للمعنيين فقط
لا أحد ينكر أن أقدام تلك الجماعة أو الأفراد أياً كانت أسماؤهم وصفتهم أو انتماءاتهم أو مبرراتهم أو أوضاعهم النفسية أو تدني مستوى اليقظة والحرص التي مكنتهم وساعدتهم على اعتراض حافلة نقل في الطريق وفرز وإنزال (14) جندياً وتقيدهم بعد الخطبة فيهم وتنفيذ الإعدام بحقهم ذبحاً بالسكاكين أنهم أي هذه المجموعة أو النفر قد ارتكبوا فعلاً بشعاً مقززاً ينكره ويستنكف منه أكثر الناس قسوة وعداوة وإجراماً وكفراً، كما لا أعتقد بوجود من ينكر ممكن شاهد وتابع وقرأ عن هذا العمل الدنيء والبشع أن ردة فعل الجهات المسؤولة المعنية لم تكن بالمستوى المطلوب أو ترتقى إلى مصاف الحدث والتعامل معه لا بالقول ولا بالفعل ؟!! عدا رسائل الشجب والإدانة والاستنكار التي يمكن اعتبارها علامة فارقة بين وقوع وحدوث هذه الحادثة وغيرها من الحوادث والجرائم التي مورست وتمارس في واقعنا اليومي. وهو فارق لانجد فيه ما يغني أو يشفي أو يسمن في مواجهة ومحاصرة وضرب هذه الجرائم ومن يمارسها علنا ومن قبل أفراد وجهات معروفين غير مجهولين . وهكذا يمكننا القول أن ما يدل عليه هذا الفارق الباهت والخجول ليكشف عن حقيقة مرة ومؤلمة يعرفها الجميع وفي المقدمة منهم المعنيون من مسؤولين عسكريين ومدنيين رغم محاولات الالتفاف عليها وتجاهلها والتغابي عنها وعدم الاعتراف بها بشكل يجعل حصول هذه الجريمة الشنعاء بحق (14) جندياً عسكرياً والتي طبعاً لم تكن الأولى من نوعها نتاجاً طبيعياً ومحصلة متوقعة مهما كانت الصدمة التي أحدثتها في نفوسنا جميعاً. حقيقة مفادها عدم وجود فرق بين هذه الجريمة والجرائم الأخرى اليومية التي نشاهدها ونعيش فواجع وآلام وقوعها وبخس تعامل الجهات المعنية إزاءها كالإقدام على اغتصاب وقتل طفل هنا وطفلة هناك، وعلى نهب أرض والاستيلاء على حق، ونهب مال عام والمتاجرة بأقوات ومعاشات الناس، والتعدي على القوانين والنظم والاستقواء عليها واستغلال السلطة للتعدي على الناس واستفزازهم في الشارع وفي أماكن عملهم وداخل أماكن عملهم .. الخ الخ من الممارسات اللا إنسانية التي في الحقيقة لانجد فرقاً بين من يمارسها وبين جرائم تلك الجماعات لأنه لافرق بينهم وبين من يحمل سلاحه ويتمخطر أمام العامة وبينهم وبين من يتعدى على أبراج ومحطات الكهرباء، بينهم وبين من يعيق المواطن في الحصول على حقه في شرطة أو عمل أو محكمة وبين تلك الجريمة وبين جريمة تاجر يعمد إلى استيراد وتسويق وبيع سلع مغشوشة ومنتهية الصلاحية وبين تلك الجريمة وجريمة الموظف الذي يقضي عمره محروماً من درجته وترقياته وحقوقه في حين غيره يحصل على أكثر من حقه في الراتب والدرجة لا فرق باختصار بين أبسط وأهون انتهاك لحقوق ومصالح المواطن والمواطنة وبين وقوع تلك الجريمة فغياب وعدم حضور وجدية الجهات المسؤولة مدنية كانت أو عسكرية أو قضائية في التعامل وعدم البت في مثل هذه المخالفات والانتصاف من مرتكبيها لصالح من يقع عليهم الجور. لهو سبب تلقائي ومباشر وطبيعي لظهور وارتكاب مثل تلك الجرائم البشعة. فالتفريط بأبسط الحقوق والتهاون بها يؤدي إلى التفريط بأبشع المظالم والإعانة على وقوعها وارتكابها. لأن المشكلة ليست في وقوع الجريمة وإنما في عدم مواجهتها والاقتصاص من مرتكبها. ولهذا لن تنتهي آلامنا ولن نحصل على خلاصنا من جملة تلك الجرائم وأسبابها إلا بحضور الدولة وتطبيق القوانين على الجميع الكبير والصغير القوي والضعيف.