من غير المنصف أن ننأى بعقولنا عن تجليات الحقيقة وننصت لما تزدريه العقول ولا يجانب الواقع بشيء مما تفنده شائعات وتقولات مُعادية للتحصين ضد أمراض الطفولة القاتلة؛ غرضها تقويض مساعيه في حماية الطفولة في بلد الإيمان والحكمة ،وفي نيل أسباب الوقاية.
فليس ترك الأطفال لأمراضٍ خطرة قاتلة يمكن تجنبها بالتحصين مما يرضي الله لنسمها بقدره إذا أصيبوا بها وقد منعوا - أساساً- من مقومات الحماية الصحية التي تجلت في التحصين، لأن الله لا يرضى الظلم لعباده ولا الدفع بهم إلى دروب المهالك.
وبالتالي، مخطئ من يظن بأن لقاح شلل الأطفال مجرد قطرات تنساب من أيادي مقدمي خدمة التطعيم فتلامس شفاه وأفواه الأطفال؛ مغفلاً أهمية هذا اللقاح في حماية الطفولة من الإصابة بشلل الأطفال وتهديداته الخطيرة، فالتطعيم أسمى من مجرد ظنون لا أساس لها، وهو ترياق وقاية داعمة لصحة الأطفال وعلى مُحياهم يرسم ابتسامةً لا يمحوها النسيان..
هو مشهدٌ يفهم تجلياته ومعانيه من عرف حقيقة مرض شلل الأطفال الوخيم، قد استلهمته نفسي فاستقر في قاع الوجدان.
غير أني أجد نفسي حائراً، من أين ابدأ لأوضح المشاق والصعاب التي تعتري من يحملون على عاتقهم مسؤولية تحصين الأطفال من منزلٍ إلى منزل خلال الحملات.
وها نحن مجدداً نستشرف حملة تحصينٍ احترازية ضد شلل الأطفال مدتها ثلاثة أيام؛ في الفترة من(4-2 يونيو2013م)، وتستهدف - كالعادة- الأطفال دون سن الخامسة بأمانة العاصمة ومحافظات (عدن، الحديدة، لحج، عمران، مأرب، حجة، المهرة ، صعدة)، وهي - بطبيعة الحال- من منزلٍ إلى منزل، باستثناء محافظة (صعدة) التي تقتصر الحملة فيها على المرافق الصحية فقط.
وبكل تأكيد معنيٌ بها وبضرورة التجاوب معها- عبر تحصين جميع الأطفال دون سن الخامسة بلا استثناء- كل أبٍ وأمٍ وكل مواطنٍ توكل إليه مسؤولية رعاية الأطفال أو العناية بهم في يمننا الحبيب من ذوي الأرحام أو حتى من أقاربهم، وذلك صوناً لهم من داء الشلل وتبعات الإصابة وآثارها الوخيمة .
إن ما يمكن أن تواجهه بعض فرق التطعيم خلال الحملة في الميدان من صعوبات شتى، كصعوبة التنقل في المسالك والطرق الجبلية الشديدة الانحدار والأودية الوعرة والقفار الواسعة أو في الظروف المناخية السيئة..الخ، هي في مجملها تعترض أو تعيق- أحياناً- خط سير عملها، لكنها لا تألو جاهدةً في قهر كل هذه الظروف والمعوقات وبذل كل ما في وسعها لأداء مهامها على أكمل وجه وفق خطة وبرنامج عملها اليومي في الحملة.
وأسوأ ما يواجهه المطعمون فيها من صعوبات وعراقيل وعوائق، ما يبديه قلة قليلة من الناس من مخاوف تجاه اللقاح- مع الأسف- فيلجؤون إلى إخفاء أطفالهم عن الأنظار، ويتبعه البعض بردٍ غليظ كي يستبعد فريق التطعيم من أمام باب المنزل؛ بقوله:« اذهبوا؟ ليس لدينا أطفال”.
فضلاً عن تعرض الكثير من عاملي وعاملات التحصين في الميدان لبعض المضايقات الكلامية، بما ينم عن استهتار من يطلقون العبارات الفارغة التي هي في الأساس مذمةً لمن يتلفظ بها مردودة عليه.
أما المماطلة والتهرب فلها ضروب وأشكال، وحدث ولا حرج، فارضةً صعوبات كثيرة تعرقل وصول فريق التطعيم إلى مبتغاه خلال تنقله من منزلٍ إلى منزل، فليس غريباً أن نسمع من لا يحترم الوقت وكأنما لا قيمة له على الإطلاق فيظل يراوغ ويماطل ويعبر ذلك بالقول: “ ليس الآن.. عودوا غداً أو بعد ساعة أو ساعتين”، مما يسبب بعض الإرباك للمطعمين ويؤخرهم عن تأدية عملهم - كما ينبغي- وبدلاً من أن يسير في مسار معين- لكسب الوقت وإتمام المهمة- يضطر إلى التأخر أو إلى تعديل خط سيره.
وإني لأؤكد لجميع المواطنين ممن تدور في أذهانهم بعض الأسئلة عن اللقاحات بأنها سليمة جداً، ليس لها تأثيرات جانبية أو مضاعفات أو أي ضرر.. هذا بشكل عام وليس فقط بالنسبة للقاح شلل الأطفال، حيث تصل جميع اللقاحات إلى البرنامج الوطني للتحصين الموسع من خارج البلاد وهي محفوظة بعناية فائقة في ثلاجات مخصصة لتبريد اللقاحات تحت درجة حرارةٍ مناسبة وثابتة، وإذا ما وصلت إلى مطار صنعاء فهناك ثلاجات خاصة لحفظها تبقيها تحت درجة تبريد معينة لحمايتها من التلف.
أما الشاحنات التي تنقل اللقاحات، فهي مخصصة لهذا الأمر ومحملة بثلاجات مخصصة لنقل اللقاحات لتصل مباشرةً إلى الثلاجات المركزية الموجودة في مخازن التحصين الموسع، ومن ثم يتم نقلها إلى المحافظات عبر شاحنات وسيارات مزودة بثلاجات هي- أيضاً- مخصصة لهذا الغرض.
وأريد أن أطمئن الجميع بأن لكل لقاح مؤشراً للون، وعندما يكون فاتح اللون يُعبر عن سلامة حفظ اللقاح وعدم تلفه، بينما تحوله إلى اللون الداكن فيدل على أنه قد تلف ولا يصلح للاستخدام، كقطرة ماء لا تنفع ولا تضر.
كما لا تُسلم أي لقاحات للبرنامج الوطني للتحصين الموسع بوزارة الصحة ليتم استخدامها إلا بعد خضوعها للفحص الدقيق والتأكد من جميع العينات الواصلة للبلاد بأنها سليمة ومضمونة، وقطعاً لا يمكن أن يتأثر أو يفسد جزء منها، فالعملية لا تسير جزافا.
وإننا نعول على خطباء المساجد وعلى مدراء المدارس والمُدرسين وعلى المجالس المحلية والمشايخ والأعيان في جميع محافظات المستهدفة بأن يسهموا بفاعلية في توعية الناس بأهمية التحصين ومد يد العون لمن يحصنون أطفالهم، وأن يذللوا الصعوبات التي تواجههم.
بالإضافة إلى إقناع المعارضين للتطعيم ومن ينصبون العداء له بالعدول عن التصرفات اللا مسؤولة وعن مواقفهم الخاطئة، وأن يدعموا الحملة الاحترازية للتحصين ضد شلل الأطفال التي نحن بصددها في الفترة من(4-2 يونيو2013م) والتي تستهدف بلا استثناء كافة الأطفال دون سن الخامسة بالمحافظات المستهدفة.
وليس لأحد الحق في منع فلذات الأكباد المستهدفين من التطعيم بحجة حصولهم على الكثير من جرعاته مسبقاً أو لكونهم حديثي الولادة أو بسبب الانقياد وراء الشائعات المغرضة، ولا حق لهم - أيضاً- في حرمان أطفالهم دون العام والنصف من العمر من التحصين بكامل جرعات التطعيم الروتيني الذي يشرع البدء بإعطاء جرعاته - أساسا- في وقتٍ مبكر بعد الولادة.
علاوة على ذلك ،نؤكد ضرورة الالتزام بمواعيد كل زيارة من زيارات التطعيم الروتيني المدونة في الكرت الخاص بالجرعات، فهي لصالح الأطفال وتؤمن لهم الوقاية والسلامة .
وعلى الجميع- آباء وأمهات وأسراً وقيادات ومنظمات مجتمع مدني وسلطات محلية- التعاون مع مقدمي خدمة التحصين الاحترازية الحالية بتسهيل مهام فرق التطعيم وتحركها من منزلٍ إلى منزل، هذا ما نأمله منهم، مستجدين فيهم الروح الوطنية لما فيه صالح اليمن وازدهاره، وليثقوا بأن القائمين على التحصين ومن يقدمون هذه الخدمة حريصون جداً على صحة وسلامة أطفالهم تماماً كحرصهم وخوفهم عليهم، ولا يجعلوا من الشائعات التي يرددها المغرضون ضد التحصين تؤثر عليهم، فبالتحصين تضيء دروب الأمل فتطيب الحياة وتزدهر الصحة.
حصنوهم مرارا ضد فيروس الشلل!
أخبار متعلقة