صغيرتي هيلين،
... قبل أيام قتل شابان صغيران في صنعاء قتلهما مرافقو شيخ مؤمن.
الشيخ المؤمن هو أيضاً اسم كبير
في حزب كبير، مؤمن. قال الشيخ إن الشابين ارتكبا خطأ فادحاً لكنهما، رغم ذلك، ماتا شهيدين.
شهيدان في خطإ فادح، هل سمعت بمثل هذا من قبل، هيلين؟ عندما تكبرين ستشعرين بالعار لو أن أباك لم يفعل شيئاً أتدرين ما هو الخطأ الفادح الذي ارتكباه؟
لقد خشي المسلحون أن يكون الشابان بمنظرهما العصري قد نالا نظرات اهتمام من نسوة في موكب العرس.
الشابان من عدن، القتلة من الجبل. لا تحتاجين يا هيلين لمزيد من المحاججة والجدل كيف تتعرفين على الضحية والهمجي.
لقد قتلا في لحظة إنسانية مبهرة، حين يحاول رجل أن يبدو نبيلا وجميلا أمام امرأة جميل بثينة، أشهر الشعراء العرب، يا هيلين
وضع هذه اللحظة الجمالية الفائقة في درجة تفوق الجهاد. . على أن الجهاد ليست سوى كلمة معقدة تتحايل على الحقيقة. إنها عملية قتل جماعية، بصرف النظر عن دوافعها.
قال رجل إسرائيلي للإله: لقد قتلت في سبيلك ألف كافر. سأله الإله:
أو ليسوا عبادي؟
هيلين،أنت تقرئين الآن هذا النص في كتاب يحمل اسمك. ربما أنت في الثامنة من عمرك.
اليك حبيبتي، حتى هذه اللحظة التي كتب فيها هذا النص كان أبوك لا يزال في حزب الاصلاح. لقد انضم إليه قبل 14 عاماً.
كان خارجاً للتو من السلفية .. غادر السلفية لأنه لم يجد فيها كتباً جديدة. بالنسبة للسلفية كانت كل الأسئلة قد أجيبت، والحقائق بلغت درجة اليقين. كان أبوك يكتب الشعر بغزارة، وكانت الأسئلة لا تزال تتوالد، والإجابات عمياء. كنت سلفياً أكتب قصائد الغزل وأتنقل بين الحبيبات مثل عصافير البادية. في مرة سافرت لأحضر ندوة لشيخ سلفي. في الحافلة اتفقت مع فتاة جميلة، تعرفت عليها للتو، على موعد بعد الانتهاء من الدرس الديني. وكنت أشعر بحلاوة إيماني.
دخلت بعد ذلك ضمن حزب الاصلاح. كان الرجل الذي أخذ مني العهد اسمه عبود، في تعز. لم أكن متحمساً، لكني على كل حال أصبحت عضواً مهملاً.
قرأت كتباً كثيرة، ليس من بينها مؤلفات للحزب. كنت معجباً بالموقف السياسي لحزب الاصلاح، وموقفه الاجتماعي.
على المستوى الفكري لم يحدث ذلك أبداً. غير أنه، للحق، كان لا يمانع في أن أبدو على طريقتي.
عندما التقيت بأحد أهم قياداته، القميري، أتمنى أنه لا يزال على قيد الحياة عندما تقرئين هذه الرسالة، كان ذلك في العام 2012 استقبلني ببهجة نادرة وأغنية في العينين.
قبلني في الجبين. قال لي: اكتب ما يحلو لك، فكر بالطريقة التي تروق لك. لكن لا تغادر الحزب.
وعدته: سأحاول. لقد حاولت يا هيلين، لكن محاولتي - مثل كل المحاولات البشرية- فشلت.
لا أتمنى أن تشعري بالخجل يوماً ما لأن أباك عجز، أو تردد. لست بطلاً، أنت الآن طفلة تتعلم الرياضيات والموسيقى، وربما فتاة. لا تنتظري من أبيك أن يكون بطلاً. هو فقط لن يكون إنساناً منحطا. هذه هي بطولته الوحيدة.
قلت لك لقد قتلوا طفلين. كان جدهما شاعراً عظيما، وكنا في طفولتنا نعشقه، كانت روحه تعيش معنا في الجبل مثل أساطيرنا الصغيرة.
عندما كبرنا نحن قتلوا أحفاده.
القاتل لا يزال في حزب الاصلاح. قتلهما مرة أخرى ببيان أشاد بعملية القتل ضمنيا، عندما وصف لحظة الموت بالخطيئة العظيمة التي ارتكبها الشابان.
لم يصدر حزب الاصلاح بياناً ضد البيان. وبدلاً عن إدانة الجريمة وتسمية القتلة فإن الحزب تحايل عليها بطريقة غير نظيفة ليدين من خلالها عملية حمل السلاح في اليمن.
قبل عامين، يا هيلين، استقال وزير الدفاع الألماني بعد فضيحة تضمينه لنصوص مقتبسة في رسالة الدكتوراه دون الإشارة لمصدرها.
أخبروني في الحزب أنه من الصعب إقالة العواضي، شيخ القتلة وأبوهم الاجتماعي، بسبب احتياج الحزب لقوته وسلطانه وربما لشكيمة مسلحيه، الذين قتلوا للتو أحفاد الشاعر أمان.
الحزب الذي يكدس مثل هذا اللون من القوة لا يحتاج لرأس أبيك إلا «كمالة» عدد.
رفض أكثر من عشرة من مثقفي الاصلاح المرموقين فكرة الاستقالة من الحزب.
لا تأبهي لتبريراتهم، حبيبتي هيلين، فهي لا تختلف كثيراً عن تبريرات قياداتهم: هذه جريمة بالفعل وهناك إجراء أفضل.
لقد اتخذ أبوك الإجراء الأفضل وغادر الحزب منذ هذه اللحظة حتى الأبد ويوم.
وأنت تقرئين هذه الرسالة إذا كان أبوك لا يزال في حزب الاصلاح فعليك أن تشعري بالخجل، وبإمكانك أن تلقي بهذا الكتاب في سلة الزبالة.
صغيرتي هيلين،
هل تدربت هذا النهار على كتابة نص جديد؟
إياك أن تقتبسي من نصوصي أيتها الشقية. سأرفع ضدك قضية سطو ناعم..
هيلين، حبيبتي
شطرنج والا هايد آند سييك، هاه؟
لهذا غادرت حزب (الإصلاح)
أخبار متعلقة