آخر كـلام
الصبر لفظ عام ربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه وهو أشق شيء على النفس وأكرهه، وأمره على الطبع وأصعبه، فيه الألم والكظم عند الذل والحلم، وفيه التواضع والكتم ، وفيه الأدب وحسن الخلق، وبه يكون كف الأذى عن الخلق، واحتمال الأذى من الخلق، وهذه من عزائم الأمور التي تضيق بها أكثر الصدور، وفيه إكراه النفوس وحملها على الشدة والبؤس، ومن الصبر حبس النفس على الحق وعكوفها عليه بمعاملة اللسان والقلب والجسم، ومنه كتمان المصائب والأوجاع، وترك الاستراحة إلى الشكوى بهما، وذلك هو الصبر الجميل، وهو الذي لا شكوى فيه ولا إظهار ، ومن الصبر إخفاء أعمال البر ومنع النفس الفكاهة ، والتمتع بذكرها، وإخفاء المعروف والصدقات، ومنه أيضاً صون الفقر وإخفاؤه، والصبر على بلاء الله تعالى في طوارق الفاقات فالصبر هو الإمساك في ضيق، والصبر عند الابتلاء من أفضل الأعمال بدليل أن الله مع الصابرين وقد ذكر الله الصبر في كتابه الكريم في أكثر من تسعين موضعاً ومدح الصبر والصابرين وجعل معجزة سيدنا أيوب عليه السلام الصبر الذي تفرد به ومن حصته وجازاه الله الجزاء الأوفى وعوضه على صبره ذاك قال الله عز وجل:« والصابرين في البأساء والضراء» ـ وقال:«والصابرين على ما أصابهم» ـ وقال:«والصابرين والصابرات» وسمي الصوم صبراً لأن المسلم يمسك فيه ويصبر ويمتنع عن أكل الطعام والشراب والجماع والكلام الفاحش من الفجر حتى غروب الشمس فقد قيل:«صيام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهب وحر الصدر» وقال عز وجل:«اصبروا وصابروا» أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم.. وقال عز من قائل «واصطبر لعبادته»، أي تحمل الصبر بجهدك، وقوله تعالى:«أولئك يجزون الغرفة بما صبروا» أي تحملوا من الصبر في الوصول إلى مرضاة الله ومن الأقوال المأثورة:« من كان محبة نفسه لنفسه، لم يكن من الصبر في شيء، ومن كان محبة نفسه لغيره كان باقياً بصبره» وأحسن الناس صبراً عند المصائب أكثرهم يقيناً وأكد أكثر الناس جزعاً وسخطاً في المصايب أقلهم يقيناً لأن قلة الصبر يرجع إلى ضعف اليقين بحسن جزاء من صبرت له لأنه لو قوي يقينه كان الأجل من الوعد عاجلاً، إذا كان الوعد صادقاً فيحسن صبره لقوة الثقة بالعطاء. ومن الصبر أيضاً: الصبر على الغنى أن لا يبذله في الهوى ، والصبر على النعمة ألا يستعين بها على معصية ، فحاجة المؤمن إلى الصبر في هذه المعاني، ومطالبته بالصبر على المكاره والفقر، وعلى الشدائد والضر والصبر يحتاج إليه المرء قبل العمل ومعه وبعده فيحتاج إلى الصبر في أول العمل ليصحح النية ويعقد العزم والصبر مع العمل يحتاج إلى التأني فيه حتى يتم وينجز، والصبر بعد العمل، هو الصبر على كتمه وترك التظاهر به، والنظر إليه ليخلص أو ينجو من السمعة والعجب. وأكثر معاصي العباد في قلة الصبر على ما يكرهون، فقد قرن الله تعالى الكراهة بالخير والمحبة بالشر في قوله تعالى:«وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبو شيئاً وهو شر لكم” وبناءً على هذه الآية الكريمة فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً» قال أحد أنبياء الله ورسله:« إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون» وقال ابن عباس رضي الله عنهما:« الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبر على أداء الفرائض له تعالى، وصبر على محارم الله تعالى، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى».بعد كل ما ذكرناه بقي لنا أن نستقبل شهر الصبر والتجلد والشجاعة والجرأة والعزيمة وعدم الشكوى من البلوى بأن نصبر ونحتسب ونتمثل اسماً من أسماء الله الحسنى في نفوسنا وفي أفعالنا وأقوالنا وصفة من صفات الحليم الصبور إلا وهي الصبر التي هي ضد الجزع والتهور الذي يؤدي إلى هلاك صاحبه وهلاك أناس كثيرين بسبب طيشه وتهوره وجزعه وعدم صبره وعلينا أن نستعين بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فالصبر يعلمنا الأناة والحلم ويخفف العواطف الجياشة والحماس الزائد ويذهب النعرة القبلية والعصبية ويكرس لغة العقل والمنطق والحكمة ويجعل النفس الأمارة بالسوء تنضبط وتزدجر حين يصوم الرجل الميسور أو الغني أو المترف فيشعر بالجوع والعطش كالرجل الفقير فيعطف عليه ويتصدق ويخرج الزكاة لأن تلك النفس الأمارة بالسوء جبلت على حب المال والبخل والشح فيه فالصبر على الجوع أو العطش كبح للشهوات وتجنب للشبهات وحبس لها عن الانغماس في الملذات والمحرمات والكبائر التي منها قتل النفس المحرمة التي نشاهدها ونسمعها تحدث في بلادنا يوماً بعد يوم حتى في رمضان وهذا لا يرضي الله ولا رسوله ولا الناس أجمعين كذلك فإن الناس في المناطق الساحلية يعانون من الانقطاعات المتكرر للتيار الكهربائي وهذه المناطق حارة مما يزيد فوق معاناتهم وصبرهم على الجوع والعطش الصبر على انقطاع الكهرباء وكأنها جزء من الصيام الذي هو إمساك وصبر عن الأكل والشرب والجماع والكلام الفاحش وانقطاع التيار الكهربائي المهم لحياة الناس وعيشهم وأمنهم واستقرارهم المادي والنفسي أو المعنوي أو الاجتماعي.ختاماً لمقالنا هذا المثل الشعبي القائل:«لو صبر القاتل على المقتول ماكنش أنقتل».