صباح الخير
لاشك أن ثورة فبراير الشعبية 2011م قد وضعت البلاد والدولة اليمنية على مفترق طرق، حيث أنجزت إسقاط رأس النظام السياسي الفاسد الذي كان يصادر الدولة ويضع كل مقدراتها وقراراتها في يده، ويتحكم بكل مفاصل الحكم ودرجاته الهرمية، ويسيطر على الحياة السياسية واقتصاد البلاد وثرواتها ويوجهها لخدمة مشروعه السلطني الذي كان يرغب في جعله وراثياً لابنه من بعده ويوزع مراكز القرار الأساسية على الأسرة والأقرباء.وبإفشال ذلك المشروع السلطني من قبل الثورة ووضع حد له إلى الأبد، وجدت قوى الثورة والحداثة والقوى الوطنية نفسها أمام خيارات عدة بصدد الدولة ونظام الحكم والخيار الديموقراطي وشكل الدولة، والبحث عن الطرق الناجعة لحل مختلف المشكلات التي خلفها نظام الفساد البائد اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وذلك لأن البديل الثوري لم يكن جاهزاً، وهو ما جعل القوى الثورية تقبل بمبادرة الأشقاء في الخليج العربي، للبدء بعملية الانتقال إلى الوضع الجديد بموجب حوار وطني شامل ضم كل مكونات العمل السياسي في المجتمع، وهو الحوار الذي كان تاريخياً وشهد له العالم اجمع بأنه ناجح وغير مسبوق في المسار السياسي اليمني، كما باركته مختلف القوى الوطنية من خلال التوافق على مخرجاته التي كان أهمها التوافق على الشكل الفدرالي للدولة والتقسيم الإداري للدولة الفدرالية إلى أقاليم ستة، يحدد الدستور الفدرالي كامل شؤونها في الإطار الوطني للدولة الواحدة الفدرالية. لقد مثل المتحاورون شرعية شعبية ثورية وضعت بتوافقها ، وإقرارها لمخرجات الحوار الوطني حداً للغط الذي حاول ولازال يحاول نشره بعض الفرسان الخائبين للنظام البائد، حول الشرعية المزعومة للبائد، والأزمة الشرعية التي تعاني منها السلطات الثلاث، وغير ذلك من الأزمات التي يبدعها ذلك اللغط وفرسانه الخائبون، وهو ما حدا بالبعض منهم أن يذهبوا بعيداً في محاولات البلبلة ليفتحوا ملفات قديمة تعود إلى مراحل التحرير الوطني والنظامين الشطريين، بهدف تذكير الناس بمآس نتجت عن الاستقطاب الدولي لقطبي الحرب الباردة التي أصبحت من التاريخ، وكل ذلك لخلط الأوراق وإيجاد خلافات في الرأي العام للولوج من خلاله إلى الواجهة وممارسة التأثير على بعض قطاعات الشعب ممن يجهلون حقائق تلك المآسي وأسبابها وبواعثها المعقدة في واقع الاستقطاب الدولي والتشطير، وإسقاطها على واقع اليوم الذي له معطياته الجديدة والتي أهمها توافق كافة القوى الوطنية على الخروج من الأزمات إلى رحاب الدولة اليمنية الواحدة ، والمستقرة، دولة العدالة والنظام والقانون ، والمشروع الوطني الحضاري. ولعل هذا اللغط الذي يثيره البعض يهدف إلى إفشال التوافق على الدستور الفدرالي المزمع انجازه ووضعه بين يدي الشعب للمناقشة والاستفتاء عليه، وهو ما يحتاج إلى توافق وطني حوله يضع مصالح الوطن فوق المصالح الشخصية والفئوية الضيقة. ومن اجل ذلك سيكون لزاماً على كل القوى الخيرة في الوطن ، وكل كادرات الشعب اليمني القانونية والعلمية من مختلف المجالات، وكذلك القطاعات المثقفة والمكونات الوطنية المختلفة والشباب والمرأة أن يسهموا في مناقشة الدستور واغنائه بالرؤى الوطنية والإسهام في إعادة صياغته بما يتناسب مع واقع اليمن الجديد الفدرالي ومصالح أبناء الشعب في مختلف الأقاليم والجهات، وجعله عقداً اجتماعياً جديداً لمرحلة جديدة تكون البديل الثوري والحضاري لنظام الفساد البائد ودولته الفاشلة.