تجد في عالم اليوم كثيراً من الناس يبحث عن الثروة والوصول إلى القمة من خلال جمع المال سواءً كان من حلال أو من حرام لكي يتنعموا به في دنياهم، فربما نجح الكثيرون منهم في جمع هذا المال والوصول إلى مرادهم وأمانيهم ونالوا مرتبة الشرف في درجة المليونير أو الملياردير وربما على العكس من ذلك، لكن هناك فئة من الناس ليس لهم هم في ذلك كله، لا بالثروة ولا بالنعيم ولا بالألقاب والنياشين، بل جل همهم وكل سعيهم أن يجدوا ما يسدون به رمقهم أو يسترون به أبدانهم فهكذا هو حالهم، تراهم يستيقظون قبل طلوع الفجر بساعات يدبون في الشوارع وأزقة الحارات يمارسون نشاطاً غريباً وجديداً على مجتمعنا قد يحمل لهم شيئاً من التخفيف والترويح عن معاناتهم القاسية.
رجال غامضون يشقون طريقهم بصمت وهدوءٍ يتوقفون عند أبواب العمارات والفنادق الشاهقة وصناديق القمامة ليفتحوا أكياسها ويتفقدوا محتوياتها ليأخذوا منها شيئاً (ما) يودعونه في أكياسهم وحقائبهم التي يحملونها على ظهورهم وأكتافهم ثم يستأنفون السير حتى يصلوا إلى صناديق وأكياس أخرى وأخرى.. وهكذا دواليك.. إنها المأساة الدائمة المتجددة في صباح كل يوم لهؤلاء الرجال.
فمن يكون هؤلاء الرجال يا ترى؟!
أهم جائعون يبحثون عن بقية طعام يسدون به رمقهم؟!
ام انهم عرايا يبحثون عن قطعة قماش يسترون بها أبدانهم؟!
أم تراههم عابثين يتلهون بالقمامة ينثروها هنا وهناك لا يحلو لهم ان يروا شيئاً حسناً أو شارعاً نظيفا!؟!
فما الذي يبحثون عنه يا ترى إذاً في ممارسة نشاطهم الغريب؟!
قلما تجد منهم من يقبل التحدث معك عن نشاطه وسر مهنته لما يكتنف هذا النشاط من ريبة وغموض وحياء، إنه فعلاً عالم غريب وسر عجيب وغامض لا يقل غرابة وغموضاً عن عالم العصابات الإجرامية التي تنفذ عملياتها وإجرامها بسرية تامة دون أن يراها أو يشعر بها أحد.
صناديق وأكياس القمامة إنها قبل كل شيء مصدر رزق للفقراء والمتشردين والعاطلين عن العمل الذين يقومون بجمع ولم الخرق البالية والعلب البلاستيكية وعلب المشروبات الزجاجية أو المعدنية الفارغة والخبز (الروتي) والجرائد والمجلات والملابس البالية والأحذية الممزقة والأواني التالفة، انهم بحق يبحثون عن لقمة يسدون بها رمقهم أو شراب يمنح لهم النشوة التي تخفي الواقع المرير الذي يعيشونه ولو إلى حين أو لبعض الوقت.
الحكاية وما فيها تبدو في ذاتها غريبة لكنها الحقيقة المرة وواقع الحال اليوم لكثير من الناس المعدمين والمتعففين الذين لا يريدون ان يشكوا حالهم إلا إلى رب العالمين فلا يعلم بحالهم إلا هو وهو أرحم الراحمين.
ولو ظفرت بأحد هؤلاء المستفيدين من القمامة ليشكو لك حاله لروى لك الحكايات التي يتفطر منها القلب وتدمي لها العين.
إنهم أبناؤنا ومن جلدتنا يجمعنا بهم الإسلام والايمان بالله ورسوله والإنسانية ضاق بهم العيش ذرعاً فاضطرهم إلى اكتساب عيشهم ورزقهم من المزابل وصناديق القمامة هرباً من التسول ومد أيديهم إلى من لا يرحم لانعدام الوظائف في زماننا.
ان صناديق القمامة والمزابل زاخرة بما لذ وطاب للفقراء والمتشردين والعاطلين عن العمل فما ان يطلع النهار ويطرد الضوء فلول الليل حتى يختفي فريق الليل ليستلمها فريق النهار، وهكذا تدور الساعة وتتحرك عقاربها عمل دائم وجهد متواصل.
وبعد، فإن هؤلاء الناس الحالمين حول صناديق القمامة لا تجد من يتحدث عنهم بشيء في صحيفة أو مجلة أو إذاعة أو تلفاز سواء كان رسمياً أو غير رسمي ويناقش أوضاعهم المعيشية واحوالهم الصعبة ويخرجهم مما هم فيه من ظلمات الفقر ونكد العيش وضيق الحياة إلى سعتها ليواكبوا تطورات العصر ومتطلبات الحياة التي اثقلت كاهلنا جميعاً دون استثناء من قبل أن يسلك بهم الطريق طرقاً معوجة لا تحمد عقباها.
انهم فئة الفقراء المعوزين الذين ينهالون على صناديق القمامة في الأسواق ليلاً ونهاراً بحثاً عن مطلوبهم المفقود. فمن لهؤلاء الناس الغلابى؟!
وما الذي أوصلهم إلى هذا الحال؟
انه لمنظر مزر ومؤثر للغاية ان ترى شيخاً عجوزاً ينحني على صندوق القمامة يلتقط منه كسرة خبز ليأكلها، بينما تجد من يلتهم ويتناول الموائد الدسمة المتخمة بلا مبالاة أو شعور ويرمي بمعظمه تبذيراً إلى صناديق القمامة.
فهل من عين تنظر لهؤلاء الناس برحمة؟
أم هل من قلب يشفق عليهم بعطف حتى يهنؤوا بنومهم ويعيشوا سعداء في نهارهم مثل بقية خلق الله؟!
وهل هناك وزارة معنية بهذه الشريحة المهمشة من الناس داخل المجتمع؟!!
هل من التفاتة إلى هؤلاء..؟!
أخبار متعلقة