الكتابة عندي كيف، ولا أتقاضى أجرا أو مكافأة عن المقالات وخصوصا مقالات الرّأي الّتي انشرها في الصحافة التونسية بالخصوص... والمهم عندي، أنّني من خلال هذه المقالات «أتنفّس» وأبدي رأيي في عديد المسائل وأعبّر عن موقفي... والى حد اليوم، لم التزم رسميا، بالكتابة أسبوعيا بمقابل مع أي صحيفة تونسية أو عربية ... ولذلك فأنني أكتب متى حضر «الكيف» أمّا إذا غاب هذا «الكيف» فانّ القلم يجفّ وتضيع منّي الأفكار واجد نفسي عاجزا عن كتابة ولو فقرة واحدة...
ويحدث أحيانا أن ابسط أمامي الورقة وأتناول القلم، ولكن الفكرة تضيع ولا تحضر... فتجدني أكتب ثم اشطب ما أكتب ... ويحدث معي العكس أيضا ... فأحيانا كثيرة ما أن أبسط الورقة حتى أجد المقال متكاملا في ذهني ولا انتهي من الكتابة إلا عندما أكتب آخر كلمة فيه بدون توقّف...
وكما يقول صديقي وأخي صالح الحاجّة فالكتابة فروسية قبل أن تكون أي شيء آخر ... وهذا الفارس، مطلوب منه أن يشيخ من «الشيخة» أي «التفرهيدة»... القارئ ويعمل معاه كيف...
أن الّذين يكتبون كثّر... ولكن الّذين يعملون كيف عددهم قليل.
فما أكثر الّذين يكتبون !!!
وما أقلّ الّذين يعملون (كيف) للقارئ، وكتابتهم تشيخ القارئ... وتنتقل به من طور إلى طور... وتجعله يعانق السماء، وينسى هموم الدنيا...
لذلك منذ أن بدأت أكتب في الصحافة سواء التونسية أو العربية، وضعت دائما نصب عيني هذه القاعدة الذهبية، الكتابة كيف وفن وفروسية... وليست ترتيبة كلمات أو جمل.
وعلى سبيل المثال، فأنا شخصيا كاتب تشيخني «فكرة» مصطفى أمين، واذكر إنني عندما سافرت إلى لبنان وجدت في أحدى المكتبات في بيروت عدّة كتب لمصطفى أمين تحتوي على مقالاته التي كان ينشرها ضمن ركن فكرة بجريدة «أخبار اليوم» اقتنيتها كلّها مثل « من فكرة لفكرة» و «مانة فكرة وفكرة» و «صاحبة الجلالة في الزنزانة» ورسائله من السجن...
وعندما كنّا شبابا، كنّا نتقاسم أنا وزميلين لي في المعهد ثمن جريدة الأهرام، وخاصّة عدد الجمعة لقراءة مقال العملاق محمّد حسنين هيكل» الّذي كان ينشره كلّ يوم جمعة تحت عنوان بصراحة...كما كانت تشيّخني في تونس كتابات الأستاذ الكبير صلاح الدّين بن حميدة في جريدة العمل في ركن مع الأيّام، والشاذلي زوكار في تأمّلات وافتتاحيات العملاق الهادي العبيدي في الصباح ولا أعتقد أن تونسيا واحدا لم يكن معجبا ببطاقة الزّميل صالح الحاجّة في الصباح خاصّة على امتداد سنوات عديدة...
إنني أقرأ يوميا لكبار الكتاب العرب سواء في الصحافة الورقية أو الصحافة الالكترونية. ولكن الكتابات الّتي تحدث في نفسي رجّة، حتّى إنني أتمنى أن أكون أنا كاتب ذلك المقال قليلة...
هناك أصدقاء يكتبون بشكل يومي، وأنا أحييهم على هذا الجهد، فليس من السهل أن تلتزم بالكتابة يوميا... لأنّ الكتابة اليومية تستنزف طاقات صاحبها ... الفكرية والبدنية.
الكتابة اليومية والأسبوعية، هي نوع من الجهاد ودعوني من الآن اسمّيها جهاد الفكر.. ما دامت أصبحت لنا تصنيفات للجهاد على غرار جهاد التحرير وجهاد التنوير وأخيرا أصبح لنا جهاد جديد هو جهاد النكاح بالنسبة للفتيات والنساء (على الأراضي السورية) وأنعم به من جهاد !!!
ويبدو أنّنا، والوضع على ما هو عليه، في الوطن العربي يبعث على القرف والخوف من المستقبل، في اشدّ الحاجة إلى جهاد الفكر، قبل جهاد النكاح أو أي جهاد آخر.
جهاد الفكر قبل جهاد النكاح
أخبار متعلقة