إعداد/ عقيد دكتور أحمد ناجي الماربي الهجرة من المواضيع المرتبطة بالحياة العامة المعاصرة، ولا جدال في أن المهاجرين يساهمون بشكل فعال في تطور المجتمعات التي ينتقلون إليها. غير أن مسائل التدفق المستمر للمهاجرين في وضعية غير قانونية وتعرضهم للاستغلال وارتباط الهجرة غير المشروعة بشبكات التهريب والاتجار بالبشر جعل هذه المسائل تثير القلق على الصعيد العالمي، بصفة مستمرة وأصبحت الهجرة غير المشروعة مجالاً من مجالات إدارة الهجرة التي تشغل بال الحكومات في جميع أنحاء العالم ومنها الجمهورية اليمنية. وظاهرة الهجرة غير المشروعة من دول القرن الأفريقي إحدى المشاكل المزمنة التي تعاني منها اليمن بشكل خاص ودول المنطقة بصورة عامة. فقد برزت ظاهرة الهجرة غير المشروعة من دول القرن الأفريقي إلى اليمن في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي نتيجة لأوضاع سياسية واجتماعية وحروب أهلية تعانيها هذه البلدان وتنامت هذه الظاهرة مع سوء الأوضاع المعيشية في هذه البلدان بتفشي الفقر والمجاعات والبطالة.. إلخ مما يدفع الشباب والنساء وأطفال هذه الدول إلى تركها بحثاً عن سبل أفضل للعيش أو لتحقيق أحلام يعيشونها. والحقيقة أن سياسة الباب المفتوح التي اتخذتها الجمهورية اليمنية قد شجعت على قدوم أعداد كبيرة من الصوماليين وأغلبهم من الشباب والأطفال والنساء كما أن أوضاع الصومال مازالت مرشحة لقدوم أعداد كبيرة في السنوات القادمة. ولا تقتصر الهجرة إلى اليمن على الوافدين من الصومال بل تشمل الهجرة من إثيوبيا واريتريا، وأصبحت أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إلى بلادنا خلال العام الماضي وهذا العام تقارب نفس أعداد اللاجئين الصوماليين الذين وفدوا إلى بلادنا خلال نفس الفترة. وتقابل اليمن المهاجرين القادمين من الصومال ودول القرن الأفريقي من منظورين. الأول: إتباع سياسة القبول التلقائي مع المهاجرين الصومال بسبب ظروف الحرب وانعدام الأمان الذي يعيه الصومال. والثاني: اعتبار المهاجرين القادمين من بلدان مستقرة وآمنة كإثيوبيا واريتريا مهاجرين غير شرعيين، ماعدا الحالات الاستثنائية التي يتم فيها منح اللجوء لبعض الأشخاص القادمين من تلك البلدان. ولخصوصية محافظة عدن وموقعها الجغرافي المتميز فقد كان شريطها الساحلي عبارة عن مرفأ آمن للتسلل من خلاله إلى المدينة كما أنها تعتبر نقطة مرور وبقاء للمتسللين من شواطئ المحافظات الأخرى ( باب المندب، شقرة، بئر علي .. الخ) وهو ما جعل لها النصيب الأكبر من المعاناة والمتاعب في محاربة هذه الظاهرة. ويتجلى هذا الأمر من خلال ما تقوم به مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية فرع عدن، من جهود وإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة والتصدي لها من خلال تقديم كافة الخدمات الإنسانية الواجب تقديمها في مثل هذه الحالات بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي التزمت بها اليمن عند التوقيع عليها. بل إننا في إدارة فرع الهجرة والجوازات والجنسية أصبحنا في وضع لا نحسد عليه نظراً لتزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين من إثيوبيا وتجمعهم في محافظة عدن بأعداد كبيرة وتحمل الفرع تكاليف تغذية ونقل هذه الأعداد الكبيرة إلى رئاسة المصلحة بأمانة العاصمة وهنا لا ننسى تقديم الشكر لمنظمة الهجرة الدولية عدن على الجهود التي تقوم بها في توفير الغذاء وبعض الاحتياجات الإنسانية لهؤلاء أثناء تواجدهم وتجمعهم في محافظة عدن. وينبغي الإشارة إلى ضرورة تكاتف الجهود وتقديم كافة سبل الدعم والمساعدة من قبل الدولة أولاً ممثلة بالمجلس المحلي لمحافظة عدن وثانياً من قبل كافة المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية التي تعنى بحقوق الإنسان وتهتم بشؤون هذه الشريحة من البشر وتعمل على رعايتهم وإيجاد الحلول. مع أننا نثمن ونقدر تقديراً عالياً كافة الجهود المبذولة من قبل هذه المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة في هذا المجال ممثلة في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن م/ عدن ومنظمة الهجرة الدولية - عدن . اللتين لا تألوان جهداً إلى جانبنا في تقديم الرعاية وتقديم الحلول. ومما لاشك فيه أن حل مشكلة اللجوء والهجرة غير المشروعة سيسهم بشكل ايجابي في تحقيق السلام والاستقرار من كل دول المنطقة والعكس صحيح، ولذلك ينبغي بذل مزيد من الجهود المشتركة من كل دول المنطقة وبمساعدة المنظمات والمؤسسات الدولية لمعالجة الأسباب الجذرية للجوء والهجرة غير المشروعة. لاسيما أن اليمن في الواقع ليست الملاذ المقصود لكثير من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم، ولكنها بحكم موقعها الجغرافي القريب لدول القرن الأفريقي، فإنها تعد الوجهة الأولى للانطلاق منها إلى بلدان أخرى هي دول الخليج العربي وأوروبا التي تكون المقصد للوصول إليها، خصوصاً مع وجود أسواق عمل في هذه الدول تسمح باستيعاب عدد كبير من المهاجرين في وضعية غير قانونية بشكل واضح سواء بوجود فرص عمل بأجور أفضل مما يحصل عليه هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين في بلدانهم، أو بوجود أرباب عمل مستعدين لاستخدام عمال غير قانونيين بأجور زهيدة. ولذلك فإن اليمن كغيرها من الدول المستهدفة من قبل المهاجرين غير الشرعيين تواجه تحديات كبيرة تتعلق بقضايا تهريب المهاجرين المنتظم على نطاق واسع والاتجار بالبشر بصورة قسرية واستغلالية وفي الوقت نفسه حرصها على مراعاة الوضع الإنساني للاجئين والمهاجرين والالتزام بتعهداتها الدولية في هذا الخصوص.فاليمن وبإشادة الأطراف المشاركة في المؤتمر الإقليمي للجوء والهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن الذي عقد في صنعاء بتاريخ 3 نوفمبر 2013م مستمرة في المحافظة على النهج الإنساني السخي تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين رغم التحديات التي تواجهها. وبالرغم من إمكانياتها المحدودة. إلا أن الجمهورية اليمنية تلتزم بتعهداتها الدولية تجاه اللاجئين وتضعهم على قدم المساواة مع المواطنين اليمنيين من خلال الالتحاق بالمدارس والاستفادة من الخدمات الصحية والمستشفيات الحكومية وحق التقاضي أمام المحاكم اليمنية وإمكانية العمل دون قيود وحرية التنقل وإعفائهم وأبنائهم من رسوم الإقامة. على كل حال: فإن ظاهرة اللجوء والهجرة غير المشروعة تضع اليمن ودول المنطقة أمام تحديات كبيرة في وضع استراتيجيات لمعالجة هذه الظاهرة بمعالجة الأسباب الجذرية لها كما ذكرنا. خصوصاً أن هناك عناصر جديدة تجمع بين دول المنطقة (اليمن، ودول الخليج، ودول القرن الأفريقي) أهم هذه العناصر مكافحة الإرهاب. حيث يشترك اليمن والصومال في مواجهة تحديات متوازنة (حركات تمرد، وإرهاب ، وصعوبات اقتصادية) وهناك اتجاه متنام وسط المهتمين وصناع القرار بدمج المخاطر المنبثقة عن اليمن والصومال لاسيما مع بروز منظمة القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحركة الشباب في الصومال واحتمال اندماجهما والمشكلة الموازنة لانخراط أجانب في خلال التنظيمين.ولذلك فإن هذه التحديات تفترض تطوير استراتيجيات مكافحة الإرهاب في البلدين وبقية بلدان المنطقة. وبالحديث عن الإستراتيجية التي تراها الجمهورية اليمنية لمواجهة ظاهرة اللجوء والهجرة غير الشرعيين فإننا نشارك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن في أن إستراتيجية الاستجابة الإنسانية تفترض أن تبقى أعداد المهاجرين واللاجئين الواصلين إلى اليمن في العام الحالي في نفس المستوى الذي كان عليه العام الماضي إن لم يكن أقل. وهو ما يقتضي مراجعة سياسة الباب المفتوح التي تتبناها اليمن تجاه اللاجئين إليها بما يتوافق مع الالتزامات الدولية ويحفظ مصلحة الوطن في نفس الوقت. ولذلك فإن اليمن تسعى لتطوير الإجراءات الأمنية المشددة على طول حدودها. كما أن انتهاج سياسة جديدة لمعالجة الهجرة غير المشروعة ستمكن اليمن من الحد من الهجرة غير المنتظمة والمتزايدة من دول القرن الأفريقي دون الإخلال بالتزاماتها الدولية والأخلاقية ومقتضيات الأخوة والجوار. العمل على تصحيح الوضع القانوني والإنساني للاجئين في اليمن وقد قدمت في مناسبات سابقة مقترحات وحلول عملية لمعالجة ظاهرة اللجوء والهجرة غير المشروعة، وبهذه المناسبة نذكر بهذه المقترحات ونضيف عليها مقترحات وحلولاً عملية لتقديم خدمة أفضل للاجئ والمهاجر غير الشرعي وفي الوقت نفسه تجنيب المجتمع مخاطر وتبعات هذه الظاهرة حيث نقترح ونوصي بالآتي : إقامة مركز إيواء مجهز بالوسائل المادية والإدارية اللازمة لاستقبال المهاجرين وإيوائهم وتسجيل بياناتهم وحصرهم وتقديم كافة الخدمات الإنسانية لهم وترتيب أوضاع بقائهم وإعادتهم إلى بلدانهم. وفي هذا الصدد يسرنا في فرع الهجرة والجوازات والجنسية م/ عدن أن نقدم قطعة الأرض الوحيدة المملوكة للفرع المخصصة لإنشاء ناد ترفيهي لموظفي الفرع يسرنا تقديمها كمساهمة في إقامة هذا المشروع الإنساني ، ونأمل من الجميع التعاون معنا في إنشاء البنية التحتية لمركز الإيواء وبناء المرفقات والملاحق المطلوبة ، مع ضرورة إيجاد التمويل اللازم للنفقات التشغيلية للمركز لقيامه بتأدية مهامه الإنسانية والأخلاقية على أن تتضمن الموازنة التشغيلية للمركز أجوراً وحوافز للطاقم الإداري للمركز أسوة بمراكز تسجيل اللاجئين. نقترح ونأمل اضطلاع المنظمات الدولية المعنية بالمساهمة في توفير وسائل نقل مناسبة لنقل المهاجرين الوافدين من منافذ وصولهم إلى مراكز الإيواء، لما قد يتعرضون له عند سيرهم على الأقدام من مخاطر وجوع وعطش وضربات الشمس. وستستخدم هذه الوسائل أيضاً لنقلهم من مراكز الإيواء إلى منافذ المغادرة بعد ترتيب واستكمال إجراءات عودتهم إلى بلدانهم. تشجيعاً لجهود العاملين في فرع مصلحة الهجرة والجوازات محافظة عدن وتعاملهم مع المهاجرين وفق القواعد الدولية والإنسانية ينبغي تقديم دورات تدريبية وميدانية خارجية للمختصين من ضباط وأفراد فرع الهجرة والجوازات/ عدن بغرض الاستفادة من تجارب وخبرات الدول المتقدمة في هذا المجال والاطلاع عن قرب على أفضل الطرق للتعامل مع اللاجئين والمهاجرين. نوصي دول المقصد من الهجرة غير الشرعية بضرورة التعاون في توفير الدعم المالي الكافي إلى جانب البحث عن مصادر تمويلية جديدة لدعم مكافحة الهجرة غير المشروعة والمساهمة في المشاريع اللازمة لذلك في اليمن وفي دول المصدر أيضاً. ضرورة التوعية الإعلامية اللازمة في بلدان المصدر والكشف عن المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين. والتي قد تصل إلى الاتجار بالبشر والاستعانة في ذلك بنماذج أفراد من المهاجرين غير الشرعيين الذين تعرضوا لتلك المخاطر. نجدد الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي وإقليمي يهدف إلى مكافحة الهجرة غير المشروعة. ختاماً : نرى أن وصولنا جميعاً إلى إيجاد حلول جذرية لأسباب الهجرة غير المشروعة في بلدان المصدر والتوعية بالمخاطر التي يتعرض لها هؤلاء وتفعيل الإجراءات القانونية والعملية في حدود الدول المعنية سيحقق حماية أكيدة للاجئين والمهاجرين هذه الحماية تتمثل في عدم مغادرتهم لأوطانهم بطرق غير قانونية. مساعد المدير العام لفرع مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية (م/ عدن)
|
اشتقاق
حقوق وحماية اللاجئين والهجرة المختلطة
أخبار متعلقة