الدول التي تحلب خيرات شعوب العالم الثالث، وحوّلتها إلى غنائم قادمة من مستعمراتها القديمة، نجحت - إلى أن يثبت العكس - ، في تفخيخ عدّة دول وتحويلها إلى مرتع غير آمن. فرغم رياح "الربيع العربي" التي هبّت قبل أكثر من سنتين، على تونس ومصر وليبيا، فإن هذه الدول مازالت في مواجهة مصيرها وفي مواجهة تداعيات هذا الربيع الذي تحوّل إلى خريف تتساقط فيه أوراق الأمن والاستقرار!.
نفس الأطراف التي صنعت أو على الأقل ركبت رياح "الربيع العربي"، تستغلّ اليوم "الربيع الإفريقي" الذي يُراد له أن يهبّ على منطقة الساحل والصحراء الكبرى، من خلال نافذة مالي، فالحرب التي اندلعت منذ أيام، مازالت تثير الغموض والإبهام، ويُحاول فيها الخبراء والمحللون إضاءة الزاوية المظلمة من غرفة العمليات!.
المطالبة بـ"رحيل النظام" لم تتوقف في مصر وتونس، رغم الإطاحة بالأنظمة السابقة، وصعود "أنظمة جديدة"، قيل أنها نابعة من "إرادة الشعوب"، كما أن "الثورة" لم تسترح في ليبيا، رغم تصفية "الزعيم" السابق وتطهير الأراضي الليبية، من الموالين والتابعين والحاشية!.
في خضم نقل "الثورة" إلى "الفوضى"، يستمرّ قتل الأبرياء والعزل، في سوريا الجريحة، ولم تتوقف "مؤامرة" تفتيت الأمة العربية والإسلامية، عند هذا الحدّ، بلّ تم نقل الترسانة العسكرية باتجاه الصحراء الكبرى، حيث تنام الثروات وآبار البترول والنفط واليورانيوم والذهب والألماس وكذا معابر "علي بابا واللصوص الأربعين"!.
الذي جرى في تونس الشقيقة، كان مفتاحا لما حدث في مصر، وبالموازاة انفجرت "المعركة" في الجارة ليبيا، وكانت بـ "رانجاسات" الناتو التي دكّت ليبيا دكا، لتنتقل الآن "القوات الأجنبية" إلى أراضي مالي، لكن تحت مسمى آخر: هو مطاردة الجماعات الإسلامية المسلحة و"إنقاذ" الماليين منها وليس لتحريرهم من "النظام المالي" مثلما حدث في ليبيا!.
في ليبيا سمح "الناتو" لفصائل من "الإسلاميين" خلال "الثورة" بمحاربة القذافي وقواته، وساعدهم في ذلك بالطائرات والقصف، وفي تونس ومصر رعت مخابر النظام العالمي الجديد إعلاميا ودبلوماسيا وماليا، صعود "الإسلاميين" إلى سدّة الحكم، لاستخلاف "قدماء أصدقاء" هذا النظام العالمي، وفي سوريا "الناتو" لا يتدخل رغم وجود "إسلاميين" مسلحين ومنهم من أعلن التحضير "لقيام الدولة الإسلامية" من الشام!.
..لكن، في مالي، القوات الفرنسية بأمر وترخيص من مجلس الأمن الدولي، تتدخل عسكريا لمحاربة "إسلاميين"، كان بالإمكان حسب خبراء، محاربتهم محليا ومن طرف الجيش المالي "السيّد"، أو من قبل القوات "المعطلة" للاتحاد الإفريقي، لكن مجموعة الإكواس القريبة والمقرّبة من فرنسا "استنجدت" بفرنسا كعرّاب لها تحت غطاء مطاردة كمشة من الإرهابيين!.
التداعيات الأولية، لما بعد الاعتداء على القاعدة البترولية بعين أميناس، من طرف "لفيف أجنبي" شكله إرهابيون من جنسيات متعدّدة، أكد أن هناك محاولات دنيئة لإقحام الجزائر في حرب غير مقتنعة بها، وجرّها إلى مستنقع تدرك جيّدا عمقه وقذارته، تزامنا مع مساعي أفغنة الساحل وتحويله إلى ساحلستان!.
لم تتردّد الجزائر منذ البداية، في رفضها للعملية العسكرية "الدولية" في مالي، ودعت حتى جفّ ريقها إلى ضرورة التفريق بين معاقل الإرهابيين ومواقع الأزواد والسكان الأصليين، لكن، لأن للحرب على مالي، أهداف أخرى، مثلما كان لـ"الربيع العربي" أغراض مستترة، بدأ الآن انفجار ألغام ستصيب أولا "الدروع البشرية" التي هيّأتها المخابر الغربية لإعادة رسم خارطة يُمسح منها أصحاب الاستراتيجيات السطحية والمسطحة!.
* كاتب جزائري
ساحلستان والربيع العربي!
أخبار متعلقة