سريعا تبدلت لهجتهم وجلودهم وارتدوا ملابس الديكتاتور. ولكنها بالتأكيد ملابس شفافة عارية. فالشعب المصري الذي قام بثورته الشعبية المجيدة قبل عامين، وأطاح بديكتاتور طالَ تجبره، لم يعد ليقبل أن يكذب عليه أو يخدعه أحد، حتى لو كان ممن يسعون لاستغلال الدين واحتكار الحديث باسمه.تخلصنا من ديكتاتورية فاسدة، لا لنقبل بدولة سلطوية تحكم باسم فهمها هي للدين، والذي تسعى لفرضه قمعا على الجميع، ولا تراعى مصالح الغالبية العظمى من فقراء المصريين.
هي السلطة بكل ما فيها من غواية ومزايا، لا شك. ولكنهم كانوا يقولون إنهم مختلفون، ومنحوا أنفسهم صفة «المسلمين» كأن من عداهم ليسوا من المسلمين. كانوا ملوكا في المسكنة وإظهار الطيبة وسرد الحكاوي عن تاريخهم الطويل الذي عانوا فيه من الاضطهاد. ولكن فور أن تمكنوا، ظهر وجههم الحقيقي الذي طالما حذر منه كثيرون، بل وبدؤوا في استخدام نفس اللغة والحجج التي كان يستخدمها النظام الديكتاتوري السابق، وأسوأ بكثير.
الإخوان لا يعرفون شيئا اسمه الديمقراطية. هي ليست في ثقافتهم ولا يعترفون بها. فقط معنا أو ضدنا، والأهم من الوطن ومن كل شيء آخر، هو الانتماء للمشروع الإخواني الأوسع وللعشيرة الإخوانية. والأسوأ، وباستغلال سلاح الذي يسعون لاحتكاره، يصبح من هو ضدهم كافرا، وخارجا عن الدين، وليس مجرد اختلاف فى الفكر والرأي. إذا نفدت حججهم الواهية، يشهرون سلاحهم الذين كانوا يعتقدون أنه باترا، ولكن لم يعد يقبله غالبية المصريين بعد أن أدركوا كذبهم، وهو أن من يعاديهم، يعادي الدين وما يسمونه بمشروعهم الإسلامي.
البلد يغلى، اقتصادها منهار، كوارثها لا تنتهي، غياب للشعور بالأمن، فوضى، انقسام غير مسبوق وصل بفضل ميليشيات جماعة الإخوان المسلمين إلى حد الحرب الأهلية كما ظهر في أحداث «الاتحادية»، ودستور مشوه يحتوى قيودا على كل الحريات لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الحديث وفقا لما صرح به أحد من قاموا بكتابته، قضاء محاصر، إعلام مهدد، كل ذلك ويخرج علينا الرئيس محمد مرسي وكبار قادة مكتب الإرشاد ومتحدثو جماعة الإخوان المسلمين بابتسامات عريضة زائفة، وحديث عن أن الأمور تتجه إلى الاستقرار، فقط لو قبل الآخرون التعاون معهم، كأنهم ليسوا المسؤولين عن كل ما نحن فيه من انهيار. بالنسبة إليهم «الجو بديع»، طبعا ببركات مرشدنا الأعلى ورئيسنا الفعلي الذي لم ننتخبه، السيد محمد بديع.
والأنكى هو دعواتهم الدائمة «بتجاوز الماضي» كأن هذا الماضي قد فات عليه دهور. نحن نتحدث عن مهزلة إقرار لدستور لم يمض على إعلان نتيجته أربعة أسابيع، وسط أدنى مشاركة شعبية في عمليات اقتراع عام منذ الإطاحة بالمخلوع قبل عامين، ومخالفات وانتهاكات عديدة وصلت أحيانا إلى حد التزوير الواضح، وحفلات تعذيب للمواطنين في أثناء وقوفهم لساعات طويلة في طوابير لا تنتهي بسبب قيام اللجنة العليا بضم اللجان في ضوء نقص واضح في عدد القضاة، وإصرار الإخوان وحلفائهم من السلفيين على إقرار الدستور بأي شكل من الأشكال، ومهما كانت المعوقات. كأنه لم تكن تكفينا المسرحية الهزلية لإقرار الدستور في الجمعية التأسيسية التي لم يبقَ فيها سوى ممثلي الإخوان ومن تحالف معهم.
كما نتحدث عن جريمة سالت فيها دماء المصريين، بل جرائم كثيرة لم تبرد بعد ولم يمض عليها أيضا أسابيع. يريدوننا أن ننسى سريعا ونتجاوز ليلة الأربعاء الدامية أمام قصر الاتحادية في 5 ديسمبر 2012، أي قبل شهر ونصف، ولا يخجلون من القول بابتسامة صفراء قميئة «لنتجاوز الماضي». يريدوننا أن نتجاهل مطلبنا الواضح بتحقيق حقيقى فى هذه الأحداث وتعذيب المواطنين على أيدي ميليشيات جماعة الإخوان على أبواب قصر الرئاسة في مصر الجديدة، وتدخل الرئيس في عمل النائب العام، وتدخل النائب العام في عمل القضاة لقيامهم بإقرار الحق وإفراجهم عن متهمين أبرياء تم تعذيبهم على يد الميليشيات الإخوانية. نريد تحقيقا يطال الرئيس نفسه، لأن قصر الاتحادية مقر عمله في النهاية، ومعه أعضاء مكتب الإرشاد الذين دعوا أعضاء الجماعة إلى مهاجمة المعتصمين السلميين أمام القصر، وأعضاء ميليشيات الإخوان الذين أوسعوا المعارضين ضربا بكل أنواع الأسلحة، وأطباء الإخوان الذين رفضوا معالجة الشباب الذين كانت دماؤهم تسيل أمام باب قصر الاتحادية، فقط لأنهم من معارضي الرئيس مرسى، وبناء على أوامر من المرشد البديع، محمد بديع، كما أشارت تقارير عدة لمنظمات حقوق الإنسان.
كما يريدون منا أن ننسى مأساة أطفالنا الخمسين الذين تناثرت أشلاؤهم على قضبان القطار في حادثة أسيوط، حتى لو كان قد لحق بهم مباشرة مقتل 19 من خيرة شبابنا من أبناء الفقراء في حادثة قطار البدرشين. يريدون منا أن ننسى كذبهم بأن رئيسنا المنتخب قد حقق 70 في المئة من وعود المائة يوم الأولى التى تعهد بها فى حملته الانتخابية، وأن مشكلات القمامة والخبز والبنزين والبوتاجاز والمرور قد أصبحت أفضل حالا كأنهم يعيشون في بلد آخر غير تلك التي نعيش فيها.
بعد كل ذلك، يريدون منا أن نصدق أنهم يحبون هذا الوطن، وأن حملتهم الشعبية التي أعلنوا عنها مؤخرا لزرع الشجر وتنظيف الشوارع بمناسبة بدء العام الثالث من ثورة 25 يناير المجيدة هي لله والوطن، وليست بداية معتادة لحملاتهم الانتخابية التي اعتادوا فيه محاولة شراء الذمم. ولكن الكذب عمره قصير، والواقع يفضح كل مزاعمهم التي اختاروا للخروج منها الطريق السهل الغبي الذي تلجأ إليه كل النظام الديكتاتورية الفاشلة: اتهام معارضيهم بأنهم متآمرون، حقودون، يتلقون الأموال من الخارج وينفذون أجندات أجنبية، بل وفى إطار الكوميديا السوداء التي نعيشها، أنهم يخططون لخطف الرئيس والانقلاب عليه.
أنتم المسؤولون عن فشلكم أيها السادة (لا يوجد سيدات) قادة جماعة الإخوان المسلمين وممثلهم في قصر الرئاسة محمد مرسى، والسبب غواية السلطة، والتمسك بمشروعكم الخاص على حساب الوطن، والتقليل من شأن معارضيكم، وقناعتكم التي لا تهتز أنكم دائما على صواب. جاءتكم فرصة على طبق من ذهب لكي تثبتوا كفاءتكم وجدارتكم وأن لديكم مشروعا تسعون لتطبيقه. ولكنكم أضعتم كل ذلك، ولم يعد الشعب المصري ليقبل كذبكم. الثورة مستمرة في عامها الثالث.
كاتب مصري
الجو «بديع» في الدولة الإخوانية
أخبار متعلقة