لا نجد شهراً ترق فيه القلوب و تحن إلى فعل الخير أكثر من رمضان، ومن التراحم أن نحب لإخوتنا ما نحبه لأنفسنا، وذلك استشعاراً بقيم الاسلام السمحة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف المتفق عليه: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فهل من الإيمان أن نظل نتفرج على إخوة لنا ذهبوا لطلب العلم في سوريا الشقيقة، وإذا بهم -جراء ما يعانيه أهل البلد- يقاسون الكثير، وأقل ما يعانونه عدم الشعور بالأمن على حياتهم، ما جعل أهلهم وذويهم يعايشون الوضع ذاته وهم مقيمون في اليمن.. لأن ما يشاهدونه عبر الفضائيات -ولو أنه ممزوج بكثير من التضخيم لأغراض سياسية- إلا أنه وكما يقول المثل: لا يوجد دخان من غير نار.
ولأننا نشعر بذلك الدخان ونرى آثاره، فلماذا نصبر حتى تصيب نيرانه إخوتنا اليمنيين المقيمين هناك؟.. لقد ذهب غالبيتهم لطلب العلم - ولا شيء سواه-، وهم نخبة الطلاب حيث أن معظمهم مبتعثون من قوائم أوائل الجمهورية، فهل ننتظر موت أحدهم بطلقة طائشة وسط اتهامات متبادلة بين الجيش السوري -النظامي- والجيش الحر -المنشق-؟ لن يفيدنا حين يقتل أحد أبنائنا القبض على من قتله، والأكيد أننا لن نصل إلى الفاعل في وضع صعب يعيشه إخوتنا السوريون، فرّج الله عنهم وحقن دماءهم..آمين اللهم آمين.
في الأزمتين المصرية والليبية ناشدت الرئيس السابق -علي عبد الله صالح- إعادة الراغبين من أبناء الجالية اليمنية في البلدين -وإن كان البعض غرر ببعض البسطاء للذهاب الى ليبيا بغرض العمل وهم اليوم معتقلون- وفعلاً قامت الدولة بإرجاعهم لأرض الوطن في لفتة كريمة نالت استحسان المعادين وأهلهم، ونحن اليوم نناشد الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي -رئيس الجمهورية- بصفته ولياً للأمر ومسئولاً عن رعيته، التوجيه على وجه السرعة بضرورة إعادة إخوتنا وأطفالهم، ونسائهم من سوريا، وإن كانت قد صدرت توجيهات سابقة، فلا ضير من تجديدها بعدما بلغ الحال مبلغه هناك.
إن المصيبة التي نزلت على طلابنا هناك مزدوجة فحتى وإن سلموا جسدياً بعودتهم لأرض الوطن، فإنهم مهددون بضياع مستقبلهم التعليمي، في ظل عدم حصولهم على وثائقهم الدراسية، ولكم ان تتخيلوا كيف هو الحال بطالبٍ أضحى بين ليلة وضحاها وكأنه لم يدرس، إنها حالة لا تفرق عن الموت في شيء، بل هو موت بطيء مع إيقاف التنفيد، ويؤدي الى إصابة الطلاب بأمراض شتى نفسية وعضوية وقد تصل إلى درجة الجنون، ولعل هذا ما يجعل الطلاب يفضلون المكوث هناك -رغم فداحة الوضع- على العودة بدون وثائقهم.
العملية الإنسانية التي تفرضها المواطنة على حكومتنا، ينبغي ألا تقتصر على عملية الإعادة -الإجلاء- بل ينبغي للدولة أن تأخذ مأخذ الجد استخراج وثائقهم من الجانب السوري، وفي حالة تعذر ذلك يجب العودة إلى كشوفات وزارة التعليم العالي باعتبارها الوزارة الوصية، ولكونها -من المفترض- تتلقى تقارير دورية من ملحقيتها الثقافية في سوريا، العمل فوراً على تعميد تلك الوثائق وإلزام الجامعات اليمنية بقبولها.
هذه المأساة التعليمية عشتها شخصياً عندما تم الغزو الامريكي للعراق في العام 2003م، وعندما عدت أنا وأسرتي -على نفقتي الخاصة- بلا وثائق معمدة، رفضت الجامعات اليمنية مواصلة الطلاب من أين انتهوا بل أمرتهم بالرجوع لأول السطر، وكانت مشكلتي أكبر حيث أن الجامعات العربية ذهبت الى ما ذهبت إليه جامعاتنا الوطنية، وما كان مني إلا المغامرة بروحي والعودة الى العراق -براً-عبر سوريا، وعشت -قبل حصولي على الماجستير في ديسمبر 2003- أشهراً مليئة بالرعب، فقد كنت معرضاً للقتل برصاص العدو الأمريكي أو الاعتقال، لمجرد الشك أني أعمل لحساب جهة ضد أخرى -مع شكرنا للأشقاء العراقيين جزاهم الله عنا كل خير- والحمد لله الذي كتب لي وللكثيرين من أمثالي السلامة.. ولهذا فلا نريد أن يصل الحال بإخوتنا في سوريا إلى ما حدث لنا في العراق الشقيق.
الأمر ليس سهلاً وحياة أبنائنا ليست رخيصة، والدولة اليمنية ضامنة لحياتهم، في ظل عدم قدرة الدولة السورية على حمايتهم، ومن الأفضل للجميع الإسراع بإعادتهم، ونحن نعيش في شهر الرحمة والبر والإحسان نناشد الاخ رئيس الجمهورية النظر لحال هؤلاء، بعين الأُبوة من جهة والمسؤولية من جهة أخرى، وينادونك وا رئيساه.
فإذا كانت الحكومة غير متحمسة لإرجاعهم فنناشد رجال البر الاسهام في التكفل بتذاكر لهم من دمشق والمدن السورية الى صنعاء والمدن اليمنية، وجزى الله خيراً كل من ساهم في انقاذ اليمنيين في سوريا الحبيبة، ونسأل المولى جل شأنه أن يحقن دماء إخوتنا السوريين، وأن ينهي محنتهم على خير-بعيداً عن التدخل الأجنبي- وألا يريهم مكروهاً في وطنهم أو إخوتهم، وأن يرحم شهداءهم ويشفي مرضاهم ويعيد لاجئيهم.
طلابنا في سوريا: وا حكومتااااه..
أخبار متعلقة