يعيش الوطن العربي أقطاراً وشعوباً مرحلة من أسوأ مراحل الفرقة والانقسامات على مستوى العلاقات العربية ـ العربية ويعيش مرحلة من أكثر المراحل سوءاً إذ تسود كل قطر من أقطاره سلسلة لا متناهية من المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعصف بأمن واستقرار شعوبه الى الحد الذي هددت فيه تلك المشكلات قوت المواطن ولقمة عيشه.
والسؤال الحيوي الواجب طرحه علينا جميعا كتاباً وساسة ومثقفين ومواطنين هو ما الذي أوصل عالمنا العربي إلى هذه المرحلة غير المتوازنة في كل مناحي الحياة؟ ما هي الأسباب الحقيقية وراء كل هذه الفوضى والخلافات والمشكلات التي تعيشها الدول العربية؟ وهل صحيح أن ما يعرف بثورة الربيع العربي هي وراء جملة الأزمات التي تعيشها دول عربية كسوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن.. (والبقية تأتي) أم أن هناك أسباباً أخرى؟.
وفي محاولتنا الإجابة على السؤال المطروح نقول التالي:
أولاً: إن هناك دولاً عربية عمَّر فيها النظام الحاكم لعقود طويلة من غير أن يحدث تغييرات حقيقية في البنى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تخدم المواطن وتحسن من مستوى معيشته وتحترم احتياجاته كإنسان وكمواطن مثلما عليه واجبات ينفذها بقوة قانون الأنظمة الحاكمة فإن حقوقه الضائعة والمنقوصة جعلته عبداً للأنظمة الحاكمة لا مواطناً فيها.
ثانياً: إن هناك دولاً عربية عمَّر فيها النظام الحاكم لعقود طويلة محولاً التجربة الديمقراطية إلى قميص يفصله المشرعون على مقاس الحاكم لا على مقاس المصالح العليا لمواطنيه. وبذلك نجحت تلك الأنظمة في تحويل الديمقراطية إلى ديكور يزين وجوه الأنظمة ويضمن بقاءها على سدة الحكم حتى أرذل العمر.
ثالثاً: إن رياح التغيير التي هبت على بعض من الدول العربية (تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسوريا) هبت ثورة عرفت بثورة الربيع العربي رافعة شعاراً واحداً هو شعار رحيل النظام وخرجت المظاهرات التي كبرت بسرعة كبر كرة الثلج التي كلما تدحرجت زاد كبرها.
وكانت النتيجة هي سقوط أنظمة مثلما حصل في تونس وليبيا واليمن ومصر.. وقد دفعت الشعوب أثمانا غالية لتحقيق تلك الغاية لكن المشكلة أنه وبعد سقوط الأنظمة دخلت الحركة الثورية الشبابية- في كل بلد على حدة- في خلافات ونزاعات فيما بينها وعجزت رياح الثورة بقياداتها أن تخرج من عباية عقلية الثورة على النظام إلى عقلية برنامج وطني سياسي اقتصادي تنموي لقلة خبرة رجال التغيير لتحمل مسؤوليات قيادة دولها بصورة صحيحة.
ومما تقدم فان الدول العربية الواقفة في مهب الريح الآن بسبب ما تعانيه من أزمات سياسية واقتصادية وثقافية وحتى مذهبية كان سببه غياب دولة المؤسسات الفاعلة والايجابية في السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية رغم وجودها كخادم للحاكم لا كعين ويد تخدم الشعوب وتحرص على مصالحها العليا وتحويل التجربة الديمقراطية الخجولة التي حولتها الأنظمة العربية (معظمها) إلى شكل من أشكال التنفيس بدلاً من أن تتحول الديمقراطية إلى معول يهدم حوائط الفساد والاستبداد والتوريث وبناء يبني دولة المؤسسات والنظام والقانون.
والخلاصة: على الأنظمة العربية أن تعيد حساباتها وتحترم شعوبها فالشعوب إذا خرجت للشارع، الله وحده يعلم كيف ستكون خاتمة المستبدين.. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.
العرب في مهب الريح
أخبار متعلقة