في عمق كل إنسان شيء من بقايا طاقة جسدية مشتتة
كتبت/ دنيا الخامريهل يجب أن نصمت وننساح على الهوامش أو ندفن رؤوسنا في الظلال المنكسرة؟نحتاج إلى شيءٍ آخر ليصبح لصرخاتنا صوت.. العالم يتغير ونظراتنا للأشياء هي هي..هكذا هو الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي يشغل حالياً منصب أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس ويعتبر من أهم الأقلام الروائية في البلدان العربية والحائز على أرفع الجوائز الأدبية الذي يخط حروفه بلغة الجمال وحدها فعندما تقرأ له يخرجك من عالمك ويدخلك عالماً لا تشعر من خلاله سوى أنك تعيش حكايات ألف ليلة وليلة وروميو وجوليت، يجعلك تتجرع كتاباته وأنت مغمض العينين.يسلبنا حواسنا حاسة تلو الأخرى كلما تعمقنا أكثر في رواياته.. ويتطاير شذى العطور من حبر قلمه لنرتشف شراب التوت من همس كلماته ونعلن عن امتزاج الحرف بأنفاسنا وانسكاب ذائقة الجمال في وجداننا.له العديد من الإبداعات الرائعة منها: سيدة المقام، طوق الياسمين، شرفات بحر الشمال، كتاب الأمير، ذاكرة الماء ، حارسة الظلال، وآخرها أنثى السراب..أشرف على إصدار السلسة الأدبية (أصوات الراهن) التي تهتم بالتجربة الأدبية الشابة في الجزائر وساهم كروائي في العديد من الندوات العربية والعالمية المتعلقة بموضوعات الكتابة.محب من الدرجة الأولى وعاشق للمرأة التي جسدها في العديد من رواياته كنماذج رائعة يرينا من خلالها الجمال الداخلي لها.. و كثيراً ما تغنى بالحب في كتاباته، ودوماً يتساءل عما إذا كان على أن المرأة تحب بقلبها فقط..يعتبر أحد أهم الأصوات الروائية في الوطن العربي وتنتمي أعماله التي يكتبها باللغتين العربية والفرنسية إلى المدرسة الجديدة التي لا تستقر على شكل واحد بل تبحث دائماً عن سبلها التعبيرية بالعمل الجاد على اللغة وهز يقينياتها.. تجلت قوته وشخصيته أكثر في روايته الكبيرة والمبرمجة في العديد من الجامعات العالمية (الليلة السابعة بعد الألف) بجزءيها: رمل الماية والمخطوطة الشرقية التي حاور فيها ألف ليلة وليلة لا من موقع ترديد التاريخ ولكن من هاجس الرغبة في استرداد التقاليد السردية الضائعة وتعتبر وظيفته هي السرد وتحديات الفكر العربي والثقافة، كان ولا يزال يتبع وطنه بحرفه وقلبه حتى الآن وغالباً ما يمزج الحب بالثورة..وفي حديث له وصف واسيني أن هناك جيلاً روائياً جزائرياً مبدعاً، غير أنه بحاجة إلى الاطلاع على تجارب العالم حتى يموقع نفسه بشكل صحيح، ويشير إلى أن علاقته بالتاريخ - وهو يكتبه روائياً - تقوم على الاختراق لا المحاكاة.ودائما ما ينظر إلى الحياة على أنها رهان جميل، يجب ألا يضيع في الفراغ، فهو يحب الحياة التي يشتهيها لا تلك التي تفرض عليه. ويحب ما كتبه لأن كل لحظة هي شكل من الحياة، وما يشتهي كتابته هو رواية لوالدته وذاكرتها العظيمة و(تقرير إلى غريكو) لكازانتزاكي.[c1] أعماله الروائية[/c]- البوابة الزرقاء: (وقائع من أوجاع رجل) دمشق 1980م والجزائر 1982م.- وقع الأحذية الخشنة: (قصة مطولة) 1981م.- ما تبقى من سيرة لخضر لحموش دمشق 1982م.- نوار اللوز: بيروت 1983م، الجزائر 1986م /2001م وترجمت إلى العديد من اللغات.- أحلام مريم الوديعة: بيروت 1984م / 1987م / 2001م.- ضمير الغائب: دمشق 1990م والجزائر 2001م وترجمت إلى الفرنسية.- الليلة السابعة بعد الألف: رمل الماية دمشق والجزائر 1993م وترجمت إلى الفرنسية.- الليلة السابعة بعد الألف: المخطوطة الشرقية دمشق 2002م.- سيدة المقام: ألمانيا 1995م والجزائر 1997م /2001م وترجمت إلى العديد من اللغات (الفرنسية والعبرية والإنجليزية).- حارسة الظلال: ألمانيا 1996م والجزائر 1998م /2001م. خرجت أولاً باللغة الفرنسية ثم الإيطالية والعربية والإسبانية.- ذاكرة الماء: ألمانيا 1997م والجزائر 1999م و2001م وترجمت إلى الفرنسية والإيطالية.- مرايا الضرير: باريس 1998م بالنسبة للطبعة الفرنسية.- شرفات بحر الشمال: بيروت والجزائر 2001م ترجمت إلى الفرنسية وهي بصدد الترجمة إلى الهولندية.- طوق الياسمين: المركز الثقافي العربي الرباط وبيروت 2004م.- سوناتا لأشباح القدس: دار الآداب بيروت 2009م الفضاء الحر الجزائر 2009م.- وأخيراً منذ عام 2011 إلى 2013م توالي ترشحت روايتي البيت الأندلسي وأصابع لوليتا للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2014م.- إلى جانب ترشح روايته رماد الشرق الصادرة عن منشورات الجمل ببيروت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر، وصرح بذلك الوقت الروائي واسيني الأعرج في اتصال له مع « صوت الأحرار» أن الرواية المرشحة (رماد الشرق) ملحمة من جزءين تتناول الوضع العربي خلال المائة سنة الأخيرة أي منذ 1916م منذ اتفاقيات (سايكس بيكو) إلى يومنا هذا لنعرف ما مدى تأثير ذلك على الراهن العربي ونفهم ما يحدث اليوم في الخارطة الجيو ـ سياسية للوطن العربي. لأن ما حدث في الماضي يشبه كثيراً الظروف التي تعيشها الأوطان العربية حالياً.[c1]أهم إنجازاته:[/c]- اختيرت روايته حارسة الظلال (دون كيشوت في الجزائر) ضمن أفضل خمس روايات جزائرية صدرت بفرنسا في عام 1997م.- حصل على جائزة الرواية الجزائرية في عام 2001م.- اختير كواحد من ستة روائيين عالميين لكتابة التاريخ العربي الحديث في إطار جائزة قطر العالمية للرواية عام 2005م.- حصل على جائزة المكتبيين الكبرى في سنة 2006م.- فاز بجائزة الآداب الكبرى (الشيخ زايد) عن رواية: كتاب الأمير في عام 2007م.- جائزة الكتاب الذهبي في المعرض الدولي للكتاب عن روايته سوناتا لأشباح القدس لعام 2009م.كما ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية من بينها: الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الإنجليزية، الدنماركية والإسبانية.وفازت رواية (أصابع لوليتا) للروائي الجزائري واسيني الأعرج بالدورة السابعة لجائزة «الإبداع الأدبي» التي تنظمها مؤسسة الفكر العربي ببيروت (لبنان)، ومنحت الجائزة له نظراً لاحتواء الرواية مواضيع تضع القارئ في صميم الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي العربي بالإضافة إلى طرحها قضايا عدة منها العنف والإرهاب والاضطهاد السياسي والمنفى والهوية والحب والمرأة ومسألة الكتابة والعلاقة باللغة.[c1]مقتطفات من روائعه:[/c]- موجوعة أنا بك أيها المجنون الذي لا تستطيع امرأة فهمه مثليموجوعة بحبك أمازلت تتلقى رسائلي بشوق كما كنت تفعل دائماً؟العادة قاتلة ومع ذلك نحن أحياناً في حاجة ماسة إليهافي حاجة لأن أمارس معك أبسط الأشياء اليومية كأن أقول لك صباح الخير..طوبى لتلك اليد التي أشعلت الهبل في كل حواسي الميتة وأيقظت مدافني الحية، ثم انسحبت ولم تطالبني بشيء****- السماء ليست بكل هذا الجفاء الذي تصورته... مازال هناك متسع للشفاء من جراحاتنا.****- ما معنى أن نفكر إن كان ذلك يفقدنا أعز من نحبما معنى أن نحاول العيش إذا كانت هذه الحالة تقودنا بخطى حثيثة نحو الموت المؤكد؟ما معنى أن نفلسف الدنيا إذا كان كلما فتحنا باباً للأسئلة أغلقنا كل أبواب السعادة؟****- يحدث أن نشتهي صوتاً أكثر مما نشتهي جسداً. الجسد يموت ويبقى الصوت فينا يذكرنا في كل زوايا المدينة والحارات بمن نحب كلما نسينا.****أتساءل أحياناً لماذا نحن في هذه البلاد بكل هذا القدر من المبالغة في كل شيءلا يمكن أن نرتاح إلا عندما نصل إلى النقطة العالية التي يتساوى فيها الحب بالكراهية؟****- مقتطفات من (رواية) أنثى السراب في شهوة الحبر وفتنة الورق) التي أعتقد البعض بازدواجية الأداء للكاتب حينما تحدى نفسه بلعب دور متناقض وحول كيفية شد انتباه وعقل القارئ للأحداث ورسم علامات الحيرة والدهشة في التفاصيل التي سردها حتى يعلم بالآخر أنه أمام إبداع مارسه الكاتب بحرفية عالية كونه جعل الكاتب هو بطل الرواية ما جعله ذلك يحوز على قلوب الكثيرين من المعجبين..حاول واسيني في هذه الرواية أن يسرد لنا سيرة ذاتية كاملة بين لنا من خلالها كيفية الصراع مع الذات والتفاهم معها وتطرق إلى الكثير من الأحداث الحياتية التي تواجه الكاتب في حياته والصراعات والصعوبات التي يتعرض لها بداية مشواره الأدبي ولا تخلو الرواية من جماليات اللغة وأبجديات الحرف السحرية والمصطلحات الشعرية الرائعة التي أستخدمها:- ليلى.. أختي العزيزة، بدءاً من هذه اللحظة سأكون كاذباً إن ناديتك أختي.لم تعودي أختي منذ أن خادعت قلبي وكشف لي عن سره الخفي.لست أختي بعد أن أصبحت في ولم تتركي مساحة أخرى لغير التفكير فيك.- لم أعد قادراً على إغلاق القلب على كذبة الأخوة والمثل العليا التي سطرناها بغباء أنا وأنت.. فقط لنتقن ربط أنفسنا بشيء كان كل يوم يزداد انغلاقاً مثل الكماشة.. لقد كثرت الحواجز التي وضعناها في مسالكنا وعلي الآن تكسيرها واحداً واحداً إذا منحتني بعض الحق على قلبك حتى ولو قضيت العمر كله ضائعاً في التفاصيل الحادة، كمفكك ألغام.- ما زلت على الرغم من الكسر العميق ومصيدات الموت التي أصبحت متعددة وربما لا تحصى قادراً على حبك والانغماس في الجنون القديم نفسه، لسنا بعيدين عن بعضنا البعض كما يبتدئ لك، إلا بالقدر الذي يمنحنا فرصة لتخيل جنون جديد نلتقي مرة أخرى من أجله.أنتظرك على هامش أجمل وأخطر حافة في الحياة.. الحب.- جميل أن يتمنى الانسان في عالم لم يؤهلنا منذ البداية على الأمل أو على تحمل الكدمات القاسية والخيبات المتتالية.- الموت استعداد بطولي ويومها لم أكن مستعداً للتخلي عن الحياة.. كانت هي رهاني الأخير، لم يكن لدي شيء أخسره.. فجأة نبت في دماغي يقين غريب وهو أن ساعتي لم تحن بعد، وربما أن كل ما حصل لم يكن في النهاية إلا بروفة اختبارية.- أؤمن أنه في عمق كل إنسان شيء من بقايا طاقة جسدية مشتتة.- الذاكرة تنفذ لحظة الخيبة والانكسار وتنام مثلنا عندما نسكرها بنبيذ السعادة والأشواق الجميلة.- إلى آخر يوم من حياتي سأظل أتذكر لماذا ركب رأسه وتنازل عني لغريم لم يكن شيء يجمعني به سوى رغبته في الزواج مني.. ما الذي كان يمنع واسيني من أن يغمض عينيه ويتركني أقوده نحو مرفأ كان مؤهلاً لأن يمنحنا الحياة؟لكنه لم يسمع إلا لأنانية متوغلة في أعماقه كسرت كل نور في عينيه وعيني وسحبتنا شيئاً فشيئاً نحو مرفأ مظلم.* لم تكن هذه الكلمات هي نهاية رواية أنثى السراب فالنهاية كانت مختلفة تماماً وهي بأن تقوم ليلى بإطلاق النار على مريم وواسيني وعلى الذبابة التي لطالما أزعجتها بصوتها طوال الليل لتحس بعد تلك الطلقات بأنها تحررت من أثقالها لتغادر البيت صباحاً بحثاً عن نصيبها في المعصية والحياة وبعض الجنون وتتجه إلى مكتب البريد لإيداع مخطوط هذه الرواية، وخارج المبنى تفاجأ برؤية طيف خيل لها من ريحة العطر بأنها تعرفه لتجد أمامها ظل مريم قريباً منها فتقوم بالصراخ بشكل جنوني يلفت الأنظار، ألم تموتي بعد وتخرج مسدسها من حقيبتها وتركض مثل المجنونة خلف طيفها بينما شرطي يطاردها محذراً من تهورها لتحصد روحها رصاصة الشرطي وفي إغماضتها الأخيرة تتأكد من عطر أنثى السراب... مريم.و(أنثى السراب) رواية تتحدث عن أنثى تدعى ليلى أحبت واسيني فكتبها في أعماله الأدبية باسم مريم والتي كانت أكبر مثال على حب الكاتب لها ومريم لم تكن إلا شخصية خيالية ورقية أبتدعها واسيني والتي كانت بطلة روايته ليلى تغار منها وتتمنى موتها وأرادت أن تقول للقارئ أن مريم مجرد حبر على الورق، وأنها هي الحقيقة ولكن في الآخر استطاعت مريم الشخصية الورقية الانتصار على ليلى الشخصية الحية.ومن بين ما قام بنشره مؤخراً كان رواية (مملكة الفراشة) التي تتناول مرحلة ما بعد الحرب الأهلية فهو على حد قوله تناول في المراحل السابقة الموضوع كروائيي الحرب التقليدية ضد المستعمر لكن اليوم العدو من بيننا وهو التيارات المتطرفة لأن الحرب الأهلية ولدت أحقادااً صامتة وقد سماها الحرب الصامتة وكانت العملية كلها في هذا السياق».. ونذكر منها النص التالي: «اسمعيني أيتها الفراشة المنزلقة نحو زيت النار واللهب المقدس، قبل أن تغلقي كل الأبواب للمرة الأخيرة وتنسحبي من عذاباتنا بحثا عن مرفأ آخر لا شيء فيه إلا الفداحة والأصداء القادمة من بعيد، نقتفي كل خطوات هذا الرجل المدنون الذي ظل يذهب ويجيء إلى أرضنا حتى سرقته بعد أن منحنا أجمل خساراته المدهشة، ما يزال عطره يختلط بموجات حواف بحرنا الهارب. لا تذهبي الآن نحو قنديل الزيت، على الأقل، ما يزال هناك متسع للموت والضوء وبعض الهبل، أمنح العمر كله لآخر ثانية معك».