عاديالتخلــف والخرافــة :
الإجماع لدى المفكرين العرب المستنيرين أن العجز عن التصدي العقلاني الموضوعي للمشكلات والأزمات الحياتية، يدفع بالمرء إلى التفسير الخرافي للظواهر والارتباط بكائنات غيبية كالجن، وتلمس الحلول السحرية والغيبية، وهذه الأفكار الخرافية، بدورها، تعمل، حين تتأصل في النفس البشرية، على إضعاف آلية التحليل العقلي والنظرة النقدية إلى الأمور، وتعمل بدلاً من ذلك على مزج الواقع بالخيال، والتغاضي عن الحقائق المادية بإرجاعها إلى قوى غيبية (الجن، الشيطان، الحسد، الكتابة، السحر ... الخ). وكلما زاد الاستبداد والقهر والعجز وهيمنة الكهنوت الديني تفشت الخرافة، ولهذا فليس من المستغرب أن نجدها تعشش، بوجه خاص، في عالم المرأة وتحكم سبل مجابهتها للحياة في العالم المتخلف، لأنها أكثر من غيرها قد حرمت أهم إمكانيات المجابهة العقلانية الموضوعية للواقع، وفرض عليها تجسيد الانفعالات والعواطف على مختلف ألوانها في تصرفاتها. والمرأة، بدورها، تعمل على نشر الخرافات وترسيخ التفكير الغيبي من خلال غرسهما في ذهنية طفلها الذي يكبر مع بقاء الخرافة متأصلة في أعماقه، جاهزة للبروز أمام الصعاب وكلما سنحت لها الفرصة للظهور.
وذكر (الشظبي) المذكور أنه يتصل بالجان ويهاديهم ويكاتبهم، ورأيت مكاتبة في بعض ورق إلى الأحمر بن بهاء الدين قال: وهو الساكن فيما بين (براش) و (نقم)، وأنه ملك على زعم جن اليمن، ورأيت جوابه عليه في ظهر ورقته على قوله. وفيها علامته. بعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله غير أن الخط مثل خط الكاتب في الابتداء. وذلك أنه كتب إليه المذكور الفقيه حسن بن صلاح الفهد الشظبي الساكن في جبل (بني حجاج) شرقي (السودة) أنه أخرج أرصاداً على بعض ما سأله من بيته. وذكر هل بقي شيء نبهه به فأجاب: أنه بقي واحد بالباب فأخرجه المذكور، هذا ما قاله وعرف من حاله، وطلبه بعض من أعانه من الجان فسار إلى ذلك وكتب من أجله إلى الأحمر، فأجابه في ظهر ورقته أن هذا مارد من مردة وقال: المردة يهربون ولا يكاد يظفر بهم إلا بتعب، قال المذكور، وأنه رجمه بحجر فأخطاه لما أراد منعه وطرده عن الاتصال بذلك الإنسان، قال: ولا بد ما ينظر في الاستعانة من صالحي الجان بالقبض عليه هذا ما ظهر عنه، ووثق هذا المذكور جماعة من القضاة، مثل قاضي (ثلا) (مهدي بن عبدالهادي) وقال: إنه عارف وله خدام واتصال بذلك، قال المذكور لما سأله سائل أن يسير معه إلى عند الأحمر شرقي نقم ويطلعه على الجان في ذلك المقر، فقال: يصلح ذلك غير أنه لا يمكن إلا بكحال يعطيك هو تكتحل به فتراهم هنالك، والكحال قد ذكروه مشهور بمثل ذلك، قال: وهم يأكلون هنالك من الشجر، والله أعلم بذلك هذا كما وصفه المذكور، ولم يظهر منه أكثر من هذا من المكاتبة وإخراج أرصاد، يقول: إنها سحر وأنه يضرب في الرمل للتربيع لإخراج ذلك فيخرجه، فيحتمل الأخذ بالعيون في الأوراق والكتابة، ويحتمل أن له عيوناً من الجان تأتيه بالجوابات ويتصل بهم، والله أعلم بذلك وبعضهم، شكا إليه رجل اعتراه الجنون بسبب أنه كان يتعلق بقسم (قل هو الله أحد) للاستحضار، فحصل معه تغير وهذيان، فقالوا لهذا الرجل (الشظبي) من أجل ذلك فقال: مالك أرصاد وسحر، فأخرج من بيته ذلك كما يخرجه من سائر البيوت، وهذا يحتمل التعمية ولم يحصل تأثير في ذلك الذي اعتراه الجنون ولا زال عنه ما كان به، فلأجل هذا دل أنه من قلب الأعيان في الكتابة معه فقط والله أعلم بالغيب( 1).
سيــادة الخرافــة :
يسود في المعتقد الشعبي اليمني بأن للجن علاقة وطيدة مع البشر، وأن من الجن ما لا يضر الإنسان بل قد يساعده، كما أن منهم ما يؤذي البشر ويلحق به أضراراً جسيمة. وقد يخطف الجن الإنسان وينقلونه من مكان إلى آخر.
وقد يتلبس الجني الإنسان وذلك لحبه له ورغبته في أن لا يفترق عنه، ويعرف هذا الشخص، عندئذ، بين الناس أنه (مسكون - ملموس - مخدوم - ممسوس) من قبل جني (القرين).
سنة 1091هـ :
روي عن زوجته أنها قالت: كان يقول حال مرضه هذا وشدة ألمه مخاطباً لم تقتلوه؟ ولا يدري من يخاطب بذلك. قال الراوي: فيحتمل أن يكون من قبيل حديثه من الجان لأنه كان يقول أنه مخدوم وأنه سيحضرهم والحكمة لله. فإنه قد ورد في قوله تعالى: ((كالذي يتخبطه الشيطان من المس)). إن الصرع أحد أنواعه من قبل الجان ومنهم من يموت من ذلك، وأحد أنواعه ألم من قبيل البخار.
وهذا أحد الأسباب التي ينبغي ترك تعاطي طلب الاستخدام بالرِّقاء، فإن ذلك يحتاج إلى كمال شروط التقوى لتكون اليد قاهرة وشروط الولاية والعصمة عسرة(2).
ومن الأمثال الشعبية الشهيرة في اليمن:
- (جني تعرفه ولا أنسي ما تعرفه) وكان هذا هو رأي الشيخ (عبدالله بن حسين الأحمر) - رئيس مجلس النواب الأسبق رحمه الله - عن رئيس الجمهورية الأسبق المشير (علي عبدالله صالح)، وقد عبَّر (الشيخ الأحمر) عن رأيه هذا في رده على سؤال (قناة الجزيرة الفضائية) في لقاء جرى معه في أواخر عام 2005م عن رأيه في ترشيح الرئيس (علي عبدالله) للرئاسة كرة أخرى( 3).
والتراث اليمني مفعم بالأمثال التي تتحدث عن علاقة الإنس بالجن، في كل المجالات ومن ذلك: (من طلب الجن ركضوه)، ويتميز جزء كبير من العلاقات الاجتماعية في اليمن بدخول عنصر الجن والجنون فيها، مثال ذلك: (لك جني يشلك - يا جِنَّاه - جَنَّنتني - قَلَبْهَا مجنانة ... الخ).
الجن في التراث العربي :
من المرويات: أن العرب قديماً كانوا كلما أوقعت مزعوم الجن بأحد البشر من الأعراب في ذلك الزمن خاطبها الأعرابي قائلاً: (يا معشر الجن، أنا رجل من "بني سهم"، وبيننا وبينكم عهد وميثاق). فتعرفه الجن وتهابه.
وكان بعض العرب يزعم أنه يهوى امرأة من الجن، وأنه يسكن إليها في الهواء وتتراءى له. وهناك بعض الأساطير من اليمن تحكي عن زواج أحد الملوك، بإحدى الجنيات. وهي الزيجة التي أثمرت ملكة سبأ (بلقيس).
وفي حديث أن النبي نهى عن نكاح الجن. وقد ورد في كتاب (آكام المرجان)، أن أحد أبوي (بلقيس) كان جنياً، كان أبوها من عظماء ملوك اليمن، تزوج امرأة من الجن يقال لها (ريحانة بنت السكن)، فولدت له (بلقيس) وتسمى (بلقمة)، ويقال إن مؤخر قدميها كان مثل حافر الدابة. وفي الوسط اليمني والعربي، يعتقدون بأن شعر ساقي (بلقيس) كان كشعر الماعز.حيث تم اكتشاف ذلك عندما كشفت عن ساقيها لتخوض على السطح الزجاجي في طريقها إلى الملك سليمان، قال سبحانه وتعالى: ((قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.)) سورة النمل، آية 44.
كذلك فلا نهاية لمن عشق الجن من الإنس، وصار لها أخاً في العلن والخفاء.
كما أن حروباً طويلة دامية، وقعت بين قبائل الجن وقبائل الإنس من العرب، منها حروب (بني سهم). الذين كانوا قد قتلوا، كما قيل، ابن امرأة من الجن، عقب حجة وطوافه بالبيت، فوقعت الوقيعة بين قبيلة الجني المتوفى وبني سهم، وقتل الجن من (بني سهم) خلقاً كثيرين، وكان أن نهضت (بني سهم) وحلفاؤها ومواليها وعبيدها، وركبوا رؤوس الجبال وشعابها، فما تركوا حية ولا عقرباً ولا عضاضة ولا خنفساء ولا هامة تدب على الأرض، إلا قتلوها، حتى ضجت الجن، فصاح صائحهم يطلب وساطة (قريش) بينهم وبين بني سهم، فتوسطت قريش وانتهى النـزاع بين بني سهم والجن( 4).
أفعـــال الجـــن :
من الخرافات الشائعة أن الجني قد يضرب الإنسان على وجهه دون سبب ما فيصيبه بالحول أو ارتخاء عضلات الوجه (شلل جزئي)(5 ). وقد يصل إيذاء الجان للبشر في المعتقد اليمني والعربي إلى درجة المسخ، حيث يعتقدون أن الجان يمكن أن (تمسخ البشر أحياناً إلى كلاب).
ولدى كثيرين فإن الخوف من قتل الجني مرجعه خشية الإنسان من انتقام أهل الجني له من قاتله، وقد يصل الخوف من الثأر درجة يجعل الإنسان القاتل يقوم بقتل نفسه (الانتحار).
وهناك فئات معينة من الناس أكثر عرضة لتحرش الجن بهم من غيرهم وهم: (الأطفال حديثو الولادة، والمرأة النفساء، والعريس وعروسه).
وفي المعتقد الشعبي اليمني لدى النساء، أن إناث الجن تقترض بعض الطعام من الإنسيات للضرورة، وهن يحرصن على رد ما اقترضن، دائماً، وإذا امتنعت إنسية عن إقراض جنية ما تطلبه من طعام، فمعنى ذلك نشوب الخصومة بين الأنثى الإنسية والأخرى الجنية بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر وينذر به من كوارث؟! وقد يحدث إذا أهمل المرء البسملة قبل أن يبدأ بتناول الطعام، أو نسيها قبل اغتراف الطحين أو الحبوب، أن تنقص وجبة الطعام فلا يشبع المرء، كما أن الطحين ينقص كذا الحبوب المخزون في المنـزل.
سنة 1083هـ :
((وفي هذه الأيام: شاع نادرة غريبة وحكاية عجيبة: وهي أن صورة امرأة ظهرت لرجل من أهل كحلان تاج الدين عند بعض أهله من الفلاحين، وحتّمت عليه ضيفة وعشاء وذبح رأس بقر لها متى جاءت تأكله في المساء، ففعل ذلك المذكور وجعل من الطعام معه الميسور، وأقبلت إليه فأكلته، وقالت هي (الحطَمْة) (المجاعة) التي كانت في اليمن، وأنها خارجة في هذا الشهر والزمن، وهذه لعلها صورة شيطانية ليعتقد العامة أنها المؤثرة في الحطمة الربانية))( 6).
ويعتقد بعض سكان المنازل أنهم إذا سمعوا صوت حجر يسقط فوق سقف المسكن مع علم سكانه أنه لا يوجد شخص يمكن نسبة الحجر إليه، فإنهم يردون ذلك إلى الجن، وقد تكون (المراجمة) تحذيراً لسكان المنـزل من وقوع حادث لأحد أفراد العائلة أو نذير بموت أحد سكانه.
سنة 1075هـ :
وفي ثاني عيد الفطر أول شوال: ظهر على بعض بيوت الجيران بمدينة صنعاء مراجيم متتابعة إلى باب المجلس الذي فيه أهله كان لا يرون إلا سقوط الحجار وصوت وقعها في الباب، وكان الرجم ثلاثاً ثم سكن كذلك الليل والنهار سمعها جميع جيرانه ومن حوله ومن مضى في شارعه أو بابه ظاهراً، وكان ابتداء ذلك الرجم عقب العشاء أول ليلة فظنوا أولاً أنهم رجال فداروا فما وجدوا أحداً، ثم عاد على ذلك فراعهم ما رأوه وما سمعوه، ثم أنهم تلك الليلة خرجوا من بيتهم وأخذتهم الوحشة بأجمعهم، ثم لما استمر ذلك الرجم على تلك الحالة في النهار عادوا بيتهم وسكنوا والرجم مستمر إلى نفس الباب الذي في المجلس من داخل البيت، وكنت ممن سمع ذلك كذلك، وكان استمراره الليلة الأولى ثم النهار الثاني ثم سكن، ثم عاد كذلك في شهر القعدة ثم سكن، وعاد بعد ذلك في شهر الحجة، وبقى أياماً يرميهم بالحجارة إلى ذلك الباب ثم سكن، وقد كان جاءوا عند الابتداء (بالمعزمين)(7 ) فما أفادوهم ولا نفعوهم، لأنهم قالوا من الجان ذلك الفعال والله أعلم.
كذلك الحكاية التالية:
وفي هذه السنة: تسلط مارد في بعض بيوت صنعاء وكان يؤذيهم ويحمل عليهم بعض مفاتيحهم ويردها، قال: فطلبوا منه مرة طعاماً من الزلابيا، قال الراوي: فلم يشعروا إلا وهو بين أيديهم فأكلوا منه(8 ).
ولدى البعض يمنع الشاب العازب أو الشابة العازبة من النوم في غرف بمفردهم بل يلزم نومهم بين إخوانهم أو أقربائهم (المحارم) في غرفة واحدة، وذلك كي لا يتعرض لهم الجني أو الجنية بسوء ويتلبسونهم؟!.
وفي الوسط اليمني والعربي كان الناس يعتقدون، ولا زال بعضهم كذلك، أن الطعام الذي يسقط إلى الأرض يعتبر من نصيب الشيطان. كذلك يسود الاعتقاد لدى عدد من الناس بأن أموال الرجل البخيل ستؤول، في النهاية، إلى إبليس، ويعبرون عن ذلك في بعض المناطق بقولهم: (رزق الخسيس لإبليس)، كما يعتقدون أن الأشياء المستعارة يمكن أن يتلفها إبليس بعد استعارتها، لذلك فإن من يستعير أشياء الناس، يحرص عليها حرصاً شديداً. وإذا انتاب الغضب أحد الأشخاص وهمّ بضرب أو قتل أحد في فورة الغضب، يقال له : (اخز الشيطان) أو (اخز إبليس) أو (اعذب الشيطان)، أي خَيِّب ظن الشيطان ولا تتصرف وأنت غاضب، لأن الغضب، في اعتقادهم، من صنع الشيطان. وإذا غضب أحدهم، وخالجه شعور بإلحاق الأذى بالآخرين، أو شتمهم، فإنه ربما قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أو (لعن الله الشيطان). ومصدر ذلك هو الاعتقاد بأن الشيطان هو الذي يسول للناس إتيان المصائب ويزين لهم التصرفات الشريرة. وإذا كان أحد الأشخاص يعبث ببندقية، حتى وإن كانت غير محشوة بالرصاص (الذخيرة الحية)، فإن البعض يحذره بعبارات تفيد أن إبليس يستطيع أن يحشوها بالرصاص، فيؤدي العبث بها إلى قتل شخص ما.
جني يدل على مكان السحر :
ومن المعتقدات السائدة أن عدداً كبيراً من الناس في اليمن، عند حدوث مشكلة لهم أو إصابة أحدهم بمرض، يلجأ إلى أدعياء السحر والمشعوذين الذين يزعمون استحضار الجن ومعرفة حقيقة المرض والعلاج منهم.
يروي بعض المشعوذين: جاءني شاب مريض فلما قرأت عليه، نطق الجني الذي بداخله وقال: إنه موكل بسحر ثم دلنا على الساحر الذي يعمل معه، ودلنا على مكان السحر فقال: السحر في (عتبة البيت) ثم أمرته بالخروج فخرج ثم ذهب أهل هذا الشاب إلى المكان المذكور فحفروا فوجدوا السحر أوراقاً ممزقة ومكتوب عليها حروف، ثم أذابوها في الماء وبطل السحر والحمد لله وحده.
ثم جاءني أخوه بعد مدة وبشرني بأنه بخير وأراد أن يعزمني (يدعوني لوليمة خاصة) فرفضت ذلك وخشيت أن يكون ذلك أجراً.
أسباب تقمص مزعوم الجن الإنسان في اليمن
يعزو القائلون بخرافة تقمص الجن الإنسان والمعتقدين بها إلى أسباب عديدة هي وليدة التخلف والتفكير اللاعقلاني ومنها:
السبب الأول : الإصابة بالواسطة، أي عن طريق الملابس الجديدة التي يتم شراؤها.
السبب الثاني : الإصابة بواسطة الروائح الشمية مع مرور الشياطين، وعندئذ، تحدث الكارثة ويتلبس الجني الإنسان فيصير الإنسان (مزوراً).
السبب الثالث : الزار بالشراء، ويحدث هذا عندما يحدث الخلاف بين شخص وآخر فيذهب أحدهما إلى المشعوذ ليشتري (زاراً) يصيب خصمه به.
السبب الرابع : دعاء الشخص، أثناء مرور الشياطين، أو سير الشخص في مكان يسكنه الشياطين كأن يسير قرب عيون المياه أو الأماكن التي يتردد بها الصدى أو أن يقول الشخص (جني شلك) أو (لك "أم الصبيان" تتمطر بك).
وقد يكون هناك شخص عاقل ومشهود له بأنه شخصية متزنة، ولكن ما أن يسود الاعتقاد بأنه قد تقمصه جني شرير حتى تتغير ملامح سلوكه، فيأخذ في إصابة نفسه بالجروح، كما قد يصيب الآخرين بالأذى أو يأتي بتصرفات شريرة وخطيرة أو سلك سلوكاً غريباً.
سنة 1075هـ:
وفيها: انزعج القاضي علي بن يحيى بن صالح العنسي من بيته وأرضه جهات برط وانصرف عن ذلك المحل والوهط يؤم جهة العراق وتلك النهوج والآفاق طريق الدواسر، واستقر في تلك الجهات ولم يعد منها إلى بلاده في جميع هذه الأوقات، قيل وسببه أن المذكور قرأ في الأسماء الأربعينية المشهورة، فحصل معه عند ذلك جذب الحالة وتشويش الخاطر، وارتحاله فريداً وحيداً سائحاً، وسألت عنه بعد مرور مدة طويلة هل وجد له خبر عند أهله وأقاربه فقال الراوي: نعم جاء منه كتاب إلى أهله أو وصية خطاب يقول فيه: أنه حج ذلك العام وعاد مع قبائل الشام وأنه فارقه من نواحي بلاد الدواسر وتلك النهوج وهو عابر به والله أعلم.
وتعقّبه ولد الفقيه عبدالله الجربي، كان بصنعاء بعد موت والده قد شرع في قراءة الأزهار، ثم أنه توحش وكان يخرج فيقعد بين القبور بباب اليمن وإذا دخل بيته خلا في منـزله وسببه أن عكف على شيء من الكتب المندلي والرقا العجمية فحصل معه تغيّر مزاج وجذب وانحراف، ثم أنه خرج من صنعاء وساح ولا يدري أين ذهب ولا أحد يأتي له بخبر.
وعندما يصاب شخص بمرض نفسي ويعتقد أهله أن جنياً قد تقمصه، عندئذ ينصح (العارفون) بإقامة حفلة زار له لتخليصه من الجني الساكن جسده.
تزييـــف الوعـــي
في اعتقاد كثير من اليمنيين فإن طرد الجن من الأنس يكون بكتابة آيات من القرآن الكريم على ألواح من الخشب أو الورق، ثم يغسل الحبر ويتناول الشخص المراد علاجه أو حمايته الماء المذاب في الحبر (محبة). وقد تكتب (الأحجبة) والعزائم والتمائم ثم تعلق على جسم الشخص المراد شفاؤه بها، أو الشيء المقصود حمايته بواسطتها.
ولا تقتصر عملية الشعوذة والسحر وحكايات الجن المزعومة على الذكور في اليمن، بل كان يوجد في الماضي نساء يسود الاعتقاد لدى كثيرين بوجود كرامات لديهن، كما أنه لا زال هناك نساء يتمتعن بشهرة كبيرة في تسليط الجن وصرعهم وعلاج الأمراض وتحقيق الأماني ... الخ.
ويذهب أحد السياسيين اليمنيين المناوئين للأئمة اليمنيين مذهباً منافياً للحقيقة ومنطوياً على تزييف صارخ للوعي وهو أن الإمام (أحمد بن يحيى حميد الدين - رحمه الله) اتَّبع سياسة بث الشائعات المكرسة للجوانب الخرافية والغيبية خصوصاً تكريس فكرة الاعتقاد بوجود الجن والشياطين وقدرتها على إصابة الفرد بالشر، وإن كان كل ما يحدث لنا من شرور مرضية وغير مرضية مردها إلى تلك القوة الخفية التي لديها القدرة على التدخل في شئون حياتنا اليومية أي نشر الخرافة كان جزءاً من السياسة العامة للدولة. وأن (الإمام) كان يوهم الشعب بأنه يسيطر على الجن ويتحدث إلى الملائكة، وأنه يمتلك من الجن ما يمتلك من الإنس حتى أنه (الإمام أحمد) (1962 - 1984م) رحمه الله، لقب بـ (أحمد يا جناه) وكان، حسب زعم المؤلف، يدعي أنه يستطيع معرفة أخبار كل المعارضين السياسيين له في أي مكان من أرض اليمن، بل وكل من يكن له العداء حتى دون أن يصرح به، كما اشتهر بعلاج الأمراض المستعصية والتي هي نتاج للجن والشياطين(9 ).
السياســـة والجــــن :
حفلت الساحة السياسية في اليمن، ولا تزال، بالخلافات واستعان كل طرف بما أمكنه من الأدوات ضد خصمه، وعلى سبيل المثال، فقد أكدت إحدى المشعوذات اليمنيات أن جنياً اعترف أنه من أعضاء (الحزب الاشتراكي) وتحدث عن كيفية تزويرهم الانتخابات وأشياء عجيبة عنهم وعن حزبهم الاشتراكي، وتقول المشعوذة أن الجني المزعوم استطاع تسجيل بعض أنواع الحوار الذي يثبت به ما يقوله للذين لا يؤمنون بدور الجن في السياسة(10).
كما ذكرت إحدى المشعوذات السياسيات في اليمن ما يلي:
((إن لي الفضل في رئاسة (الإرياني)( 11) الحكومة، فقد أتت لي قريبة له وعرضت حليها مقابل تسليط جن على رئيس الجمهورية وبطانته، لإقناعهم بتعيين (عبد الكريم الإرياني). فرفضت الحُليّْ وأخذت مبلغاً مقابل الجهد المضني الذي بذلته في إقناع الجني (شاكر) للقيام بهذه المهمة، حيث كان لا يحب (الإرياني) ويرفض أن يصبح رئيساً للحكومة، ولكني أقنعته، وإخوته الذين أقنعوا رئيس الجمهورية. وغضبت على (الإرياني) من إجراءاته الاقتصادية المتكررة على الشعب وعدم تسليم المبلغ الذي اتفقت عليه مع قريبته عندما أصبح رئيساً للحكومة فأرسلت (شاكر) لرئيس الجمهورية الذي نحاه مباشرة لكن (شاكر) بدأ يقنع الرئيس بتعيين (الشيخ عبد المجيد الزنداني) - رئيساً للحكومة، لأن الجني (شاكر) من المناصرين لحزب الإصلاح وأنا لا أحبهم. فقلت أصحاب الجنوب أهون وإن كانوا من دون شوارب. فأرسلت عدداً من الجن الجنوبيين لإقناع الرئيس باختيار (باجمال)، الذي رفضه الجن في البداية لأنه من دون شوارب. ويقال إن بعض المرشحين للانتخابات البرلمانية يستدعون عدداً من الشيوخ لكشف الحجاب وكسب المؤيدين))(12 ).
الجن يدرسون في جامعة الإيمان
ومن حكايات الجن في اليمن ما نشرته إحدى الصحف من أخبار وصفتها بالموثقة أن مجموعة من الجن يعيشون داخل (جامعة الإيمان)، ونقلت الصحيفة عن أحد طلاب الجامعة الذي وصفته بشاهد عيان على حركات الجن قوله: ((خلال محاضرة يلقيها الدكتور عبدالرحمن الخميسي وهو أستاذ الحديث بأنه عندما يبدأ محاضرته لنا كنا جميعاً الطلاب نلاحظ أن اللمبات الخاصة بالإضاءة تتحرك بشكل ملفت للنظر، وأضاف وعندما ينتهي الدكتور الخميسي من محاضرته تتوقف اللمبات عن الحركة، وقال عندما سألنا الدكتور الخميسي عن سبب ذلك أجاب بأنهم جن مسلمون يطلبون العلم)).
وأضاف أحد طلاب جامعة الإيمان بأن الدكتور (عبدالوهاب الديلمي) حدثهم قائلاً بأنه وصلته شكوى بأن أحد طلاب جامعة الإيمان له ممارسات غريبة الأطوار وأنه أصاب بعض الطلاب بنوع من القلق، مضيفاً بأن (الديلمي) التقى مع هذا الطالب واتضح له بأنه جني مسلم جاء لطلب العلم وما هي إلا أيام واختفى هذا الطالب.
وحكى أحد خريجي جامعة الإيمان لـ (البلاغ) بأن إحدى شقق جامعة الإيمان خرج منها كل سكانها وتم نسيان أحدهم بالحمام، وقال بأنه عندما خرج هذا الطالب من الحمام الخاص بالشقة ووجدها مقفلة فوجئ العديد من طلاب الجامعة بأن هذا الطالب تمكن من الخروج من بين قضبان النافذة الأمر الذي أذهل الجميع(13 ).
الجني نمرود يثير الفزع والرعب في قلوب سكان الحديدة(14):
في هذه الحلقة سنسرد قصة جني معتد في إحدى مديريات محافظة الحديدة والذي نشر الذعر والخوف بين الأهالي فقد أخذ يتنقل بين بعض نسائها بين الحين والآخر حتى اضطر بعض أولياء أمورهن أن يفروا بنسائهم إلى بعض المدن كعدن وتعز، وبعد أن شاع هذا الخبر في جميع المنطقة، وأحدث الخوف والرعب بين الأهالي فلم يسعهم إلا اللجوء إلى المعالجين بالقرآن الكريم والرقية الشرعية للتخلص من هذا الخبيث الذي أخاف الناس وأرعبهم فأحضر بعض الأهالي بعض الفتيات ممن تلبس بهن هذا الخبيث وبعض أتباعه إلى عيادة الاستشفاء بالقرآن الكريم والرقية الشرعية للشيخ المعالج (فكري الأموي).
فبدأ الشيخ المعالج بترديد الأذان الشرعي والاستعاذة من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه ثم استرسل بقراءة الرُّقية الشرعية الثانية في السنة وبعد خشوع في القراءة ودعاء مستفيض أخذ جسد الفتاة يرتعد بشدة وبقوة ودخلت بغيبوبة فغاب شعورها ونطق على لسانها جني بصوت رجل جهوري فخاطبه الشيخ: أسألك بالله يا من تسكن هذا الجسد أن تنطق على لسانها ولا تؤذها أسألك بالذي فلق البحر لموسى وأنطق عيسى بالمهد وبعث محمداً بالرسالة أن تنطق على لسانها وتخاطبني وتجيب عن كل سؤال أسألك إياه، وهاكم تفاصيل القصة وما دار من حوار:
* ما اسمك وما ديانتك وكم عمرك؟
اسمي نمرود، وديانتي مسلم، وعمري ثلاثون عاماً.
* هل أنت مُرسل أم معتدٍ وكيف تلبست بالمريضة؟
- كنت في طريقي ولم أقصد الاعتداء عليها فلما رأيتها ترضع طفلها في باب البيت التلبس فيها.
* وأين كنت قبل أن تعتدي عليها؟
- تمكنت من التبس فيها.
* وماذا تسبب لها أنت بالضبط؟
- أسبب لها وجعاً وآلاماً في بطنها وأرجلها وأتنقل بين الحين والآخر من عضو إلى آخر.
* اسمعني الآن يا نمرود أنت الآن ارتكبت جرماً عظيماً وشنيعاً إلى جانب اعتدائك على هذه الفتاة وآذيتها فقد فرقت أكثر من أسرة بجميع أفرادها خوفاً منك بعد أن سمعوا أنك كل يوم تتلبس بامرأة من القرية فمنهم من انتقل إلى عدن ومنهم من انتقل إلى تعز خوفاً من أذيتك فإذا أردت أن تنفذ بجلدك هذه المرة فعليك أن تخرج قبل أن تحرق وتهلك بكتاب الله وتنفذ الآتي: أن تتجنب الأذية لأي امرأة أخرى وأن تغادر قرية الطويل ولا تسكن فيها ولا تمر منها أثناء ذهابك وإيابك إلى الجبل الذي تعيش فيه وتترك أهل القرية في حال سبيلهم.
- نعم أوافق وهذه المرة بصدق ودون كذب أو مراوغة ودون عودة لها أو لغيرها من نساء القرية.
الهوامش
( 1)المؤرخ والفقيه الكبير: يحيى بن الحسين بن القاسم، (يوميات يمانية)، تحقيق: الأستاذ عبدالله الحبشي.
( 2) المؤرخ الكبير (يحيى بن الحسين)، (يوميات يمانية)، تحقيق: الأستاذ عبدالله الحبشي، (يوميات يمانية).
( 3) د. عبدالله الفقيه، (المؤتمر والإصلاح زواج كاثوليكي أم طلاق بائن)، صحيفة (الوسط) "يمنية"، العدد المؤرخ 2006/2/22م.
(4 ) الأزرقي : 2 - 11 وما بعدها. المُحَبَّر، ص (395).
(5 ) وذلك كما زعم البعض هو ما حدث للأستاذ (عبدالقادر باجمال) - رئيس الوزراء السابق والأمين العام للمؤتمر.
(6 ) يحيى بن الحسين، (يوميات يمانية).
( 7) المعزِّمون باللهجة الشعبية هم: من يكتب الرقي كوسيلة غيبية لعلاج أي مرض كان.
(8 ) يوميات يمانية، (سنة 1082)، م. س.
(9 ) قاسم غالب، (ابن الأمير وعصره)، صنعاء، وزارة الإعلام، ط2 ، 1983م، ص (49). والحقيقة هي أن الأئمة كان معظمهم. وعلى رأسهم الإمام أحمد، من مناهضي الخرافات المتعلقة بالجن. وما يرويه البعض عنه بهذا الصدد هو مجرد شائعات يكذبها الواقع، كما هو الحال فيما ورد أعلاه.
( 10) مجلة (زهرة الخليج) "الإماراتية"، العدد (11551)، تاريخ 2001/4/14م.
( 11) د. عبدالكريم الأرياني، رئيس وزراء سابق في اليمن.
(12 ) م. س.، ومما كان يرويه البعض أن أحد رؤساء الوزارة تعهد لرئيس الجمهورية السابق بأن يربي رئيس الوزراء له شارباً بعد توليه رئاسة الحكومة استجابة لرغبة الجن، ولكي يصبح مظهره أكثر خطورة، وقد ربَّى شنباً له فترة من الزمان ثم تخلص منه فصار أمرداً.
(13 ) صحيفة (البلاغ)، السنة الثامنة عشرة، العدد (784)، الثلاثاء 13 من جماد الثانية 1429هـ الموافق 17 /6/ 2008م.
(6 ) صحيفة (نبأ) "يمنية" (متخصصة في نشر الخرافات عن الجن وغيرهم)، العدد (221) وتاريخ 16 /7 /2008م.
أستاذ علوم القانون الجنائي - جامعة صنعاء
فيس بوك: http://www.facebook.com/drhasan.megalli
بريد إلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني: http://hasanmegalli.com//ar/index.php
الإنس والجن في اليمن
أخبار متعلقة