كما كان معروفا فقد اعتزل « دليل القمار» في السبعينيات وتفرغ لإطلاق فتاوى بتحرم الشطرنج وكرة والقدم، وكل ما كان يسميه لهوا، وأنقذنا منه ومن غيره الشيخ القرضاوي، ومع الوقت عاد دليل بعد سنوات ليصبح شخصا عاديا، بينما عاد القرضاوي إلى المربع المعادى للحياة، الذي كان يسكنه دليل وأمثاله. وكأنها عملية تناسخ أرواح، مثلما يجرى في أساطير العالم السفلي، لكنها أيضا تشمل تناسخ مصالح.
كان «دليل» وعدد من أنصاف المتعلمين، أعلنوا الحرب على الحياة، حرّموا التليفزيون وأم كلثوم والكاسيت، واعتلى بعضهم المنابر، وأفتوا بحرمانية السياسة والملابس، وانضم لهم صاحب مقهى غلبان أجبر زوجته على النقاب وكسر جهاز التليفزيون، ورفض حتى أن يبيعه ليستفيد بثمنه.
يومها أنقذنا الدكتور يوسف القرضاوي بكتابه «الحلال والحرام في الإسلام». وقدم أدلة على تحليل الشطرنج، ونجا هؤلاء الذين واصلوا قراءة الأدب من شعر وروايات، والتاريخ وتفتحت أمامهم آفاق المعارف، بينما «دليل» وغيره ممن صاروا شيوخا لهم سلطة كونوها من خليط من الفتاوى المنتزعة من سياقها، وأغلبها شفهي أو له ظروفه، تأثر بهم البعض، وطاوعوهم، واعتزلوا الحياة ومشاهدة التليفزيون. بينما واصل البعض أخذهم على قدر عقولهم. وحتى عندما حرم دليل الكاسيت وواجهتهم مشكلة لأنهم وجدوا لديهم حاجة لسماع شرائط الشيخ كشك وغيره. أصدروا فتاوى بأنه حلال الاستماع للعلم، وكأن العلم هو فقط الديني بينما الدنيوي غير مرغوب.
كانوا يبررون لأنفسهم ماشاءوا، يومها خرج الشيخ الشعراوي ليعلن أن الكاسيت والتليفزيون مثل كل الأدوات يمكن استعماله في الخير أو الشر. كان العالم يتغير وعجزت قدرة فقهاء دليل على مجاراة التغيير، وكانوا يلجأون لتلفيق فتاوى يبررون بها أي شيء. وجدنا من يحرم الأكل بالملعقة باعتبارها لم تكن موجودة أيام الرسول، ومن يروج للعلاج بالخرافات باسم الدين، كان الأمر يحتاج للعقل، بينما العقل عدوهم.
يومها كان القرضاوي والشعراوي وغيرهما في مواجهة المتعصبين مثل «دليل» وغيره، ومرت الأيام وتغير «دليل» وأصبح يتابع المسلسلات والأفلام والأغاني، واكتفى بلعب الطاولة والدومينو للتسالي، بينما لم يتغير عدد من زملائه، الذين تمسكوا بسلطتهم، وسعوا لأن يجدوا لبضاعتهم زبائن.
تغير «دليل» وتراجع عن فتاواه، التي كان يحرم فيها الحياة وينغص على الناس حياتهم، بينما انتقل القرضاوي الذي أنقذنا منه ليلعب دوره على عكس الحياة. بالرغم من أن الإسلام وأي دين، لا يمكن أن يكون ضد الحياة، بل هو لتنظيم سعادة البشر، في الدنيا، والسعي لعدل، يضمن سعادتهم في الآخرة. دليل انتقل إلى عالم جديد، بينما القرضاوي الذي كنا نعتمد عليه لمواجهة أخطاء الفهم عند «دليل»، عاد ليحتل مكانهم، وكأن أرواحهم تبدلت وتناسخت، لكن الفرق أن «دليل» لم يربح غير سلطة كان يتصور أنه امتلكها على البعض، بينما القرضاوي امتلك سلطة الفقيه اختيارا، لكنه وظفها من أجل أرباح مختلفة. «دليل» اهتدى بالعقل إلى إيمان لا يكره الحياة. بينما انحاز القرضاوي، إلى فريق يوظف الدين من أجل المصلحة، ويفتى حسب الطلب، واتجاه الريح والممولين.
القرضاوي ..أرواح ومصالح
أخبار متعلقة