يقال في فقه السياسة : إذا أردت أن تطاع؛ فأمر بالمستطاع !! وغير ذلك : رماه في اليمِّ مكتوفاً وفال له: إياك إياك أن تبتل بالماء !! وهذه هي بالضبط حكاية، وواقع التربية والتعليم، وأسئلتها في امتحانات إنهاء المرحلتين : الابتدائية، والثانوية في زحمة الغوغاء المفتعلة لقوى التخريب، والثورة المضادة .في إول أيام الامتحانات حملتني عصاي إلى الشارع لأرى بأم عيني؛ وقد أشعل بعض أطراف التخريب أجواء الحياة، وحكموا على الطلاب في أول امتحان لهم؛ بأن لا مذاكرة، ولا امتحانات !! فضربوا الكهرباء؛ في ظل الحر الشديد في الساحل، والظلام الدامس ليلاً في معظم أجزاء الوطن، وأمعنوا في ضرب كهربائنا وحياتنا باستماتة، وواصلوا إخفاء المشتقات النفطية في مخازنهم؛ حتى غدت الحياة لا تطاق، فكيف بالمذاكرة ؟ وكيف بالامتحانات ؟ وكيف بفلذات أكبادنا المساكين؛ وهم في هذه الحال؛ والقائل فيهم يقول : ويوم الامتحان؛ يُعز المرءُ أو يهان !! في هذا اليوم؛ خرجت مدفوعاً بفضولي، وبحر المنزل الذي تحول بفعل فاعل الكهرباء ـ قاتله الله. إلى مخزن إسمنت .. قلت : على الأقل نعمل شيئاً.. نصبِّر الأبناء؛ وهم ذاهبون إلى معاركهم ( أقصد امتحاناتهم ) بأنهم لايصنعون مستقبلهم فحسب؛ بل يصنعون كذلك مستقبل وطنهم المشرق بأيديهم وعقولهم النظيفة بكل جدارة وشرف، بعيداً عن الغش، وفي أقسى الظروف، ونرمي بكلمة طيبة هنا، وأخرى هناك، ونذكِّر بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: من غشنا فليس منا، فعسى أن ينفع الله بكلامنا، ويعزز من معنويات الأبناء، ويحفزهم في هذا اليوم العصيب.. المشهود .والحقيقة أنني خرجت كمن يبيع ماءه بحارة السقائين، ويخطب حيث لا سامع يسمع، فالذي في رأسي شيء، والذي في الواقع شيء آخر .. ذهبت جهودي ونيتي الطيبة أدراج الرياح، واتضح لي أنني كمن يؤذن في مالطة، ويخطب في روما .. فالذي في رأسي كان متخلفاً عن الواقع جداً جداً .. المصيبة مركبة ومعقدة .. العقدة فوق ما كنت أتصور .. المصيبة ليست فقط حر الصيف .. وداهية الكهرباء المصطنعة .. المصيبة، بل المؤامرة أكبر، وأعظم .. وهنا كان الجهل كله !!رشقني الأولاد ببراكين من غضبهم الحليم .. الرحيم بشيبتي .. ترى؛ ما الذي جرى ؟ واأسفاه .. ما هذه الغفلة ؟ هل حقاً سأل المختصون أنفسهم بصدق : ما الذي تم توفيره خلال العام من المدرسين المتخصصين في كل مادة ؟ وما نسبة المتوفر كماً ونوعاً من المطلوب؟ وقبل ذلك أين تم التدريس ، في غرف دراسية؛ أم في علب صاردين ؟ في مبانٍ دراسية؛ أم تحت الأشجار والشمس والريح ؟ وما نسبة هذا إلى ذاك ؟ هل سأل المختصون أنفسهم في كل محافظات ومديريات البلد: إلى أي مدى تتناسب الأسئلة في كل مادة على حدة مع واقع ما تم من تنفيذ عملي للمقرر في ظل كل هذه الظروف ؟الحقيقة أن حسن الظن كان المصيدة، فكل تواكل ـ في غالب الظن ـ على غيره، باعتبار أن الجيل ملك هذا الوطن، ومسؤولية الجميع ولكن .. كان أصحاب النفوس الضعيفة في مربع آخر، وأدوات التخريب تلعب بكل أريحية؛ وبما يكفي ـ في إطار المؤامرة الكبرى التي شهدها الوطن مؤخراً ـ لدفع الناس في كل المحافظات دفعاً، وفي وقت واحد؛ للخروج ـ لولا لطف الله ـ إلى الشوارع في ما لا تحمد عواقبه، وما لا نهاية له سوى خراب وحرق كل شيء جميل، وإنهاء كل أمل كان قد تم بلورته في مخرجات الحوار الوطني للانطلاق صوب اليمن الاتحادي الديمقراطي الجديد المأمول .وخلال أيام الامتحانات؛ بدا جلياً أن المجتمع كله قد دخل امتحاناً عظيماً .. الأسئلة تسرب عبر الأنترنت.. الطلاب أمام أحاجي لا أسئلة .. الكل في حيص بيص .. وزير التربية يطمئن الطلاب بالمراعاة في أثناء التصحيح .. البعض يواصل أعمال التعقيد والتشديد .. المشكلة إذن تتواصل .. وهنا يبدو جلياً حجم المؤامرة التي استهدفت الوطن، وهنا يبدو الامتحان العظيم، والمتواصل ليس فقط على صعيد الامتحانات المدرسية والجامعية التي بدا أن معديها لا صلة لهم باليمن على الإطلاق، ولا الكهرباء المخنوقة حينها حتى الموت؛ بل وعلى صعيد كل مفاصل الحياة، وتصوروا معي أن يغدو أكثر من ثمانية أطباء أبرياء من أطباء مستشفى باصهيب العسكري في هذا الامتحان المتواصل، وفي لحظة من هذا الجنون الرهيب جزءاً من العالم الآخر؛ فضلاً عن عدد من الجرحى؛ هكذا .. دون جريرة ولا إثم؛ إلا أنهم مروا بسيلة الشيخ عثمان في أمان الله على حافلتهم، ذاهبين لأداء رسالتهم النبيلة، وتصوروا كذلك أن تغدو ـ على سبيل المثال. حتى منشآت، وممتلكات، ومشاريع، وأعمال صندوق النظافة وتحسين المدينة التي تكلف مئات الملايين من الريالات على الأقل، والتي تمس بضروريتها حياة كل آدمي في محافظة عدن .. أن يغدو كل ذلك هدفاً لمثل هذه الأعمال الإجرامية، التخريبية، البشعة.. وأن تغدو الآليات التابعة للصندوق، وورشتان من ورش الصيانة في المنصورة وخور مكسر حسب علمي أهدافاً من أهداف المخربين في هذا الامتحان الصعب؛ الذين لم يرحموا حتى عمال المطاعم، وهم أكثر الناس خدمة للمجتمع، لقد بلغ الأمر أن رشوهم في المنصورة بالبنزين حقداً وكراهية، أو من أجل حفنة من المال الزائل، تنفيذاً للأهداف التي أراد تحالف القاعدة المصطنع بزعامة قوى الثورة المضادة رمي البلد والشعب في جحيمها التي لا أول لها، ولا آخر . وهكذا، فقد أكتشفنا أنفسنا فجأة، وخلال أيام الامتحانات في معمعة امتحان قسري .. كبيرٍ .. قاسٍ.. لم يستثنِ أحداً .. ولم يتهاون مع أحد .. لكن ـ مع ذلك ـ هانحن نقف بشموخ .. نؤدي واجباتنا بكفاءة .. لم نسقط ـ بفضل الله ـ كما توقعت لنا القوى الظلامية، وهانحن نعانق جبال النجاح تباعاً .. وهاهي المؤامرات تسقط ظامئة .. كالحة .. غير مأسوف عليها .. كأوراق الخريف .. وهاهو الوطن ينتصر بناسه، وبحنكة قائده الحكيم .
الوطن ينتصر بناسه وحنكة قائده الحكيم
أخبار متعلقة