هل علينا عيد الأضحى ، أو لنقل إنه هجم علينا مثل انطلاقة قطار سريعة إلى المحطة، وأخل بتوازننا وحاصرتنا كل المتطلبات حتى في حدودها الدنيا المرتب بسرعة طار .. مثلما تخربت زنجبار .. على أيدي التتار، ولحق بها العار في عز النهار.
محطة القهر الأولى الديون العاجلة التي برمجت بشيء من الإحراج بتسليم نصف وتأخير النصف الآخر إلى الشهر القادم، واحتمال تكشيرات أصحابها، وبعدها المطالب المتوسطة والسهلة للعيد.
كبش العيد .. المشكلة الأولى التي واجهتني وقد عودت أسرتي على توفير الأضحية حتى في أحلك الظروف .. حد أن أتكلف لكن هذه المرة ..” شكل ثاني” الكبش صار عندي معضلة ومنذ أسبوع قبيل المرتب، وأنا أفكر وأتخايل هذا الكبش العنود متمنياً أن يجود. ورغم معرفتي أن هناك فتوى واضحة للدكتور والداعية عائض القرني تقول: إن من كان غير قادر أو عليه ديون .. يسقط عنه إلزام الأضحية، لكن صعب علي، قسمت المرتب قسمين: قسم لباهي الجبين، وآخر لحاجيات الأنين .. المتطلبات العيدية في مستواها المتوسط مبرراً لنفسي: لابد أن نعيش فرحة العيد .. لابد أن تبتهج كل الأسرة، وبعدها با يحلها ألف حلال:
لو زمانك جار بكره با يلين
أصبر ويا ما ناس مثلك صابرين
لابد ما تفرج ويحلها ألف حلال
لله درك يا محمد سعد عبدالله .. دائماً تفرض حضورك الجميل علينا وفينا .. نعم فرحة العيد لن أسلبها أولادي.. كنت أذهب إلى سوق الغنم وأرجع بدون .. إلى أن استغللت عصرية آخر يوم، وابتعته وأمسكت به (زقرة أعمى في الظلمة) وعدت مفتخراًَ مزهواً كما لو كان معي كأس العالم، أو تاج الملكة إليزابيث .. ثغاؤه الجميل أبهجني وأسعد أولادي، وتخيلته ساعتها نغماً أفضل من صوت فيصل علوي الذي أحب، بل هممت أن أستخدم ثغاءه المحبب نغمة لجوالي طوال أيام العيد لولا أن راجعني الأولاد.
وأنا أقوده كنت أحس أن ثمة نظرات من الجيران تستطلعني، وكان أكثرهم موسرين وعملت نفسي غير منتبه، وتعمدت أن أبطئ في خطواتي، وعادتي الإسراع، لأستمتع أكثر، وليراني أكبر عدد .. صدقوني ما ناقص إلا أن أتصور مع الكبش في الشارع.. ز تذكارية ربما لن تتكرر في قادم الأعياد، وأعلل نفسي قائلاً لها: الحمد لله .. الخطوة الأولى تحطيم خط (بارليف) والعبور إلى أقرب مرافئ العيد، وتبقى الخطوات التالية: كلها تقرح فيها فلوس، ألف ينطح ألف، ولا عزاء للاعتذار، ومثلما يقولون: اليمن أولاً، في اللحظة ذاتها عندي .. العيد أولاً. ثمة أمواج قهر وألم تتحرك في خلايا جسدي وأشعر بها تتبدد عندما أرى ابتسامة هنا وألمس ارتياحاً هناك.
في مثل تلك المواقف المحزنة .. تمثلت بشجاعة وصلابة أبي القاسم الشابي الذي وصف نفسه كالنسر فوق القمة الشماء .. ينظر هازئاً إلى الحثالات التي تحاول وتجتهد لتدميره بما يشبه الاغتيال المعنوي، أو الموت البطيء (بالمناسبة مات شاعر تونس بمرض القلب عن أقل من ستة وعشرين عاماً) وحالة الصمود القوة والصعود والسمو .. هذه هي حالة كل مبدع أصيل، ووطني غيور، ومثقف صادق مع نفسه، وشجاع في مهاجمة أوكار الفساد المنظم.
دع أبواق النفاق تعيش وتقتات .. ولو على حساب جهودك وعطاءاتك التي يعرفها من بالخارج قبل الداخل، فالكل يتابع ومن لا يتابع .. يسمع من المتابعين والمهتمين، ويحلل ويحترم الطرح الصادق .. ثم الثقة كل الثقة بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
علوا الأناشيد، وأكثروا من الزغاريد، اليوم ذا .. يوم عيد، والفرحة فرحتنا، والليلة ليلتنا كما غنى العدني الراحل عبدالرحمن باجنيد .. في أقل من دقائق .. طردت من منزلي، سحب التشاؤم والضيق والإحساس الأليم بالظلم من... بمن فيهم بعض العقارب أقصد الأقارب وظلم ذوي القربى.. تعدل المزاج وشرعت مظاهر الفرحة تشق طريقها في جنبات الدار.. ربما جرفني السرد لإيغال المعاناة في الوجدان، وأعود والعود أحمد.. حركة كثيرة محببة في المنزل، أتفاعل مع علي الآنسي في رائعته التي لن تتكرر (أضحك على الأيام)، وأسرح معه في أجواء المتعة والجمال والانفعال الحقيقي بقوة حب الحياة حينما يصدح بصوته الرخيم:
اضحك على الأيام
وابرد من الأوهام
وامرح مع الأنغام
وافرح بهذا العيد
أنستنا العيد
سلم على أحبابك
اهلك وأصحابك
وكل من عابك
مبروك عليك العيد
آنستنا ياعيد
عدوك اضحك له وأن كان عديم دله
ومن حنق قل له مش وقت يا أخي عيد آنستنا ياعيد.
بدأت تقاريح الطماش، وظهور فلذات الكبد باللبس الجديد، والضحكات الحلوة البريئة وتهاني العناق الرقيقة، هاتوا الكيك وزعوا الشراب غير أن هناك شيئاً كدر مزاجي قليلاً.. ذبح ولدي الكبش في وسط السوق بـ2500 ريال هذا المبلغ مع المراعاة من الجزار كون أخيه ـ كما قال- صديقاً لابني أما الآخرون فيدفعون 3500 ريال وقد شاهدهم أمامه، ياالله! وصلنا إلى هذا الرقم الاستغلالي الجشع.. أقصى غلاء لايتعدى الألف في ماضي السنين أي سعار أصاب الجزار؟! هذا مؤشر على تصعيد قادم.
اتذكر مطربي الجميل محمد حمود الحارثي وهو يشدو:
ياليتني كنت فلاح
اغرس سفرجل وتفاح
واصدر البن أقداح
ومن وحي تفاعلات اللحظة.. وجدت نفسي اردد على اللحن ذاته:
ياليتني كنت جزار
باأرفق بالمسكين والجار
وأرسل الفرح مدرار
من الصباح للعشيه
يافرحتي بالرعيه
إنهم يريدونه عيد الكباش، وعيد الجزارين، ولا بارك الله لهم في هذا الاستغلال الجشع المتمادي، ومع ذلك لابد من الفرح وخلق الانتعاش البهيج، والنظر إلى المستقبل الواعد بالخير والجمال والنماء والتغيير والتعمير والتنوير.
لقطات
لاحدائق ،لا ألعاب في جعار.. تركنا أطفالنا يقرحون على راحتهم.. لم يزعجنا التقريح لأننا تعودنا على قذائف وصواريخ الجيش والقاعدة وعلى قول أبي الطيب: من قصد البحر استقل السواقيا.
صاحبي المدمن على أغاني العندليب الأسمر.. قلت له: كيف عشت فرحة العيد. رد ساخراً.. فاتت من جنبنا.
آخر الكلام
وقد يتمنى المرء ماليس عنده
وقد تسعف الإنسان يوماً مطالبه
وقد يبلغ الغر الجبان مراده
وقد تقتل العف الضمير رغائبه
وقد تسحق العقل السليم وشاية
وقد تقتل الإنسان يوماً مواهبه
د. أحمد علي الهمداني
تضحك عليك الأيام
أخبار متعلقة