ما لم يقع القتل يوميا، لكان العراقيون قد انتبهوا إلى ما انتهت إليه حياتهم من فقر وبؤس وضحالة وجهل وعبودية وتصحر وخواء كامل.
أما أن يُقتل كل يوم عشرات العراقيين في عمليات تفجير تُنفذ أحيانا من قبل انتحاريين وأحيانا أخرى عن طريق سيارات مفخخة وعبوات لاصقة، من غير أن تتبنى جهة ما تلك العمليات ومن غير أن تُعلن الأهداف التي تسعى الجهات التي تخطط لذلك القتل الممنهج إلى الوصول إليها فانه أمر يدعو إلى الاستغراب.
فهل هو قتل من أجل القتل؟
ومن يصفي حساباته الآن مع الشعب العراقي، في ظل فوضى الطوائف؟
سأترك جانبا المزاعم التي ترددها الحكومة ومن بعدها وسائل الإعلام الطائفية ومن بعدها بعض المواطنين الذين هم في حقيقتهم ضحايا التجهيل والتفخيخ الطائفي. فالحديث عن بصمات القاعدة صار أشبه بقميص عثمان، يعود إليه المتبحرون في صنع الدسائس والمكائد والمؤامرات كلما أرادوا الانحراف عن مواجهة الحقيقة.
فالقاعدة التي هي شركة أمنية لا تعمل لحسابها الخاص، وهي إن عملت بمبدأ التكفير فإنها لا توزع جرائمها بالتساوي بين فريقين، أحدهما كافر كما يُشاع والآخر يشاطرها جزءا من ثوابتها العقائدية كما يُشاع أيضا.
العراقيون يُقتلون، بغض النظر عن مذهبهم.
ولكن، علينا أن نتساءل عن نوع العراقيين الذين يُقتلون لكي نتعرف على الجهة التي تستفيد من قتلهم.
غالبا ما تقع التفجيرات في الأسواق الشعبية، في المواقع التي يتجمع فيها العمال العاطلون، في المقاهي والمطاعم الأكثر بؤسا، في كراجات حافلات النقل العام وسواها من الأماكن التي يرتادها الفقراء.
لن يجد القاتل في تلك الأماكن سوى الفقراء، وهو يعرف ذلك جيدا. فما الذي يستفيده ذلك القاتل من قتل بشر، لن يؤدي قتلهم إلا إلى إزهاق أرواح بريئة وإلى تكبيل ذويهم بمزيد من قيود الألم والقهر والفقر والحرمان؟
يقال دائما أن تلك العمليات إنما تهدف إلى زعزعة الثقة بالحكومة، من جهة فضح عجزها عن إدارة الملف الأمني. وهو قول يضفي على تلك الحكومة هالة لا تملكها. ذلك لان الحكومة ما كان لها أن تكون موجودة لولا الغطاء الذي توفره لها الحماية الأميركية والدعم الإيراني. ثم إذا كانت الحكومة هي المستهدفة من قبل أعدائها فلمَ لا يوجه أولئك الأعداء ضرباتهم إليها، بدلا من أن يوجهوها إلى الفقراء، الذين لن يؤثر موتهم في شيء على الحكومة؟
الحكومة وهي المستهدفة كما تدعي لم تظهر يوما ما أدنى اهتمام في مجال التصدي لعمليات القتل الجماعي التي يتعرض لها الشعب العراقي. إنها تكتفي بعزل المناطق التي تقع فيها عمليات التفجير، بغية تنظيفها من آثار الجريمة. لتشترك في تكريس فعل النسيان، الذي صار عادة عراقية.
لم يعد العراقيون ينظرون بهيبة وإجلال إلى قتلاهم الذين مضوا إلى الموت. صار همهم ينصب على قتلاهم الذين سيذهبون إلى الموت في أية لحظة قادمة.
أهذا ما يسعى إليه تنظيم القاعدة؟
لو أخرجنا ذلك التنظيم الإرهابي من المعادلة، لبدت ملامح ومسارات وأهداف الجريمة أكثر وضوحا. ذلك لان القتل، كل القتل الذي يشهد العراق يخلو من الدوافع الطائفية. كما أننا ينبغي أن نكون حذرين في الاستسلام لكذبة الدوافع الدينية.
هنالك بعد سياسي هو ما يقف وراء كل ذلك القتل، يساهم السياسيون ومتعهدو الأوقاف الدينية واعلاميو الطوائف في التستر عليه. فما لم يقع القتل يوميا، لكان العراقيون قد انتبهوا إلى ما انتهت إليه حياتهم من فقر وبؤس وضحالة وجهل وعبودية وتصحر وخواء كامل.
كان الاحتلال الاميركي قد عبر عن أقصى درجات لؤمه حين سلم العراق إلى طاقم سياسي، لا يضم سوى القتلة، الذين يختلفون في كل شيء إلا أنهم يتفقون على قتل العراقيين.
كان أياد علاوي قد حضر بنفسه ليشهد إبادة سكان الفلوجة عام 2004 فيما كان نوري المالكي قد أمر بقتل المحتجين السلميين في الحويجة.
فريق الجريمة لا يزال يمارس دوره في تدمير العراق، البلاد التي ذهبت إلى النسيان.
انتحاريو وقتلى البلاد المنسية
أخبار متعلقة