تشهد حياتنا السياسية والثقافية منذ فترة ليست بالقصيرة جدلاً واسعاً حول محاولات بعض رجال الحرس الكهنوتي القديم إحياء دور الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى لجهة ممارسة الإرهاب الفكري والمعنوي ضد كل من يخالف آراءهم وتوجهاتهم، وتكفير وتفسيق كل من لا يعترف بوجود تفويض إلهي للفقهاء القديسين ورجال الدين (الربانيين) باحتكار تفسير النصوص، وحراسة الدين في الدنيا والدفاع عن حقوق الله.. وصولاً إلى البحث عن دور كهنوتي مفقود من خلال التظاهر بالقداسة الدينية، والزعم بتجسيد دور الوساطة بين الله في السماء وعباده في الأرض، إذ أنهم يعتبرون كل من يختلف معهم ولا يوافق آراءهم عدواً لله ورسول الله ومخالفاً للشريعة الإسلامية وداعيا للفاحشة!!
ولا ريب في أن آراء الفقهاء الأسلاف بشأن إباحة نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الطفلة الرضيعة وعدم مساواة دية المرأة القتيلة بدية الرجل القتيل، والافراط في مساواتها بالكلاب والحمير والنعاج والنوق والحيوانات (المركوبة)، لم تكن بعيدة عن تأثير موروث جاهلية ما قبل الاسلام، لجهة احتقار المرأة والحط من مكانتها.. كما أنها لم تمثل في الوقت نفسه إجماعا فقهيا، حيث خالف تلك الآراء عدد كبير من الفقهاء الأسلاف، وهو ما تكرر أيضا في الخلاف الذي دار بين الفقهاء الاسلاف حول الموقف من تحريم الغناء والموسيقى بما هو أحد أبرز أهداف الجماعات الارهابية التي تسعى الى طلبنة اليمن؟!!!
ومن نافل القول ان كتب الفقهاء الأسلاف تزخر بالكثير من الآراء ووجهات النظر الفقهية التي تعكس رواسب الثقافة الجاهلية المعادية للمرأة والمهينة لكرامتها، على الضد مما جاء به الاسلام في القرآن الكريم وجسدته السيرة النبوية المطهرة للرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام.. فقد ذكر الامام النووي في كتابه الشهير (روضة الطالبين صفحة 314 الجزء الخامس) انه يجوز تأجيل المنفعة من نكاح الطفلة الرضيعة بعد تزويجها من قبل وليها، فيما يجوز مفاخذتها دون تأجيل إذا اتفق الولي والزوج على ذلك بشرط ألا يطأها زوجها. ولم يكتف الامام النووي بهذه الإباحة، بل أنه ساوى بين ما أسماه (وقف) الطفلة الصغيرة بعد تزويجها وبين (وقف) العبد والجحش الصغيرين قائلاً: (وكما لا يشترط في العين الموقوفة حصول المنفعة والفائدة في الحال، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته، يجوز نكاح الصغيرة ومفاخذة الرضيعة).
ويقول النووي في شرح صحيح مسلم (9 /206): (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على فرج الصغيرة عمل به، كأن يقتصر الزوج على تقبيل ومفاخذة الرضيعة المعقود عليها شرعا إذا وافق الولي على ذلك، وإن اختلفا فقال الامام احمد وأبو عبيد: تجبر على النكاح بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة ان حد ذلك هو أن تطيق الزوجة الصغيرة الجماع ولا يضبط بسن).
وذهب بعضهم إلى إباحية أكثر من هذه بأن سمحوا للزوج أن يجامع الطفلة الصغيرة المعقود عليها إذا كانت قادرة على إحتمال الجماع حتى ولو لم تبلغ، كما يجوز للزوج أن يستمتع جنسياً بالطفلة التي عقد قرانه عليها بشرط ألا يطأها ويجامعها.. وبهذا قال الخرشي في (شرح المختصر باب النكاح): (أما قوله «وأمكن وطؤها» أي بلا حد سن بل يختلف باختلاف الأشخاص، ولا يشترط الاحتلام فيها كالرجل لأن من أطاقت الوطء وهي غير بالغة يحصل بها كمال اللذة).
من جانبهم يتفق فقهاء الشيعة الأسلاف مع فقهاء السنة الأسلاف حول هذا الموضوع كما هو الحال في رواية الشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) والشيخ الكليني في (روضة الكافي) عن الامام جعفر الصادق قوله (لايجوز وطء الرضيعة المزوجة قبل اكمال تسع سنين، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس والضم والتفخيذ بشهوة فلا بأس للزوج بها حتى في الرضيعة لأنها معقودة على زوجها شرعا وإن كان يحرم عليه وطؤها)!!!
والثابت ان الاساءة لكرامة الطفولة في حالة الأطفال الإناث، لا تنفصل عن تاريخ تحقير النساء في التراث الفقهي الاسلامي والمسيحي واليهودي والوثني، على النقيض من التكريم والتوقير اللذين منحهما الاسلام والأديان السماوية للمرأة. فقد صورت بعض كتب الحديث والتفاسير المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة، وساوت بين المرأة والكلب في قطع الصلاة. وبلغ الأمر عند القرطبي حد التعسف في تفسير الآية القرآنية (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) (ص 23)، حيث أوحى تفسيره في (الجامع لأحكام القرآن الكريم 172/15) ان المقصود هو تسع وتسعون إمرأة، منوها بأن (العرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة لما هي عليه من السكون والعجز وضعف الجانب. وقد يكنى عنها بالبقرة والحجرة والناقة لأن الكل مركوب)!!!!؟؟؟؟
وتأسيسا على هذا التراث الفقهي المهين لكرامة المرأة والذي وصفته الزميلة العزيزة توكل كرمان في العديد من مقالاتها ومداخلاتها بأنه يندرج ضمن محاولات بعض الفقهاء (أسلمة تراث أبي لهب)- حاول بعض المفكرين الاسلاميين المعاصرين ومن بينهم الدكتور عبدالحميد الانصاري عميد كلية الشريعة في جامعة قطر سابقاً اجراء دراسة محايدة لتجربة (طالبان) الفريدة في عدائها للحداثة والحضارة المعاصرة والعلاقات الدولية، بما في ذلك إفراط (طالبان) في اضطهاد المرأة وممارسة أقسى وابشع اشكال الإضطهاد والتمييز ضد النساء. وخلصت نتائج العديد من هذه الدراسات إلى أن الإفراط في التمييز ضد المرأة من قبل دولة (طالبان) لا يعود إلى سياسات وافكار ابتدعتها (طالبان)، وليس مقصوراً على قادتها والجماعات السلفية المتشددة والمعتدلة في آن واحد، بل هو موقف له جذوره العميقة في ثقافتنا وتراثنا الفقهي الملتبس بالدين، بدءاً من القرن الأول الهجري ووصولاً إلى نهاية القرن الخامس الهجري، حين تبلورت ثقافة متكاملة على يد إمام كبير هو أبو حامد الغزالي الذي قرر في الجزء الثاني من الباب العاشر من كتاب «إحياء علوم الدين» إن: (القول الجامع في المرأة أن تكون قاعدة في مقر بيتها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تخرج من بيتها، ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال، فإذا اضطرت للخروج باذن زوجها، خرجت خفية في هيئة رثة ).
ولم تسلم العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة من هذا التحقير حيث يمضي الغزالي قائلاً: (والنكاح نوع من الرق، فالزوجة كالجارية الرقيقة عند زوجها، وعليها طاعته مطلقاً، وعليها أن تقدم حقه وحق أقاربه على حقها وحق أقاربها، وعليها أن تكون مستعدة لزوجها في جميع أحوالها ليتمتع بها. والرجل هو السيد المطاع، لا يشاور المرأة، فإذا شاورها خالفها، لأن في خلافها بركة، وكيد النساء عظيم، وسوء الخلق وقلة العقل من صفاتهن، فعلى الرجل أن يكون حذراً من النساء. أما المرأة الصالحة فيهن، فهي كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب)!!؟؟؟.
ويستمر الامام الغزالي في إهانة المرأة، فهو يرى أن الاحتساب الى الله ضد مرتكبي الكبائر وبضمنها فاحشة الزنى واجب شرعي لا يستقيم الدين بدونه، وفي حالة استحالة تحقيق هذا الاحتساب بسبب عدم توفر الشهود الأربعة او سرية الفاحشة رغم وقوعها، فإن الواجب الشرعي في مثل هذه الحالة يقتضي أن يحتسب الزاني الى الله من الزانية سواء كان يزني معها برضاها، او مغتصباً لها بالإكراه.. وفي الحالين يجب على الزاني ان يحتسب الى الله من هذه الفاحشة بأن يطالب الزانية بستر وجهها أثناء ممارسة الزنى معها!! (نفس المصدر الجزء الثاني ص 400).. وهكذا يلقي فقه التشدد كل المسؤولية في جرائم الاغتصاب أو النكاح غير الشرعي على المرأة وحدها،حتى ولو كانت ضحية ومعتدىً عليها جنسياً!!
وقد شكلت هذه الثقافة المظلمة إطاراً مرجعياً لخصوصيتنا الثقافية في نهايات القرن الثامن الهجري عند الامام شمس الدين الذهبي الذي أصدر في كتابه الشهير «الكبائر» ص 203، فتواه المدوية التي ما زالت تداعياتها السلبية تلاحق المرأة حتى اليوم حيث قال: (صوت المرأة عورة، بل كلها عورة، ويجب حبسها في البيت حبساً مطلقاً، لأنها إذا خرجت يكون الشيطان بها وفيها ومعها)، وكذلك الحال بالنسبة للإمام ابن تيمية الذي وصف المرأة في (الفتاوى الكبرى) بأنها في مقام العبد، فكلاهما مملوك لغيره، العبد لسيده والمرأة لبعلها او أهلها .
وما من شك في أن هذه الافكار هي المرجعية الشرعية للجماعات الارهابية والمتطرفة، التي ترفض الاعتراف بحقوق المرأة السياسية والمدنية، وتصادر حقها في ممارسة الوظائف القيادية والإشرافية والسيادية في الدولة بحجة أن (الشريعة الاسلامية) لا تجيز الولاية العامة للمرأة، إلى درجة أن بعض هؤلاء المتشددين يعارضون ترشيح المرأة إلى الهيئات القيادية الحزبية أو عضوية البرلمان بحجة أن العمل الحزبي والعمل البرلماني يندرجان ضمن الولاية العامة التي ليس للمرأة حق فيها.
لا ريب في أن ما تقدم يؤشر على أننا أمام معضلة ثقافية بالدرجة الأولى التبست بالدين.. فموقف بعض الفقهاء القدامى المعادي للمرأة والفلسفة والعلوم الطبيعية والعقل هو موقف من نظام حياة متكامل جرى تقديمه على أنه هو الاسلام الحق.. كما أن الحرب الضارية التي شنتها هذه الثقافة ضد العقل، وتكفير كل من يجرؤ على تشغيل الوظيفة النقدية للتفكير، ويرفض اضفاء القداسة على النصوص الفقهية القديمة ورفعها إلى مرتبة المصادر المقدسة للعقيدة، لاريب في أن كل ذلك- بالإضافة الى أسباب وعوامل سياسية أخرى في مرحلة الحرب الباردة- ساعد هذه الافكار المتخلفة على الانتشار، إن مجرد إعمال العقل في النصوص وهو ما يحاربه التيار السلفي، كاف لإثبات حقيقة أن جانباً من هذه الثقافة السلفية يتعارض أساساً مع الدين نفسه.. ومع القرآن في المقدمة.
ولا نبالغ حين نقول ان فقهاء التشدد ومهندسي الأحكام المنغلقة والموروثة عن حقبة الانحطاط والتراجع التي تغلبت فيها البيئة البدوية والصحراوية على البيئة الحضرية، وسيطرت خلالها السلالات والعصبيات القبلية والشعوبية، والعناصرالبويهية والسلجوقية والطولونية والمملوكية والبربرية على مقاليد السياسة والحياة في المجتمع الإسلامي.. إن هؤلاء جميعاً خالفوا القرآن الكريم في الكثير من احكامهم الفقهية، والمدهش ان المتطرفين يتعاملون مع هذه الأحكام على أنها إحياء وصحوة لصحيح الدين!!
أي إحياء وأي صحوة لصحيح الدين يزعمون أنهم يقومون بهما؟.. وأين كلام هؤلاء الذين وصفوا المرأة بأقبح الصفات من قوله تعالى الذي قارب بين الرجل والمرأة في الحقوق والضعف والقوة بقوله: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر وانثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً) (النساء 124) وقوله تعالى (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) (الاحزاب 73) و(استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (محمد 19) وقوله تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) (الفتح 25).
لقد أهان المتطرفون المرأة من خلال تلك الأفكار التي روجوا لها، وحطوا بها من شأن المرأة فوصفوا النساء بأقبح الصفات، وحين تكرموا مع أفضل النساء لم يترددوا في وصف المرأة الصالحة منهن بأنها لاتعدو أن تكون أكثر من (غراب أعصم بين مائة غراب)!!!
لقد حذر بعض الفقهاء المتشددين كل الرجال من التشاور مع المرأة، ووصفوا صوتها بأنه عورة، ودعوا إلى حبسها في المنزل حبساً مطلقاً، وحذروا الرجل من التشاور معها، وألزموه بمخالفتها في كل شيء لان في خلافها بركة، فوضعوا الأساس الأول لاستبعاد المرأة من الحياة العامة، بعد أن حولوا المنزل إلى سجن مطلق لها دونه الشيطان الرجيم!!
أين هؤلاء وأين إحياؤهم لصحيح الدين من قوله تعالى على لسان فتاة: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) (القصص 26)، ففعل أبوها بمشورة ابنته، ولم يفكر بمخالفتها على طريقة بعض الفقهاء القدامى وأتباعهم المقلدين الذين يحذرون تلاميذهم من التشاور مع النساء، ويدعونهم الى ضرورة مخالفة المرأة في رأيها لأن في خلافها بركة!!؟؟
لماذا يصر هؤلاء على التقليل من مكانة المرأة وتنصيف ديتها والاستهانة بقدرتها على إبداء الرأي والمشورة ويجعلون من أنفسهم فوق القرآن الذي لم يكتف برفع مكانة المرأة الى المستوى الذي يتيح اشتراكها مع اخيها الرجل في المسؤوليات جميعها، بل احترم رأيها ورفع من شأنها وساوى بين رأيها ورأي الرجل سواء بسواء.. فاذا كان الاسلام يرفع من شأن آراء بعض الرجال، فقد رفع ايضا آراء بعض النساء, وفي سورة المجادلة، احترم الله جل وعلا رأي المرأة وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وجمعها وإياه في خطاب واحد قائلا: (والله يسمع تحاوركما)، ثم رجح رأيها الذي كان سببا في تشريع طلاق الظهار وكفارته في القرآن الكريم بعد هذا الحوار، وجعله تشريعاً عاماً وخالداً، فالاسلام لا يرى المرأة مجرد زوجة مأمورة وجارية رقيقة وحيوان مركوب عند السيد المطاع بحسب أفكار بعض الفقهاء القدامى، وانما هي مخلوق عاقل مفكر، له رأي، ولرأيها قيمته ووزنه.
كيف يمكن أن نلغي عقولنا لنصدق هؤلاء في تحقيرهم للمرأة ونكذب -معاذ الله- القرآن الكريم في قوله المحكم: (ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)، (النساء (124)، (فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (آل عمران 195).. وأين هؤلاء من قوله تعالى الذي قارب في المسؤولية والولاية بين الرجل والمرأة بقوله: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة 71)!؟ ومن قوله تعالى الذي ساوى بين الرجل والمرأة في التكليف والثواب والمغفرة (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً) (الأحزاب 35).. بل اين هم من قول رسول الله (النساء شقائق الرجال) وقول الخليفة الراشد والصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أصابت امرأة وأخطأ عمر) !!؟
إن من يقرأ مراجع الجماعات الارهابية والمتطرفة حول المرأة، سيكتشف المسافة الهائلة بين القرآن وبين هذه النصوص، وسيلاحظ كيف عطلت هذه النصوص عملية التغيير التي استهدف بها الاسلام استبدال قيم وثقافة الجاهلية بقيم القرآن وثقافة الإسلام. ويكفي من يقرأ نصوص مؤسسي ثقافة التشدد والانغلاق، ويستمع لأتباع اتباعهم في بعض منابر المساجد والشرائط الصوتية المنتشرة في كل مكان حول المرأة، ان يعود الى سيرة الجاهلية الأولى في الموقف من المرأة.
أليس من الطبيعي للذين يتأثرون بنصوص هذه الأفكار الجاهلية أن يخجلوا حين يبشرون بولادة أنثى إن احسن أبوها تربيتها فإنها لن تكون افضل من (غراب أعصم بين مائة غراب.. لأن سوء الخلق وقلة العقل من صفات النساء، وعلى الرجل ان يكون حذراً منهن) كما يقول موروثنا الفقهي بشقيه السني والشيعي!!؟؟.
ربما يحزن بعض الذين يرزقون ببنات طاهرات رضيعات، وقد يدفعهم حزنهم الى عدم التردد في التخلص منهن وبيعهن كسلع رخيصة للمتعة الجنسية تحت مسمى الزواج الشرعي المباح للأطفال الإناث، طالما ان ثقافتنا الملتبسة بالدين تنطوي على تحقير للمرأة.. ولكن أليس من حقنا القول بأن الثقافة التي تحقر من شأن المرأة، وتبيح نكاح الطفلة الصغيرة ومفاخذة الطفلة الرضيعة، وتدفع الرجل إلى اتخاذ موقف سلبي واستعلائي منها هي الثقافة الجاهلية التي جاء الإسلام من أجل تغييرها، لا لتكريمها وإعادة انتاجها.. ألم يقل الله سبحانه وتعالى عن حياة الجاهلية: (وإذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب. ألا ساء ما يحكمون) (النحل 58 /59).
نعم ألا ساءت ثقافة كهذه.. وساءت هوية كهذه يعود اليها سبب تأخر العرب والمسلمين، وتكبيل قدراتهم.. ألا ساءت هذه الافكار الجاهلية الموروثة من فقه الصحارى والبيئات البدوية القاسية وعهود الانحطاط.. وساء من يضفي عليها صفة القداسة الدينية بعد أن اثبتت هذه الافكار عجزها المطلق عن تمكين المجتمع الإسلامي من الاستجابة لتحديات الحضارة الحديثة، بقدر نجاحها في التمكين من تكريس تخلف المسلمين، وتغييب العقل وإعادة انتاج ثقافة الجاهلية التي حاربها الإسلام.
ما بين التطرف ورواسب الجاهلية
أخبار متعلقة