الرجل يريدنى أن أتوقف عن انتقاد الرئيس وجماعة الإخوان لأن «المشروع الإسلامي على المحك» هكذا قال!
سألته مبتسما سؤال المعتاد على هذا النمط المستفز من الخلط بين المفاهيم: «وأين هو المشروع؟» فتلعثم الرجل ــ وأنا مشفقٌ عليه والله ــ وقال: أقصد أن التيار الإسلامى على المحك كررت عليه المشروع تقصد أم التيار؟ «فقال مستسلما «لا فارق بينهما»!
قلت بل الفارق بينهما فى اتساعه يفوق ما بين السماء والأرض، لكنها للأسف تربية ٌمشوهة غرست فى قلوب أبنائها أنهم هم الإسلام ذاته، فجعلتهم بتلقائيةٍ غير مصطنعة ينظرون لبقية الناس دونهم نظرة المحتقر الذى لا يصدق أن خيرا للإسلام يمكن أن يتحقق على يد غيره، فيطمأئن نفسه قائلا: « لو كان خيرا ما سبقونا إليه».
تصور أن الأفراد لا فارق بينهم وبين المنهج؛ وتوهم أن انتقاد الخطأ ــ ولو بصورةٍ علنية ــ طعنٌ فى المشروع الإسلامى ذاته، واعتقاد أن كل ما يخرج من قيادات الحركة صوابٌ لا مرية فيه؛ كلها خصال تبيح تأويل الأخطاء وتبريرها بدلا من اعتماد فضيلة النقد الذاتى والاستفادة من الأخطاء للانتقال خطوة على منحنى التعلم.
عمر انتقد إصرار أبي بكرٍ على الدفع بخالد بن الوليد إلى صفوف القيادة العليا وقال: «يا أبا بكر إن فى سيف خالد رهقا، وإن هذا لم يكن حقا، فإن حقا عليك أن تقيده»، فسكت أبوبكر ولم يعقب.
وأبو ذر انتقد بعض سياسات عثمان بن عفان الاقتصادية لو جاز لنا التعبير، ورغم أنه خالف إجماع الصحابة إلا أن أحدا لم يتهمه فى دينه.
أما عمر فرغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال فى حقه: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».
وقال «لو كان بعدى نبي لكان عمر» وقال «إنك ما سلكت فجا إلا وسلك الشيطان فجا آخر» وكلها شهادات لو قيل نصفها لواحدٍ منا لما أطاق أن يراجعه أحد ٌ أو يصحح له خطأ ؛ ومع ذلك فإن ما تربى عليه أبو عبيدة دفعه لمراجعة عمر غير آبهٍ بكل هذا قائلا : «أفرارا من قدر الله؟» ينتقد بذلك قرارا سياسيا لعمر بن الخطاب؛ قبل أن يكتشفا سويا أن حديثا نبويا سابقا قد حسم المسألة.
تخشى من شماتة أعدائك حينما ينتقدك من هو أقرب الناس إليك؟ إذن بماذا تفسر نزول عشر آيات سورة النساء تبري يهوديا وتتهم بيتا كاملا من بيوت الأنصار فى وقت اشتداد وطأة اليهود والمنافقين على الدعوة الإسلامية؟..استقم وأدر البلاد على الطريقة المثلى ولا تُعر الشامتين انتباهك.
لم نتفق مع شعبنا على أن نسكت إن وجدنا أخطاء واضحة لا تقبل التأويل، لم يتابعنا الناس ويقبلوا باختيارنا.
لنجامل من نشاء ونشتد على من نشاء، بل عاهدناهم أن نقول الحق ولو على أنفسنا، والمسلمون ــ كما فى الحديث ــ على شروطهم.
أفق من وهمِ أنك أنت الإسلام، فحالة التماهي بين الأشخاص مهما علا قدرهم فى نظرك وبين المنهج الصافي المعصوم أمرٌ شديد الخطورة على مشروعك نفسه، وإحساسك أن شعب مصر بأكمله فريق وأنا وأنت نمثل فريقا آخر هو إحساسٌ فاسد يخالف ثوابت الدعوة التى درجنا عليها.
كنت وأحرص على أن أظل ما حييت مدافعا عن الشريعة كما فهمها الرعيل الأول من الصحابة، لكني أرفض لنفسى ولكل من أحبهم التحول إلى آلة دفاعٍ عن أشخاصٍ يصيبون ويخطئون بدلا من دفاعي عن الإسلام نفسه!
سأنتقدك لأنك لست الإسلام
أخبار متعلقة