مضى عام آخر من أيامنا ونحن نستقبل عاماً جديداً .. وقد اعتاد الناس أن يستقبلوا عامهم الجديد بالمرح والبشر حتى تكون كل أيامهم سعيدة كبدايته .. كلما جاء عام جديد استقبلناه بقلوب مفعمة بالأمل والتطلعات السعيدة، بصدر منشرح ونفس متجددة وحماس شديد ونقول لأنفسنا هذا العام لن يكون كغيره من الأعوام الماضية، فإننا قد تعلمنا الكثير وازدات خبراتنا وتجاربنا ولابد ان نستفيد من كل هذا ونتلافى كل نقص وكل خطأ وقعنا فيه ونضع الخطط والأفكار لحياة أحسن وعمل أكثر اتقاناً ولإنجاز أشياء سوفنا كثيراً في القيام بها.
صورة كاملة فاضلة نرسمها لأنفسنا في مطلع كل عام جديد نرجو أن نحققها ولكن هل يكفي ان نرجو ونتمنى؟
يجب الا يفتر ما نحس به في اليوم الأول من العام الوليد ينبغي ألا نعود إلى ما كنا عليه في العام الماضي من بعثرة قوانا، وإهمال قدراتنا يجب ان نحترم أنفسنا وننفذ برامجنا ولا نعود إلى أخطائنا في عملنا وتصرفاتنا ومعاملتنا للناس. إن أفظح عيوبنا أن نقول لانفسنا إن ما لا يمكننا ان نفعله اليوم يمكن عمله في اليوم التالي .. إننا نخدع أنفسنا عندما نقول: سيأتي اليوم الذي ننجز فيه ما نتطلع إليه متناسين ان الأيام تمر وأنه بسلوكنا السلبي هذا لن نحقق شيئاً، إن صاحب هذا السلوك يضحك على نفسه دوماً وينظر إلى السنين كأنها لا تنصرم.. وكثيراً ما يفيق لنفسه ويقول: ويحي إنني أضيع عمري ولكنه سرعان ما يعود إلى غفلته ويعيش في المستقبل الجميل وهو لايعمل شيئاً على الإطلاق في حاضره، والحاضر هو الأساس الذي يبنى عليه المستقبل وهو الحلقة الأولى في سلسلة الحياة، فإذا عاش الواحد منا حاضره في فراغ فان مستقبله لن يكون شيئاً غير الضياع.
قد يشكو البعض من عدم وجود الانسجام العائلي، ماذا يقف في سبيل هذا الانسجام؟ إنها تصرفاتك حاول ان تغيرها، تنازل عن اتباع وسائلك القديمة، وضع خطة جديدة تجنبك المنغصات التي نغصتك في العام الماضي، وليكن طابعك التسامح والحكمة والتفاهم التام.
وليضع جميعكم جدولاً يبين كيف يجب ان ينفق كل منكم رصيده الزمني، كيف يمضي ساعاته الأربع والعشرين حتى لا يهدر وقته وحتى يملأ ساعاته ودقائقه بكل ما يبني صحته وعقله وروحه ومستقبله.
أتريد صداقات أخلص؟
أدرس احتكاكك بالناس فمن يطيق عشرتك؟ تفهم النفس البشرية، على حقيقتها ولا تنتظر الكمال من أحد؟ وهل توافر الكمال في نفسك حتى تطلبه في غيرك؟ لا تنتظر من الناس أكثر مما ينتظره الناس منك ولا تنس أن الصديق هو من يحمل نصف هموم صديقه عندما تغرب الشمس، لا تطلب هذا لنفسك فقط بل عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به.
ضروري وجميل ان يعرف الإنسان كيف يعامل الناس .. فإن كثيراً من المنغصات التي اصابتنا في أيامنا السابقة والأكثر من المشاكل سببها أننا لم نضع أنفسنا موضع الذين نتعامل معهم، أو إننا انطوينا على انفسنا وعشنا في عزلة أشبه بخلية مريضة لا تؤدي وظيفتها.. ومعاملة الناس، فن يجنبنا عدواتهم ويكسبنا مودتهم ولا ينفرهم من التعاون معنا، جميل ان يعيش الانسان في وئام وتفاهم مع الناس وهذا من أهم العوامل التي تسعدنا وتجعلنا نقبل على عملنا وكل حياتنا بمتعة وسرور لا حقد يملأ صدورنا ويدمر اعصابنا، ولا مآزق نسهر الليالي نفكر كيف نخرج منها، نحن إن كسبنا مودة الناس نجعلهم يحبوننا فيسهل علينا بعدئذٍ اقناعهم بما نريد .. وأقرب طريق لكسب مودة الناس هو ان نضعهم في موضع يرضيهم عن انفسهم .. فإن أهم شيء عند أي انسان هو نفسه .. أدرس الشخص وأعرف الطرق التي تؤدي إلى قلبه واشعره أن له أهمية خاصة عندك وكن في كل هذا مخلصاً غير منافق وليس من العسير ان نجد فيمن نعاشرهم ميزة نمتدحها فيهم .. حاول ان تقوي ثقة الناس بأنفسهم وان تجعلهم يشعرون بالسعادة كلما التقوا بك، حدثهم إليك، ابتعد عن التعصب والاستعلاء وكن لطيفاً ولبقاً فيما تريد ان تصارحهم، دون أن تجرح شعورهم.
ولا تبخل عليهم بمعاونتك لهم في حل مشاكلهم وتقديم الخدمات التي لا تتعارض مع الصالح العام ولا تنس انه ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، وان سيد القوم خادمهم.
يجب ان نتعاون حتى نجعل دنيانا مكاناً جميلاً .. الحياة ثقيلة باعبائها وفيها من المنغصات ماهو خارج عن ارادتها وما لابد لنا من جلبه ألا يكفي هذا القدر على الناس. أليس من الوجب أن اسعى إلى أن اخفف عن أخي الإنسان بكل مافي وسعي، فأشعر بالسعادة والراحة النفسية وأنا أخفف عن إنسان يتألم ويشقى؟! ولن نصل إلى هذا الصفاء النفسي إلا إذا كان الجمال الداخلي الذي يشع في قلب محب رحيم نقي .. عجيب أننا لا نطيق أن تكون اجسادنا غير نظيفة ونرضى أن تكون ذواتنا من الداخل قبوراً نتنة يرعى فيها دود الانانية والحقد والكراهية واللؤم والحسد .. ليكن كل منا في مجتمعه وتراً سليماً حساساً يصدر لحناً جميلاً يطرب ويسعد كُن إنساناً تسعد وتسعد غيرك .. أحب الخير والعدل والجمال والسلام، وليكن هذا أول ركن في التخطيط الذي تضعه لحياتك الجديدة خلال العام الجديد ليكون جوهر حياتك خلال مرحلة العمر كلها .. لا تنتظر ان ينتج لك الشر خيراً .. كن إنساناً حتى لو عشت وسط ذئاب خاطفة .. انه لا يمكنك أن تغير ما لا يعجبك في الناس إلا إذا غير كل واحد منا ما بنفسه أولاً، اسع دائماً إلى الخير.
إن حياتنا بحاجة إلى دراسة وتخطيط كأي مشروع حيوي، وهل هناك مشروع في الدنيا كلها أهم من حياتك، فكيف تتركها دون تخطيط يسعدك ويسعد كل من حولك، ابدأ برنامجك اليوم.
اختر لنفسك العمق الذي تريده وسر بسفينتك وأحذر المياه الراكدة الضحلة، فإنها لا توصلك إلى شاطئ الراحة والسلام والنضج.. ابدأ منذ اليوم رحلتك الهادفة.
وعام جديد والجميع في أمن وسلام.
هل سنستقبل العام الجديد بقلوب مفعمة بالأمل؟
أخبار متعلقة