فى اللغة يعني الفعل «خطف»: انتزع بسرعة. وينطوي الفعل على أن الخاطف لا يملك ما ينتزع أصلاً. وبالإضافة، فالخاطف يعلم أنه لا يستحق ما يخطف ولا يستطيع كسبه بشكل مشروع ولذلك يسرع فى الخطف ما وسعت طاقته. وينطوي الخطف على إكراه المخطوف منه، أو التدليس عليه بالخداع، كما فى لعبة «الثلاث ورقات»، لأن المخطوف منه لم يعطِ ما يملك طواعية.
وقد اعتمد تيار الإسلام السياسي منهج خطف المغانم السياسية قبل امتلاك السلطة، وغالى فى توظيفه بعد اقتناصه للسلطة.
ولهذا فإن وقائع خطف تيار الإسلام السياسي لمغانم سياسية متعددة، وكان المخطوف منه فى جميع الوقائع هو الشعب صاحب السيادة الوحيد ومصدر السلطات جميعاً.
ودأب الخاطفون على توسل ترسانة من أساليب الخداع والتدليس التي صارت معروفة وممجوجة. يأتى على رأسها الحنث بالوعود المعلنة وحتى بالقسم باسم الله العظيم علناً أمام الشعب، والتآمر مع سلطة الحكم التسلطي القائمة للحصول على مزايا غير مستحقة (مثل قوام لجنة التعديلات الدستورية فى ظل الحكم العسكري)، وانتزاع سلطة ليست لشخص يُصدر بها قراراً منعدم الشرعية (مثل إصدار رئيس السلطة التنفيذية لإعلان دستورى رغم أنه لا يملك السلطة التأسيسية للتشريع وفي وقت كانت فيه جمعية تأسيسية تضع مشروعاً للدستور) ويفرضه بترؤسه للسلطة التنفيذية، واللجوء المتسرع لصناديق الاقتراع لإجراء استفتاءات وانتخابات يتلاعب بها تيار الإسلام السياسي لضمان الفوز فيها بتوظيف مبالغ ضخمة من المال السياسي مجهول المصدر وبطرق غير نزيهة تبدأ من الخداع بالوعود البراقة التى سرعان ما تتبخر بعد الفوز، وتنتهي بالتزوير الفج (مثل تزوير بطاقات الاقتراع ذاتها)، مروراً بالترويع والغواية الدينيين اللذين يخضع لهما بسطاء العامة، من خلال استغلال المنصات الإعلامية مدعية الإسلام، والمساجد للترويج السياسى عصياناً لأمر الخالق القاضى بأن «الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» (الجن، 18)، والتأثير على الناخبين البسطاء فى محيط لجان الاقتراع وحتى داخلها بالموظفين من أشياعهم، والرشى الانتخابية الفجة، ومنع الناخبين الذين قد لا يعطونهم أصواتهم من التصويت أصلاً (مثل الإخوة الأقباط فى الصعيد فى الانتخابات الرئاسية). وفى اندفاعهم لخطف ما لا يستحقون، خاطروا على الرغم من التحذيرات المسبقة بإصدار، أو الإلحاح على إصدار، تشريعات أو إجراءات يكتنفها عوار دستوري، ما أوقع البلاد فى سلسلة من المآزق السياسية الطاحنة التى أربكت عملية التحول الديمقراطي، وأهدرت من مال الشعب المغلوب على أمره أموالاً طائلة بسب حلّ مجلس الشعب واستعار الخلاف حول تشكيل الجمعية التأسيسية التى أنتجت فى النهاية دستوراً يفتقر للتوافق المجتمعى سارعت سلطة الإسلام السياسي باختطاف إحالته للاستفتاء الشعبي بعد ساعات من تسلم الرئيس الحاكم للمشروع، على الرغم من وعده بألا يحيل المشروع للاستفتاء إلا بعد حصول التوافق المجتمعى عليه.
وإليك بعض أمثلة مختارة وصارخة لما جرى اختطافه بواسطة تيار الإسلام السياسي ثم بيد سلطته بعد وصول رئيس منه إلى سدة الحكم.
خذ أولاً قوام لجنة التعديلات الدستورية الذى جاء فى مجمله محابياً لتيار الإسلام السياسي إلى حد العيب المجلل بالعار فى حالة بعض الأعضاء، تحت نظر ورعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم وقتها.
وتبعه استفتاء 30 مارس 2011 على التعديلات الدستورية الذى تم فى ظل حالة من الترويج الكاذب والمحموم لأن الموافقة على التعديلات تعني الإبقاء على المادة الثانية من الدستور التى تجعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، على الرغم من أن التعديلات التى طُرحت فى الاستفتاء لم تتعرض لهذا الأمر من بعيد أو قريب. ولكن ظل بعض بسطاء العامة الذين صوتوا بنعم يظنون أنهم ساهموا فى الإبقاء على الشريعة كمصدر للتشريع حتى بعد الاستفتاء بوقت طويل، هكذا كان اقتناعهم!
والغريب فى هذا الشأن أن المجلس العسكرى الحاكم وقتها ادعى هو الآخر، اختطافاً لشرعية مفتقدة، أن الأغلبية التى وافقت على التعديلات صوتت للمجلس ولشرعية اقتناصه للسلطة.
ثم جاء اختطاف انتخابات مجلس الشعب وفق القانون الذى ألحف تيار الإسلام السياسي على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يصدره رغم شبهة العوار الدستوري التى حُذرا منها كلاهما كثيراً، ووافق المجلس العسكرى ضمن أخطائه الجسيمة فى حكم المرحلة الانتقالية، وبعد أن خطف الإسلام السياسي غالبية فى المجلس بالوسائل غير النزيهة المشار إليها أعلاه، انتهى الأمر بحكم المحكمة الدستورية بحل المجلس وخسارة الشعب المسكين للمليارات التى أنفقتها السلطة الحاكمة على الانتخابات، ناهيك عن الارتباك والاضطراب السياسي الذى نشب.
ولحق به انتخاب مجلس الشورى الذى عبّر الشعب جلياً عن عدم اكتراثه به بعزوفه عن المشاركة في التصويت حتى إن من انتخبوا هذا المجلس لم يتعدوا أقلية ضئيلة من قاعدة الناخبين. لاحظ كذلك اختطاف سلطة التشريع لهذا المجلس من خلال اختطاف مشروع الدستور المعيب.
ولم تنجُ الانتخابات الرئاسية التي يجب اعتبارها من خطايا حكم المجلس العسكري والتي جرت بينما كان الثوار يُضطهدون أبشع اضطهاد من قبَل المجلس العسكري وطرف ثالث لم يعلن عنه أبداً، وإن قامت مؤخراً أدلة على تبعيته لتيار الإسلام السياسي، حتى بدا وكأن الانتخابات تجرى على جثة الثورة. ناهيك عن أنه فى دورة الإعادة كان المطروح على الناخب المصري هو الاختيار بين شرّين، وتردد أن التدخل الخارجي حسم اختيار المجلس الحاكم لأهونهما فى نظره بغض النظر عن المصلحة العامة. ولعلنا لا ننسى أن مرشح تيار الإسلام السياسي بادر لإعلان النتيجة اختطافاً من قبل إعلانها رسمياً بأيام، كما أخلّ الرئيس المنتخب بجميع وعوده لممثلي القوى الوطنية التى أيّدته تحاشياً لفوز مرشح النظام الساقط، بمجرد إعلان فوزه.
ولعل الإصرار على تكوين الجمعية التأسيسية على هوى الإسلام السياسي من أكثر ما أوقع الانتقال الديمقراطي فى مصر فى حالة التخبط الطويل والارتباك الشديد، ورغم حكم القضاء بإلغاء تشكيلها الأول ولجوء أطراف كثيرة إلى القضاء اعتراضاً على تشكيلها التالي سارعت جمعية تأسيسية شكّلها الإسلام السياسي إلى سلق مشروع دستور، بينما تتالت الانسحابات من الجمعية اعتراضاً على أساليب عملها التى تحكّم فيها الإسلام السياسى وعلى مضمون المشروع الناتج، ما شكّل فضيحة بكل المقاييس، حيث لم يحظَ المشروع الذى اختُطف فى جلسة ماراثونية امتدت طوال الليل بالتوافق المجتمعى الذى يضمن له القبول والدوام. ولكن اطمأن بعض السذّج لوعد الرئيس الحاكم بأنه لن يحيل المشروع للاستفتاء الشعبي إلا بعد ضمان التوافق المجتمعى عليه. ولكن خاب ظنهم فى هذا كما فى غيره من الوعود الجوفاء، فقد دعا الرئيس للاستفتاء الشعبي على المشروع المختلف عليه فى ليلة تسلمه وبعد سويعات قليلة.
ولعل أخطر ما اختُطف هو السلطة التأسيسية لرئيس السلطة التنفيذية والإعلانات الدستورية المعيبة التى ترتبت عليها.
على الرغم من أن رأس السلطة التنفيذية لا يمتلك سلطة التأسيس التشريعي فقد زين له شياطين الاختطاف وبعض مستشارى السوء أن يختطف سلطة التشريع لنفسه بقرار منفرد منعدم قانوناً وأن يُصدر إعلانات دستورية. والأدهى أن هذه الإعلانات انطوت على إخلال جسيم بمبدأ الحكم الديمقراطى السليم بالفصل بين السلطات، حيث جمع الرئيس وقتها، بقرار منفرد منه، بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقوّض إعلانٌ دستوري منعدم هو الآخر سيادة القانون واستقلال القضاء من خلال عزل النائب العام وتحصين قرارات الرئيس السابقة واللاحقة من المساءلة، ما يشكل حنثاً بقسمه باسم الله العظيم باحترام تلك السيادة وذلك الاستقلال.
وحتى لا يطول المقال كثيراً نورد فيما يلى قائمة مختصرة بالمختطفات الأخرى والتى تقدمت عنها إشارات سريعة فيما سبق: مشروع الدستور، عرض مشروع الدستور للاستفتاء الشعبى، الاستفتاء على مشروع الدستور، قانون انتخابات مجلس النواب، موعد انتخابات مجلس النواب، واستعجال الرئيس فى إصدار قرار بقانون بناء على رد مجلس الشورى على اعتراض المحكمة الدستورية على قانون الانتخابات والدعوة لانتخاب مجلس النواب، والذى استدعى قرار القضاء الإداري الأخير بإيقاف نفاذ دعوة الرئيس للمواطنين لانتخاب مجلس النواب.
ومع ذلك ما زالت سلطة الإسلام السياسي تقوم باستعدادات محمومة لانتخابات مجلس النواب الجديد على الرغم من الأزمة السياسية الطاحنة الممسكة بخناق البلد والتى يجب أن تعد سبباً لتأجيل أى انتخابات. ولكنه داء الاختطاف يا صديقى!
ولكن بماذا ستنفع الإخوان الخطافين السيطرة على مجلس النواب القادم وقد بدت علامات نهاية حكمهم، جزاء وفاقاً على فشلهم الذريع، جوراً وقهراً، عندما تسنموا السلطة؟
والأرجح أن ستقل أكثرية الإخوان المتأسلمين فيه. وإن ظلت لتيار الإسلام السياسي أغلبية فيه فقد ترجح كفة الأحزاب السلفية والإسلامية المعتدلة الأخرى على كفة الإخوان.
خطف المغانم كمنهج لتيار الإسلام السياسي
أخبار متعلقة