عرض وتحليل / عبد الإله سلام الاصبحي رستم عبد الله شاب طموح يخرج من عنق الزجاجة حاملا معه حكايات وأنات وقصصا كان يختزلها في نفسه لواقع محسوس وملموس عاشه فترة من الزمن لم يبيح فيها . ان الزمن الذي عاشته تلك الحكايات في نفسه ليس بالامر البسيط فلقد اختزلها في تسع عشرة قصة اوحكاية . وقد تكون تلك القصص سمعها او شاهدها وأخرجها إلى الواقع . ولقد تأملت جيدا ماكتب القاص رستم فكان الواقع بذاته . واقع متحرك . يدافع عن نفسه يتحرك ينطق يدافع عن كيانه . يتسلل إلى قلوبنا . منهج جديد للقصة اليمنية الحديثة في فنها السياسي والاجتماعي والثقافي فلقد جمع ذلك المنهج بفن السخرية والعنفوانية والأمل والألم وزع تلك الانات على ما يجري في هذا الواقع وليس بالسهل تدارك واقعنا المضحك ولمؤلم أحيانا .كان الإهداء أولا إلى روح والده ثم إلى والدته التي أسقته روح الحنان والحب. والى زوجته والى أولاده ثم إلى شباب الثورة الذين تحملوا الكثير من اجل التغيير . ثم كان التقديم نور يشعشع يوما بعد يوم للروائي القاص محمد الغربي عمران الذي قال : إن القصة القصيرة استوطنت مساحة من المشهد اليمني لتزيد فرسانها واليوم بيد القارئ مجموعة قصصية تمتاز بقربها من نبض الواقع بل وبواقع يحاول الكاتب الغوص في أعماق الماضي والحاضر ..لقد أعطى الكاتب واقعا ملموسا خطأ فيه الواقع المعاش ووضع له سلالم ذات خطاطيف تستطيع التسلق عليها لتصل إلى واقع بعيد عن الخيال تلتقط فيه أحجاره أو تشرب من مائه الزلات .. والقاص رستم عبد الله مفعم بالحب والكراهية والخيال وتسع عشر قصة أو حكاية تجعلك تعيش في أزقة الواقع بطبق شهي لما فيها من الواقعية والخيالية وتمل منها عسلا مندسا فيه السم القاتل .مثل قصة سانتا كلوز: يقول الكاتب : كانت الحارة غارقة في ظلام والزمهرير يكنس جثالة أزقتها الضيقة المرصفة بالأحجار السوداء الملساء الباهتة. ظلام وأحجار سوداء وملساء . . ولو اكتفى بالظلام لكانت الحارة مظلمة وهو كاف ليعرف القارئ أن الكهرباء معدومة بالحارة والمياه جافة. والفرحة ألم تماما ويضيف في قصته يقول إن الاطفال الذين لأهم لهم ينظرون إلى خراطيم المياه التي أصبحت لا تفي بالغرض .. والكاتب بوصفه للمياه والكهرباء المعدومة عن المدينة كاملا . فإذا وجد الماء فذلك الشهر افتقدت الكهرباء . هو يريد أن يوصل للقارئ أن الحارة حالكة بالظلام وأحجارها سوداء ولا يوجد ماء فماذا تريد من الحياة؟جذيب : شخص من عامة الناس او قد يكون تصغيرا لمجذوب لكن الطباع يختلف ولكن جلسات القات والسهر جعلت الشباب يتشبهون بجذيب في سوقا آخر وكان القات سببا لما يجري لجذيب . التشبيه عادة يغرق بالمشبه به فلا يصل إلى الحقيقة. يقول القاص رستم. قرر الأصدقاء في هذه الليلة زيارة قرية الهجر في كرش الحمام الكبريتي وهم يخططون في جلسة القات للذهاب إلى الحمام .في الصباح الباكر، و كان اللقاء راحوا يحملون أنفسهم لغسل أجسامهم في الحمام الكبريتي وهم مخدرين من بقايا قات البارحة .. وجدوا جذيب الذي نغص لهم رحلتهم فشبهوه باحد الناس ان جذيب يتابعهم .حيث كان موعد شراء القات . الشيخ عفيف : زحف الليل بجلبابه سريعا في ليلة من ليالي كانون الثاني البارد كانت ليلة محاق غاب فيها القمر وأوى الناس إلى منازلهم .. القاص رستم كان الليل مملكته مع الشيخ عفيفا. في بيت نجيب أخذت الأسرة تتجاذب الحديث حول موقد التدفئة عما يحصل بالقرية وذلك الشيخ الذي يأتي في المساء ليطرق منازل الناس وإزعاجهم وخاصة بيوت الأرامل قرروا وضع حراسة والقبض على ذلك الشبح كان التصنت ليوقعوا بذلك الشبح .. في الأخير وجدوا أن الشبح هو الشيخ غفيفا. دردشة : يحكي قصة العاشق الولهان . في الفيس بوك او رسائل التلفون فكان العجب ليكون أخيرا عاشق الجنسا. حكايات من خلف الزبير. قصة سياسية لما يجري للمواطنين العزل الذين يهربون من الواقع ليموتوا مرتين مرة في أيدي الدرك وموت آخر من الجوع والعراء . لقد امسك الكاتب بخيط رفيع نحس به يوميا وخاصة الشباب وهي قصة المجموعة هربت من الواقع المعاش . يقول في اول القصة والحكاية كانوا ثلاثة شباب في العشرين من العمر التصقوا بعضهم ببعض ليدفئوا أجسامهم النحيلة السمراء بحرارة أجسامهم كان العصر يحتضن الليل ليستعد بجلبابه ليلف المكان بالعتمة والرياح ولم يدروا ابن هم؟. لقد جعل الليل السرمدي ظلالا لهم لكن جنود الدورية كانوا يراقبون وينتظرون تلك الأشباح السائرة أمام أعينهم مات احد الشباب وأوصاهم بالعودة إلى ارض الوطن لمحاربة الفساد. القصة لها مدلولها من حيث الواقع والذي يعاني منه الشعب اليمني وخاصة البطالة في واقع الشباب الذين لا يجدون لأسرهم ما يقتاتون . لقد امسك القاص شعرة معاوية فقصم بها ظهر البعير فالهروب من الواقع إلى واقع أسوأ كالهارب من الرمضاء إلى النار إن قضية الفساد والبطالة والفقر والمرض كان سبب لتلك الهجرة لطلب العيش . وان مقارعة الظلم والفساد أهون من الهروب منه والموت واقفا في الميدان أهون من الهروب منه والموت بشجاعة خير من التستر . لقد جعل حكاية الزبير قصة الوطن بكله فهؤلاء الشباب الهاربون من واقعهم المر إلى واقع اشد مرارة جعلت القاص رستم يخوض في الزمن الحاضر والماضي والمستقبل ومنطقة الزبير منطقة حدودية يتم فيها تهريب البشر.. قصة قريان لها مدلولتها الخاصة ولو وضع لها عنوانا أخر سرطان بشري لكان أهون فالجرثومة لا تحتاج إلا البتر، أما قصة رخيصة. تثبت أن القاص رستم متثبت بالواقع المعاش أما سهر وأما سوق القات وتلك المغريات مثل الفضائيات والإعلام المسخر والمسيس. لقد جعل من الفتات لقمة سائغة لركاب الحافلة وكأنهم ينظرون إليها بطرف خفي جعلت رائحة العطر تتغلب على تلك الروائح الكريهة داخل الحافلة « أما قصة أهبل من بجاش» فكان مثلا يحتذى به مثلا حكاية المرتب والبعوضة التي أزعجته وقصة الصديق والصفعات التي تعطي مثالا للعنجهية الكاذبة . اجتمع الأصحاب ليعرفوا من أين جاءت تلك الصفعات من العم محمود الذي أصبح المثل الذي يقتدى به في الضربات المباشرة والكوارث التي تقع عليه. ولو سماها الكاتب العم محمود لكان أفضل والكاتب رستم يكثر من الحكايات في قصصه عن المساء والقات فتجده يتحدث عن القات والسمرات وكان القات ولعته.وهناك قصص وحكايات أو ردها الكاتب في حكايات من خلف الزبير مثل خريج جامعي والكاميرا وطفل الحجارة التي تم استيردادها بالتقليد من الطفل الفلسطيني الذي يضرب العدو وكانت شرا ووبالا على بعض الحارات .إما يموتون بؤساء فهي قصة الشعب الصومالي الذي ظل يهرب ويركض للهروب من الموت ليواجه موت آخر للبحث عن لقمة العيش ويستمر رستم عبد الله في إخراج الوجع لكن دون طبيب مداو فمات الطبيب وهناك قصص وحكايات أخرى في مجموعة الأولى مثل نجم وثائر ورجل مهذب كل تلك القصص تخرج من عنق الزجاجة لتظهر واقع محسوسا وملموسا. فالكاتب رستم لايصبر على شيء فهو يرصد الأشياء أول بأول فالإحداث عنده لقمة سائغة يلتقطها قبل إن يأخذها غيره لقد لعب القاص رستم بحبل المشنقة قبل إن يشنق نفسه ليخرج بمجموعة قصصية واقعية تلامس هذا الواقع المعاش والملموس . فلقد كانت السمرات والقات الطري أذن واعية لالتقاط تلك الحكايات وتحويلها الى اسطر تقرأ لتكون في تناول القارئ ولتزود المكتبة اليمنية بكتاب جديد . فلكل إنسان قصة يحكيها . لكن القاص رستم حاك تلك القصص بأسلوب سلس يتقبلها الناس ليقرئها من وصلت إليه ..تحية للقاص رستم عبد الله ومزيد من العطاء المتجدد في مجال القصة القصيرة .
|
ثقافة
(حكايات من خلف الزبير) مجموعة قصصية للقاص رستم عبد الله عبد الجليل
أخبار متعلقة