جميلة هي التفاعلات التي اعقبت التغيير في مجتمعنا اليمني، خاصة تلك المتعلقة بمطالب حقوقية، كونها تبين أن المجتمع بدأ يعي أن مطالباته ينبغي ان تصل للحكومة، ويجب على الحكومة بدورها التعاطي الايجابي معها، طالما وأنها حقوق مشروعة كفلها دستور البلاد.
وهنا يجب علينا ان نفرق بين مطالب حقوقية تحت مظلة وطن واحد، ومطالب بإيجاد وطن لكل مُطالب، فما يمكن تفهمه ان نطالب بالتغيير في إطار وطن، لا ان نطالب بتغيير الوطن نفسه.. والتطرق لهذا الموضوع جاء بعد مناداة البعض غير المنطقية بأن تتحول الحارة الفلانية الى إقليم، أو المديرية العلانية الى محافظة، أو المحافظة ... الى دولة.
كيف لنا ان ننادي برفع الظلم عنا كشريحة مظلومة، في حين نريد ان نظلم غيرنا، وقد يكونون أكثر منا، بل وأشد تعاسة في أوضاعهم، ومع هذا لم يخرجوا لينادوا بالإقليم أو الدولة.. وهنا علينا ان نجنب الوطن تجاذباتنا السياسية، وأن ننأى به عن الصراعات الحزبية، فالوطن باق فيما نحن زائلون، وسيأتي بعدنا من يلعن اي خطوة تقود الى التمزق والشتات.
ان مشروع انشاء الاقاليم أصبح قضية مطروحة للنقاش، على اساس الاستفادة من الثروات، والغاء المركزية المفرطة التي ادت بالبلاد الى السوء الذي نعيش فيه.. ولكن كيف يكون توزيع الأقاليم؟ هل على أساس البلد الواحد (الجمهورية اليمنية)؟ ام على اساس شطري (شمال و جنوب)؟ ام على اساس سكاني (كثافة المواطنين)؟ ام على اساس جغرافي؟.
ان اتجاهنا نحو انشاء الاقاليم ينبغي ألا يجعلنا نخطو خطوة تقودنا بدون ان نشعر الى تكريس الانفصال كحل أخير.. فقد يكون حل الاقاليم مقدمة ليس لانفصال الجنوب فقط، بل لانفصال كل اقليم عن الدولة المركزية، خاصة اذا كان يمتلك منافذ بحرية أو برية، ولنا عبرة مما حدث في السودان الشقيق.
ان ضعف الدولة المركزية سيسهم بلا ريب في ان تتجه الاقاليم نحو المطالبة بالانفصال، وقد نجد أنفسنا في دويلات عديدة في فترة زمنية قصيرة، ولهذا ينبغي ألا يرتكز تقسيم الاقاليم على اسس مناطقية أو مذهبية، أو لاعتبارات تضر بالوحدة الوطنية.. فحينها لن نعود الى ما قبل سنة 1990م، اي الى شطرين، بل سنشهد ما قد لايخطر الآن على بال أحدنا اطلاقاً.
دعوة نوجهها الى جميع الخيرين في هذا الوطن أن يجعلوا مطالبهم الحقوقية -التي ينبغي ان تلبيها الحكومة- تحت مظلة وطننا الكبير، فلا عزة لنا إلا بوحدتنا فقط، وان يغلبوا مصلحة الجميع على مصلحة القلة، فيد الله مع الجماعة، ومثل الذين في السفينة، ان خرقها احدنا غرق وغرقنا معه، وان سلمت سلم وسلمنا جميعا.
علينا جميعا ان ندخل الحوار الوطني فاتحين الآمال على تحقيق ما يؤلف بيننا، ففرصتنا هذه من الصعب ان تتكرر من جديد، ولا ضير من اننا تأخرنا حتى وصلنا اليها، وثمنها غالٍ لأننا قدمنا ارواحا غالية، نسأل الله العلي القدير ان يتغمدها بواسع رحمته، وان يبلغ الوطن كل خير، وان يكون الوطن لكل مواطن، لا ان يكون كل مواطن له وطن.
أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
وطن لكل مواطن!!
أخبار متعلقة