زيارة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي لعدن بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها مؤخراً وكادت إفرازات تداعياتها أن تؤدي إلى تأجيج فتنة يصعب إطفاء حرائقها كونها نابعة في أفعالها من ثقافة الكراهية التي يحاول البعض تأجيجها بصورة أكبر وأوسع بهدف يتجاوز إعاقة الحوار ونسف التسوية السياسية وتدمير اليمن بحيث لا تبقى أية خيارات للحلول والمعالجات للخروج من تعقيدات الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الذي يعيشه هذا البلد, ويكون الخيار الوحيد هو الذهاب إلى الصراعات والاحتراب الأهلي الذي سيتوالد عنقودياً فيؤدي إلى التمزق والتشظي المتجاوز حتى لمشاريع القوى المسئولة عن تلك الأحداث التي شهدتها عدن والجنوب, وهذه الحقيقة هي واحدة من الأسباب الأساسية لزيارة رئيس الجمهورية لعدن ليكون لها أثر إيجابي في تهدئة الأوضاع المحتقنة, لكنها لم تستطع إطفاء نارها, لأن اللقاءات والخطابات والأحاديث والوعود غير كافية حتى للعودة إلى ما قبل 21فبراير 2013,ما لم تكن هناك أعمال ملموسة على الأرض تعكس جدية في التعاطي مع القضية الجنوبية بكل تعقيداتها , وبالتالي مع كل قضايا الوطن اليمني وهذا يتطلب الابتعاد عن سياسة خلط الأوراق وإعادة ترتيبها على نحو يؤدي إلى تدوير زواياها باتجاهات معدة مسبقاً وفقاً لرغبات تتعارض مع حقيقة واقع الأمور.
بطبيعة الحال الجميع ينتظر من زيارة الرئيس لعدن حلحلة حقيقية لقضية الجنوب في تجسيداتها المتراكمة من الفترة التي تلت حرب صيف 94م وحتى اليوم وبمرور الوقت كانت تزداد تعقيداً لأن السلطة المهيمنة بعد تلك الحرب المشئومة كانت تعمل على رفض توجهات الحلول الجدية باستخدام المهدئات والمسكنات مراهنة على أساليبها المجربة لفترة طويلة في الشمال, ونعني تحقيق الهيمنة عبر ركائز مناطقية من المشايخ والأعيان والمسئولين المنتمين لتلك المناطق والمحافظات, ومثل هذا لا يتناسب مع الوعي المدني لأبناء الجنوب, مع أن حل المشاكل كان بسيطاً وعلى سبيل المثال حل قضية العسكريين والمدنيين المبعدين والمقصيين والمهمشين والمتقاعدين قسرياً, وكذا قضايا نهب الأراضي وفرض موظفين حكوميين لاسيما في المناصب العليا, والمسئوليات المرتبطة بقضايا الناس وفقاً للولاء وليس الكفاءة والخبرة, بطبيعة المجتمع الذي أعتاد دولة لها مؤسساتها ترعى مصالحه ويحتكم إليها وتنصفه متى ما تعرض إلى أي شكل من أشكال الظلم, لكن الأوضاع سارت باتجاه معاكس وعمقت شعور أن ما هو قائم ليس الوحدة التي طالما أرادها الجنوبيون وناضلوا من اجلها وإنما هي ضم وإلحاق يأخذ صورة الحروب القبلية القديمة التي كانت فيها القبيلة المنتصرة تفرض هيمنتها على المهزومين وعليهم أن يخضعوا لتلك الهيمنة والتي لم يعد لها وجود في زماننا هذا .
خلاصة القول إن نجاح رئيس الجمهورية في إقناع الجنوبيين بأن ما قبل 11 فبراير 2011م ليس مثل الذي بعده, وأن هناك توجهاً جديداً يُعمل لإيجاد صيغة جديدة لبناء اليمن ودولته القائمة على النظام والقانون والمواطنة المتساوية, عادلة وقادرة على تحقيق العدالة التي ستعيد الأمور إلى نصابها, تنبثق من مؤتمر حوار وطني نتائجه تعبر عن حلول حقيقية لكل القضايا الوطنية السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية, وفي هذا المنحى يأتي النظام الفيدرالي الذي أشار إليه رئيس الجمهورية في أحد لقاءاته بعدن, أي أن هذه الحلول تتجاوز باليمنيين الماضي إلى مستقبل مغاير يبني اليمن الجديد الذي طالما تطلع إليه شعبه طوال مسيرة نضالات تاريخه المعاصر.
القضية الجنوبية تحدد مستقبل اليمن!!
أخبار متعلقة