قد ينتابك الإعجاب بالديمقراطية في العراق، على الرغم من عدم وجود بغداد. قد تسيطر عليك الدهشة من الديمقراطية في ليبيا، رغم أن ليبيا نفسها قد أصبحت في خبر كان. ويمكنك أن تطير من السعادة من مساعي وجهود إرساء الديمقراطية في سورية، رغم أنك تدرك جيدا أن سورية لن تبقى. ومن المؤكد أنك ستفرح عندما يأتي دور تدشين الديمقراطية في مصر، فتختفي القاهرة!
لم تجد الولايات المتحدة أفضل من حامد كرزاي لتأتي به إلى حكم أفغانستان. ولم يكن هناك بديل لصدام حسين إلا مجموعة من المغتربين العراقيين. وفي ليبيا حدث ذلك أيضا. وفي تونس وصل راشد الغنوشي من لندن يوم ٣٠ يناير ليحكم البلاد. ديمقراطيات جاءت من الخارج لكي لا يتهم أحد الأمريكان والأوروبيين بأنهم يدعمون الإسلام السياسي والإرهاب. لكن الغريب أن الإسلام السياسي والإرهاب تركوا تلك الأنظمة الديمقراطية الجديدة ورسلها في السلطة وراحوا يذبحون ويفجرون بسطاء الناس، وقد يستمر ذلك حتى القضاء على من تبقى من شعوب كانت موجودة في يوم من الأيام!
لقد ساعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون كل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية ودعمتها بكل ما أوتيت من رغبة وقوة في تحقيق مصالحها والحفاظ عليها. وعندما حدث وبدأت بوادر تحولات تاريخية، تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من القفز على تلك التحولات بفضل المرونة التاريخية والإصرار على إبقاء مناطق النفوذ والتأثير. فواشنطن والعواصم الأوروبية لديها البدائل الجاهزة، ولا يهمها كم روحا ستزهق ولا أنهار الدماء التي ستراق أو الدول التي ستنهار في سبيل تجريب ولو حتى بديل واحد فقط. وعندما يفشل البديل، يكون السيناريو الثاني جاهزا. الأهم هو الابتعاد عن الخسائر على أراضيها وبين مواطنيها. هكذا تتزايد قدرة الولايات المتحدة وحلفائها وأجهزة استخباراتها على ضمان البدائل، سواء في الأشخاص أو السيناريوهات.
في الحقيقة، لا يمكن أن تنقلب الولايات المتحدة وأوروبا بين يوم وليلة ضد هذه الدولة أو تلك. كل ما في الأمر أنها تعد جيدا وتخطط وتضع كل السيناريوهات الممكنة. بينما الأسباب والمسوغات واضحة: أسلحة كيميائية أو أسلحة نووية، أو إزاحة الطاغية، أو إشاعة الديمقراطية، أو حماية الأقليات، أو الحفاظ على أرواح مواطنيها في هذه الدولة أو تلك، أو حماية الأمن الإقليمي من دولة ما أصبحت تشكل خطرا على الدول المجاورة.. الأسباب كثيرة والأمر متوقف على استعداد الدولة المقصودة للاستجابة لشروط ومطالب محددة. هنا تحديدا، تنتفي الأسباب وتتغير التوجهات مع الحفاظ على نفس الأوراق تحسبا للمستقبل أو لانحراف النظام عن قائمة المطالب والمهام والأدوار التى تم الاتفاق عليها.
لن نتحدث عما حدث في أفغانستان ويوغوسلافيا السابقة. لكن السؤال: من جاء لحكم العراق بعد انتهاء نظام صدام حسين، وماذا يجرى في العراق حاليا؟ من جاء لحكم ليبيا بعد انتهاء نظام القذافي، وماذا يجرى في ليبيا حاليا؟ لنعتبر تونس تجربة لا تزال قيد البحث، خصوصا أن سيناريو التعامل معها لم يكن مشابها للسيناريوهين العراقي والليبي. ومع ذلك، فتونس مرشحة مثل مصر بالضبط للدخول في سيناريوهات قريبة مما يجرى في ليبيا والعراق وسورية! فما حدث في تونس ومصر كان مجرد تجريب لسيناريو الإسلام السياسي. ولكن مع فشله الذريع الذي يكاد يفشله في تركيا نفسها وما يشكله ذلك من أخطار على أوروبا وحلف الناتو، تتجه الأنظار إلى بديلين آخرين في مصر وتونس. الأول، هو طرح المعارضة الخارجية ذات الرتوش الليبرالية «كما حدث في العراق وليبيا» أو طرح توليفة داخلية ذات رتوش وطنية وليبرالية واستبدادية «كما في مصر». غير أن العامل المشترك بين كل هذه الدول «العراق وليبيا وتونس ومصر» هو حالة الصراع الطائفي وتمزيق نسيج الدولة والعنف المتفاقم، بينما السيناريوهات يجرى تبديلها في أوساط النخب وبتدخلات خارجية، سلبية كانت أو إيجابية.
تونس تكاد تكون جاهزة لسيناريو المعارضة الخارجية بسبب ضعف المعارضة الداخلية وتشتتها وتشرذمها. ناهيك أن زين العابدين بن على يعيش حيا يرزق في الخارج ومعه عدد كبير من أركان حكمه. أما مصر، فهي مستعدة للسيناريو الداخلي، خصوصا أن لا معارضة مصرية حقيقية في الخارج لها قاعدتها في الداخل. ولكن المعارضة المصرية الداخلية تعانى من نفس أمراض نظيرتها التونسية، إضافة إلى تاريخها التليد في الاستبداد الداخلي في تراكيبها وهياكلها التنظيمية.
هنا نأتي إلى السيناريو السوري الذي يثير قلق الجميع. فالولايات المتحدة وأوروبا تدركان جيدا مؤشرات انهيار نموذج اليمين الديني المتطرف بسبب الأحداث المصرية وضعف هذه التيارات وتهافتها أساسا. وإذا كانت الأحداث في سورية تتجه إلى حيث لا رجعة، فهذا ينطبق أيضا ليس فقط على النظام، بل أيضا على المعارضة المسلحة غير واضحة المعالم ولا الأهداف على المديين المتوسط والبعيد. ومن حسن حظ هذه المعارضة أن التيارات الليبرالية فيها لها جذورها في الغرب على مستوى الأفراد، وكذلك (الإخوان) أيضا. فهل ستنجح واشنطن في تشكيل فريق ليبرالي - إخواني تكون فيه الغلبة للفصيل الأول لحكم سوريا بعد انهيار نظام الأسد وتدمير سوريا تماما؟ وهل سيوافق الإخوان المدعومون جيدا من تركيا والسعودية وقطر والقوى الغربية؟ وفي حال تشكيل هذا الفريق، هل سيتكرر ما يجرى الآن في العراق وليبيا؟ ولكن ماذا عن المعارضة الداخلية في سوريا؟!
من الواضح تماما أن كل السيناريوهات الأمريكية - الأوروبية لا تأخذ بعين الاعتبار أي دور لأي فصيل من المعارضات الداخلية، سواء في العراق أو ليبيا أو تونس أو مصر أو سوريا. قد تكون لها أسبابها التي لا نعرفها. ولهذا تحديدا فسوف تتفاقم الصراعات الطائفية في تلك الدول، وستتزايد نشاطات القوى الإرهابية، بينما سيستمر ضخ النفط والغاز منها أو من غيرها في المنطقة، وإن كان بمعدلات ليست على أعلى مستوى! وستظل أسباب التدخل الخارجي المذكورة أعلاه موجودة كورقة تهديد أزلية، سواء لأنظمة دينية أو ليبرالية أو حتى وطنية استبدادية. وإذا كانت سورية الآن تقف على حد الموسَى، فدور مصر قريب، وقد يكون أقرب مما نتوقع ولكن بسيناريو مختلف نسبيا وإن كان على نفس النسق.
إن ضرب سوريا أو حتى دفع الأمور في هذا الاتجاه، هو أول مؤشر على اعتراف الولايات المتحدة وأوروبا بفشل سيناريو وضع القوى اليمينية الدينية المتطرفة في السلطة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وبالتالي سيتيح ضرب سوريا الفرصة أمام الغرب لتغيير البوصلة وتجريب تعميم سيناريو الديمقراطيات المحمولة بحرا وجوا على متن الأساطيل الحربية والمقاتلات العسكرية، على الرغم من فشل هذا السيناريو إلى الآن في العراق وليبيا!
السيناريو الأمريكي لتدمير سوريا على يد الإخوان
أخبار متعلقة