستجيب ؟؟؟
وفي ظل هذه المعاناة والاوضاع المأساوية للغاية وأغلبهم من الفقراء ظهرت في تلك المنطقة نساء يعملن بمشاريع صغيرة نوعية تلبي احتياجاتهن البسيطة وتدري بالدخل البسيط عليهن فهن نساء اوجدن لقمة عيشهن بأيديهن ، وتتواجد في منطقة المحاريق عدد كبير من النساء المهمشات اللاتي يشقن طريقهن بأيديهن لابيد غيرهن ، ويخترقن كل الصعوبات والمعوقات والتحديات وكثير منهن يقتحمن مهنة الرجال المتعبة، مهنة البناء وحمل الاثقال وقطع الأخشاب والأشجار وغيرها من المهن.
ومن اجل تسليط الضوء على انعدام ابسط مقومات الحياة الكريمة لساكني هذه منطقة المحاريق من غياب الخدمات ودور السلطة المحلية والحكومة وكل الجهات المعنية ودور النساء المهمشات اللاتي يقمن بمشاريع صغيرة دون حصولهن للأدنى دعم من الجهات المعنية .
تقول ريما عبدالله صالح منقشة الحناء هي واحدة من تلك النساء الكادحات التي غيرت حياتها الأوضاع التي تسير بها البلاد وجعلت منها مربية بيت وعاملة وأم وأب لتبحث بين أرجاء حواسها وكل أوقاتها عن لقمة عيش تطعم بها أطفالها وحياة بسيطة لها ، تعيش في العاصمة عدن بإحدى ضواحي مديرية الشيخ عثمان منطقة المحاريق باتت المرأة تسطر صفحات لامعة ومجهدة في آن واحد.
وتلك المهمشة الأربعينية "ريما " شقت طريقها للخروج عن التهميش لكي تقضي على الفقر الذي تعاني منه وتعمل بيدها لجلب رزقها وأسرتها بكل جهد ومتاعب وهمة كبيرة.
وتضيف ريما انها تعمل في حرفة نقش الحناء وعمرها 11 سنة وتزوجت وهي مستمرة على نفس الحرفة حين سقط زوجها وأصيب بالذبحة وتوقف عن العمل ومن حينها هي ربة البيت والعمل وهي جالب الرزق وطاهية طعام أطفالها الخمسة وزوجها دون كلل ولا ملل.
ووتواصل ريما حديثها قائلة : ( انها تقوم بالنقش في منطقة الشيخ عثمان بأسعار تناسب دخلها وتحسن من دخلها ولكن بعد ان نقلت بيتها الى منطقة المحاريق قل دخلها ولم تستطيع مواجهة الغلاء المعيشي فان الكيس الكبير للحناء اصبح غالي الثمن ومادة الميسون والليمون مواد تخلط بالحناء لكي تبرز باليدين بالشكل المطلوب فهي لا تستطيع توفير المواد هذه لكي تعمل بالحرفة نقش الحناء وتطالب من الجهات وخاصة المنظمات الدولية توفر لها المواد ).
ريما لديها خمسة اطفال اكبرهم 16 سنة يعمل على موتر وفي ظل ارتفاع البترول وازمة البترول توقف عن العمل وبسبب الفقر والمعاناة اخرجت اولادها وابنتها من الصف السابع من المدارس فالظروف الصعبة .
وتشير إلى أنها ذهبت إلى احدى المدارس في منطقة المحاريق وقدمت لابنها الصغير لكي يدرس فيها ولكن لاقت صعوبة ان العدد اكتمل ولكن حاولت ولم تيأس وكلمت ادارة المدرسة انها تريد ان تقوم بالتدريس حتى للأطفال التربية البدنية ولكن دخلت كمدرسة لمادة الاجتماعيات فالإرادة فوق كل شيء الانسان هو من يصنع نفسه .
ارملة تعمل بحمل البردين
تقول اسماء رشاد ارملة لديها سته اطفال إنها بدأت عملها في صناعة صنادل الصوف (وما أدراك ما صناعة صنادل الصوف، فهي (مصنوعة من قاع صنادل قديمة وتخيط عليها بالصوف لكي تبدو جميلة في اللبس )، لتقوم بصناعتها بيدها الشاحبة وتحيكها بفن ودقة عالية لتبيعها بأسعار بسيط تكفي حاجتها حد قولها بسعر بسيط لأبناء المنطقة .
وتقوم اسماء بجمع القوارير والتواير والصنادل القديمة المرمية في القمامة أو من جوار منطقتها، وبعض الاحيان تعمل بحمل الاثقال كقشرة البناء وحمل قطع البردين ).
مدربة في صناعة البخور
وتروي نجيبة خلوف حسن قصتها في منطقة المحاريق وتقول انها تعيش منذ نعومة اظافرها وتربت وترعت فيها ان المنطقة تعاني من قلة الخدمات وقلة النظافة وانتشار الامراض وفي ظل هذه الاوضاع.
تواصل حديثها قائلة:"اعمل في كثير من الاعمال اليدوية التي تساعدني في تحسين معيشتيو عملت كوافير ولكني لم استطيع الاستمرار بسبب الامكانيات المحدودة والدخل البسيط الذي لا يكفي متطلبات اسرتي ومن ثم عملت بصناعة البخور بعد تدريبها وتعليمها طريقة صناعته وصارت تعلم الفتيات في منطقة المحاريق كيفية صناعته ، فالأسرة انا من اعيلها فهي مكونة من زوج لديه اعاقة حركية (مشلول) معها اثنين بنات واثنين اولاد وهي تربيهم وتكبرهم فولدها الكبير تزوج وانجب وابنها الاخرى على وشكا الزواج واستمرت بتعليم ابنتيها ابنة في سنة اولى جامعة والاخرى سنة ثالثة ثانوي" .
ثريا عبده احمد والتي اتجهت الى العمل في مجال الخياطة في منطقة المحاريق ولديها اربع وبنات واثنين عيال تتابع حديثها قائلة ":وزوجي مريض واقوم بتخيط الجلبيات والسروايل الاطفال وغيرها وقد عملت مع المعاقين وقمت بالخياطة لهم وحاولت تحسين دخلي بالتوسع في عمل الخياطة لغير ابناء المنطقة ".
وتشاركها الحديث الاخت ا انتصار عبده عبدالله ناشطة مجتمعية في منطقة المحاريق والتي عملت في التوعية في الصحة الانجابية وغيرها ،فهي رئيسة قطاع السكان في جمعية الفخار وتعمل على توفير كراسي متحركة للمعاقين في المنطقة .
القدسي تناشد المنظمات لإغاثة منطقتهم المنكوبة
فيما تقول اماني محمد صالح القدسي رئيسة جمعية المحاريق الاجتماعية التنموية قامت بجمع الطلاب المتسربين والطالبات المتسربات من المدارس وتدريسهم اصحاب الصفوف الابتدائية من صف (5،6،7) وكذلك تقوم بجمع المتسولات وتعمل على تدريبهم على الكوافير والخياطة والحياكة الصوف ونقش الحناء وصناعة البخور.
وتشير الى أنها عملت على اقامة جلسات توعوية كثيرة خاصة في الزواج المبكر والنظافة والعنف وانواعه وغيرها ، فقد حدث ذات مرة إن قام اب بمنطقة المحاريق بتزويج ابنته الصغيرة التي تبلغ من العمر (12) سنة من شاب عمره ) 28) سنة وهي طفلة صغيرة مازالت تلعب مع الاطفال امثالها وعندما جلست مع الام والاب ما سبب تزويج الطفلة قالت الام لا نستطيع تحمل مسؤوليتها ورعايتها اكلها وشربها فقلت لها سوف اتحمل مسؤولية اطعامها كل ما اكله اطعمها منه وانتي كذألك وسوف الحقها بالمدرسة ، لكون الزواج بالطفلة جريمة بحقها ولهذا بفضل الله تم انقاذ الفتاة وايقاف زواجها .
وتحكي اماني قائلة : (اثناء عودتي الى المحاريق وجدت طفل يقوم بالتسول والشحت بطريقة ملفتة للنظر يعمل على تقبيل أيادي النساء ويقوم الشباب بضربه والتحرش به وشتمه فتحدثت اليه وحكي لي ان امه وابوه متوفيين وقلت له سوف افر لك طعام والمكان المناسب فوافق الطفل فأخذته معي بالباص وقد راني احدهم فاخبر الشرطة عني فجات واخذتني بتهمة اختطافه ولكن وضحت للشرطة بدوافعي هو اني اردت مساعدة الطفل والحاقه بمركز الايتام بالبريقة ولكن للأسف الطفل كذب عليا فقد ساومني الاب بان ادفع له 2500ريال في الصباح والمساء ، كما حكت لي عن بعض المشاغبين والمتحرشين قامت الشرطة بالقبض عليهم بسبب تحرشهم بالنساء ).
وتقول اماني ان من اهداف الجمعية تلبية الاحتياجات النساء من جميع الاشياء الخاصة والعامة وتوعية النساء في اليوم الواحد وليس بالأسبوع او الشهر فالتوعية لهن مهمة جدا في كافة المواضيع وحاليا علينا تمكينهن في المشاريع الصغيرة نظرا لظروفهن المعيشية الصعبة من خلال توفير الدعم اللازم لهن بمبالغ مالية لتحسين مشاريعهن .
وتشير إلى إن منطقة المحاريق لا توجد فيها حمامات في كثير من البيوت في المنطقة فالأسر يلقون بمخلفات قضاء الحاجة في الطرقات وامام بيوتهم مما يؤذي الى انتشار الامراض والاوبئة ، ولا توجد لديهم الاغطية الدافئة بهذا البرد هي متطلبات بسيطة ولكنها غير متوفرة لدى افراد وساكني منطقة المحاريق .
واضافت قائلة : ( تتكدس القمامة أمام منازلنا بسبب عدم دخول سيارات القمامة التابعة للبلدية وبذلك تصبح القمامة على هيئة جبال في منطقتنا لعدم قيام بلدية الشيخ عثمان بدورها ومنذ سنوات لم تقم بإعطائنا برميل واحد للقمامة ما يؤدي ، نقوم دائما بإحراقها ما يتسبب باختناقات بصفوف الأهالي في حالة تركنها دون إحراق ستصل إلى داخل منازلنا ما يؤدي بإصابتهم بالأمراض )
وتقول : ( ان الجانب الصحي متدهور جدا بعد نقل مجمع المحاريق الى مجمع السيسبان واصبح ساكني منطقة المحاريق يتعالجوا بمجمع الشيخ عثمان ولكن هناك صعوبة لوصول الحالات المرضية الصعبة للمجمع نظرا لبعده عن المنطقة ).
رسالة للجهات المعنية
أهم أسباب تردي الأوضاع في البلاد بشكل عام، ومنطقة المحاريق بشكل خاص هو انتشار الفساد من الجهات المعنية حيث يجب أن يتم إعادة تأهيل البنية التحتية في المنطقة، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
وتوفير فرص العمل للشباب من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وتحسين مستوى التعليم من خلال بناء مدارس جديدة وتوفير اللوازم المدرسية.
وتوفير الرعاية الصحية للمرضى من خلال بناء مستشفيات جديدة وتوفير الأدوية.
إنّ إنقاذ منطقة المحاريق من هذه الأوضاع المأساوية هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع، من الحكومة والمنظمات الإنسانية والمجتمع المدني، ويجب على الجميع التكاتف والتعاون من أجل تحقيق ذلك.
و نأمل أن تُلفت هذه الكلمات أنظار المسؤولين إلى معاناة سكان منطقة المحاريق، وأن تُحرّك الجهات المعنية لوضع حدّ لهذه المعاناة، وتوفير حياة كريمة لهؤلاء المواطنين.